بقلم مشتاق هلان
لما كان الله تعالى كنزاً مخفياً أحب أن يعرف كما جاء في الخبر ، فقبض قبضة من نوره وقال لها : كوني محمداً ( وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) فأحبه الله واتخذه حبيباً ؛ وجعل سر ظهوره بالمحبة ، فسبق حبه لنا حبنا له ( يحبهم ويحبونه ) ومن هذا النور المحمدي أظهر الوجود وأبدعه ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فكان هذا النور المحمدي هو الوسيلة العظمى بين الوجود وخالقه ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) وجعل في هذا الوجود خليفة له ، فخلقه على الصورة المحمدية ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) وسخر له كل شيء ، وعلمه الأسماء كلها ، وأسجد له الملائكة أجمع ؛ لأنه على تلك الصورة ، وصلى عليه الله وملائكته ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) وجعله أول الأنبياء في النبوة وخاتماً لهم ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) ولما ظهر شخصه في عالم الدنيا ، سطع نجمه في النبوة ، وأشرقت شمسه في الرسالة ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ) إذ كان بدعوته لنا أباً حنوناً عطوفاً رفيقاً ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) فألف بين قلوبنا وعفا عنا واستغفر لنا ودلنا على تزكية نفوسنا ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) فلم نستطع ذلك فذكرنا بأنه أولى بنا منا ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) فاعترفنا وطلبنا المزيد وادعينا محبة الله ( إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) فسألنا كيف يكون الإتباع ونحن لا نحبه أكثر من أنفسنا ؟ فقال لنا عن طريق حبيبه ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون عنده أحب إليه من نفسه ) فأحببناه أكثر من نفوسنا ، وأردنا بهذا الحب تزكيتها حتى يكتمل إيماننا ، فقال لنا إلا إذا زكاكم هو ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) فعلمنا أن المحبة لهذا النور يراد منها مع إيماننا به أن نعزره ونوقره وننصره ، إذ لا إيمان لمن لا محبة له ، فامتدحنا ( فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) فوجدنا الخير كل الخير في المحبة لهذا الظهور ، حتى إذا استنارت نفوسنا من هذا النور ، واستقت من المحبة كأساً طهور ، جازانا المولى عز وجل ، وجعلنا بنوره نسمع ونبصر ونبطش ونمشي ، وإن سألناه أعطانا ، وإن استعذنا به أعاذنا ، وما تردد عن شيء هو فاعله ، تردده عن قبض أرواحنا ؛ لأننا نكره الموت ، ويكره مساءتنا ، ولا نكره الموت جزعاً ، وإنما لانقطاعنا عن دعوة خلقه وتحبيبهم إليه ، فكنا بدعوتنا للخلق بين الخوف والرجاء من خالقنا ومولانا ، فجاء الخطاب الإلهي ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) فأجاب الحبيب الكريم الرؤوف الرحيم ( لا أرضى وواحد من أمتي في النار ) فأخذت المحبة لهذا النور منا كل مأخذ ، وامتلأنا قوة رحمانية فوق قوتنا ، وعلمنا أن قائدنا في تلك المحبة هو فارس المشارق والمغارب سيدنا الإمام علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) وهو حامل لواءها إذ عقده له حضرة النور الأعظم سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لما قال : لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فسأل عنه وأعطاها له ، فقال له الإمام علي : يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : لتغد على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً ، خير لك من حمر النعم ، ليعلمنا أن أصل الهداية هي المحبة ، فلما حمل لواءها سيدنا ، تضاعفت قوته بقوة تلك المحبة ؛ لأن فيها سر النورانية ، وخرجت قوته عن كونها قوة بشرية ، فعالج باب خيبر واقتلعه يوم افتتحها ، وجعله مجناً وقاتلهم به ، وأنهم جربوه بعد ذلك ، فلم يحمله إلا أربعون رجلاً ، فأرانا من قوة المحبة ونورها العجب العجاب ، وبرهن لنا الحبيب الطبيب عن سرها بأروع الدلائل والأسباب ، فكانت المحبة من أوثق العرى ، فاستمسكنا بها ، من قوله لنا ( من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) ففرحنا بهذا الفضل العظيم والنعمة الكبرى والرحمة المهداة ، فأكد فرحنا ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) ووعدنا بأن منهاج دينه سيسود العالم ، فتملأ الأرض قسطاً وعدلا ، بعدما ملئت ظلماً وجوراً ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً ) وتعهد لنا بأن لا يطفئ نوره شيء ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ) فاطمأنت بذلك الوعد قلوبنا ، وانشرحت صدورنا ، فرأينا كيف يئس الكفار من ديننا رأي العين ، فلم نخشاهم ، وبشرنا وهنئنا ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) .