حسن مظفر الرزو/ مدير المكتب الاستشاري العلمي
كلية الحدباء الجامعة/ الموصل / العراق
عدّت المملكة الصوفية لدى الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي قدّس سرّه عبارة عن شجرة هائلة تنمو على فروع أغصانها مئات المصطلحات الصوفية العميقة، بإبداع جغرافي كوني لو توسعنا في التنقير بتربته المعرفية فإننا سنجد أنفسنا قبالة نسق معرفي متشابك يضم بين ثناياه جل النسق المفاهيمي لفكره الصوفي الخلاق، وتداخلاته مع مفردات عالم الشهادة غير المتناهية.
ولكي نمنح أنفسنا فرصة فهم جزء يسير من هذا النسق المفاهيمي المعقّد، نود لفت الانتباه الى حقيقة جوهرية يرتكز إليها الذوق الصوفي للشيخ الأكبر تستمد مادتها من معالجة النص القرآني بوصفه حقيقة موضوعية ترتبط بوشائج لا تقبل انفصاماً مع عالمي الغيب والشهادة!.
فكل مفردة قرآنية أودعها البارئ عز وجل في كتابه العزيز لها حقيقة تشخص قبالتها في عالمي الغيب والشهادة، وترتبط معها بوشائج متينة تستمد منها معاني وجودها الحقيقي والدلالي على حد سواء. وعليه لا يمكن أن نقوم بتفريغ دلالة أية مفردة قرآنية من خلال ممارسة عملية إقصاء الوجود الحقيقي المناظر لها على أرض الواقع، فهناك على الدوام خيط وجودي يصل بين المفردة القرآنية التي تستقر على الخارطة الجغرافية لكتاب الله العزيز المتلو، والخارطة الكونية لعالم الشهادة حيث تستقر عليها الكلمات التي تقابلها الموجودات بشتى أشكالها.
بصورة عامة تتألف المملكة الروحية لدى الشيخ الأكبر من طبقتين من رجال الله. تضم الطبقة الأولى رجال العدد، بينما تضم الطبقة الثانية رجال المراتب. وتكون طبقة رجال العدد محكومة بماهية الأمور التي تسري في عالم الشهادة، فما من أمر محصور في العالم بعدد محدد، إلا ولله رجال بعدده في كل زمان ومكان، لا يزيدون ولا ينقصون، يحفظ الله تعالى بهم ذلك الأمر. فالسماوات والأرضين سبع، يقابلهم من رجال هذه الطبقة البدلاء السبعة الذين يحفظ الله تعالى بهم الأرضين. وكذلك الجهات الأربع يشخص قبالتها الأوتاد الأربعة الذين تثبت دعائم الأرض بمرتبتهم الوجودية.
وتضم طبقة رجال العدد:
- القطب أو الغوث وهو فرد يعد موضع نظر الحق من العالم.
- الإمامان.
- الأوتاد، وعددهم أربعة.
- البدلاء السبعة يحفظ الله تعالى بهم الأقاليم السبعة.
- النقباء، وعددهم 12 بعدد بروج الفلك.
- الحواري، وهو فرد جمع بين نصرة الدين بالسيف والحجة.
- الرجبيون، وعددهم 40 رجل.
- الختم، وهو فرد في العالم لا يتكرر وجوده في الزمان أو المكان.
- المجتبى المصطفى، وهم الخيار وعددهم 300 رجل.
- رجال في مقام الغيرة الإلهية، وهم على قلب نوح عليه السلام، وعددهم 40 رجلاً.
- رجال في مقام السلامة، وهم على قلب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، وعددهم 40 رجلاً.
- ملوك الطريقة، وهم على قلب جبريل عليه السلام، وعدد 5 رجال.
- رجال الخير المحض، وهم على قلب ميكائيل عليه السلام، وعددهم 3 رجال.
- رجال عالم الأنفاس، وهم على قلب داؤد عليه السلام، وقد قسّمهم الشيخ الأكبر الى:
- رجال الغيب، وعددهم 10 رجال.
- رجال الظاهر، وعددهم 18 رجل.
- رجال القوة الإلهية، وعددهم 8 رجال.
- رجال الحنان، وعددهم 15 رجلاً.
- رجال الهيبة والجلال، وعددهم 4 رجال.
- رجال الفتح، وعددهم 24 رجلاً.
- رجال المعارج، وعددهم 7 رجال.
- رجال التحت أسفل، وعددهم 21 رجلاً.
- رجال الإمداد الإلهي والكوني، وعددهم 3 رجال.
- الإلهي الرحماني، وعددهم 3 رجال.
- رجل البرزخ، وهو رجل فرد.
- سقيط الرفرف، وهو رجل فرد.
- رجال الغنى بالله، وعددهم اثنان.
- رجال عين التحكيم والزوائد، وهم 10 رجال.
- الأبدال، وعددهم 12 رجلاً.
- رجال الاشتياق، وعددهم 5 رجال.
- رجال الأيام الستة، وعددهم 6 رجال.
أما إذا وجهنا نظرنا صوب رجال المراتب فإننا سنجد بأن الشيخ الأكبر قد بذل قصارى جهده بالتنقير عنهم بعد أن كشف ببصيرته الثاقبة عن حقيقتهم الوجودية داخل النص القرآني. فعمد الى إعداد خارطة سلطتهم الروحية على تربة عالم الشهادة، بعد أن التقط كل مجموعة من مجاميعهم، ثم بدأ بإسقاط هذه المراتب الوجودية على رجال سمع بهم، أو عاصرهم، أو التقى بهم في سياحته الصوفية، بحيث تطابقت هويتهم مع الهوية الوجودية لأصولهم القرآنية.
ورجال المراتب متقلبون بمقاماتهم التي تناظر الشمائل المحمدية من : زهد، وصبر، وتقوى، وورع، ومجاهدات، وغيرها من الخصال الحميدة. غير أن لكل صفة من هذه الصفات رجال مخصوصون في كل عصر وزمان، ويحكم عددهم السمة السائدة في ذلك العصر، دون أن تكون أعدادهم مخصوصة أو ثابتة، شأن رجال العدد الذين يناظرون الأس الكوني للوجود في عالم الشهادة حيث لا تبديل لكلمات الله.
ويمكن إجمال رجال المراتب بالأصناف الآتية:
- الملامية، وهم رجال المطلع.
- الصوفية.
- العباد.
- الزهاد.
- رجال الماء.
- الأفراد.
- الأمناء.
- القراء.
- الأحباب.
- المحدثون.
- الأخلاء.
- السمراء.
- الورثة.
- الأولياء، وهم على أقسام:
- الأنبياء.
- الصديقون.
- الشهداء.
- الصالحون.
- المسلمون والمسلمات.
- المؤمنون والمؤمنات.
- القانتون والقانتات.
- الصادقون والصادقات.
- الصابرون والصابرات.
- الخاشعون والخاشعات.
- الصائمون والصائمات.
- الحافظون لحدود الله والحافظات.
- الذاكرون الله كثيراً والذاكرات.
- التائبون والتائبات، والتوابون.
- المتطهرون.
- الحامدون.
- السائحون.
- الراكعون.
- الساجدون.
- الناهون عن المنكر.
- الحلماء.
- الأواهون.
- الأجناد الإلهيون.
- الأخيار.
- الأوابون.
- المخبتون.
- المنيبون.
- المبصرون.
- المهاجرون والمهاجرات.
- المشفقون.
- الموفون بعهد الله.
- الواصلون ما أمر الله به أن يوصل.
- الخائفون.
- المعرضون عمن أمرهم الله تعالى بالإعراض عنه.
- الكرماء.
وعند هذا المقام تكتمل دائرة رجال الله تعالى من المملكة الصوفية لدى الشيخ الأكبر، ولا يتبق أمامنا سوى التنقير عنهم على أرض الواقع التي خلت من الصالحين الذين هجروا زينة الحياة وزخرفها، ولم تبق سوى إشاراتهم التي تفتقر الى قلب سليم، وبصيرة تهتدي بنور الحق لكي تحسن فهم توجهات عباراتها.
هذه نفحة متواضعة سيقت الى فهمنا من فتوحات الشيخ الأكبر، نسأل الله تعالى السداد في جلاء ما خفي من معانيها، وإشاراتها، ولنا فيما قاله الشيخ المكزون السنجاري رحمه الله سلوى فيما قد يعنّ علينا من فتح مستغلقات الفتوحات التي باتت مستغلقة علينا هذه الأيام، عندما أعلنها صراحة بقوله :
هيهات أن يفهمني غير فتى حجّ كحجي وبعمرتي اعتمر !
فأين لنا بمن حج كحج الشيخ الأكبر، وطاف بطوافه العرفاني حول الكعبة المشرّفة ؟؟…..