الباحث محمد غازي عرابي
المتصوفة لا يفصلون بين المادة والروح ، لأن المادة مجال الروح ، ولا يقللون من أهمية المادة لأن من الواضح أن إصابة الدماغ بعلة يعطل نشاط الروح . . كما لو أن سيارة تسير بالوقود ويقودها سائق فتعطلت فبطل عمل السائق والوقود ، فلا فاصل بين السيارة وقواها من جهة والوقود والسائق من جهة أخرى . . . ضرورة عدم إقامة أي حد فاصل بين الفاعل والمنفعل ، بين الروح والمادة ، أي بين اسمي الله والباطن والظاهر . فلا ثنوية في واحدانية المتصوفة ، وهذا هو خلاصة كتاب الشيخ الأكبر ( فصوص الحكم ) الذي أصر على تجاوز كل فصل بين الله وظواهر أسمائه . فما خرج عنه إلا هو ، بل حتى فعل خرج هو من باب التسمية فقط ، أما من حيث الفعل فإن ظاهر وجود الله هو العالم باعتباره صورة له ، وباطنه هو هو باعتباره هويته . وواضح أن لا مجال للخوض فيما رميت به المتصوفة من تهم بالحلول والالتحاد وما شابه فما ثم موجود إلا هو . ولئن تحدثنا عن عطالة المادة وسلبية المتحرك إذ جرد من حركته فلكي نؤكد أن الله هو العلة الفاعلة ، وهو لا يفارق ظواهره ، إذ لا مجال لكي نضع كلمة مفارقة بين الله وظواهره ، ولا مجال لأن نقول إن الله حل في العالم أو اتحد به . فالعالم كمظهر ليس موجوداً إلا بالله ، والله كهوية هو حركة العالم الخفية . فإذا كان بالاستطاعة أن نجرد إنساناً من اسمه فيبقى هو هو من دون اسم ويبقى اسمه من دونه هو هو فباستطاعتنا عندئذ أن نفصل بين الله والعالم ، أو أن نقول إنه حل فيه أو اتحد به . وواضح أن الاسم هوية من تسمى به ، وواضع أن الهوية تنتمي إلى عالم المعقولات ، وأن من تسمى بالاسم ينتمي إلى عالم المادة ، وواضح أن الاسم والمسمى صورتان لحقيقة هي المدعوة بالله أو الرحمن الذي انتشرت منه صور الإمكانات الرحمانية المعبر عنها بالوجود الحي .
____________
المصدر :- علم الكشف للباحث محمد غازي عرابي – ص 79 – 80 .