يقول الإمام القشيري :« العوام في غطاء الستر ، والخواص في دوام التجلي … فصاحب الستر بوصف شهوده ، وصاحب التجلي أبداً ينعت خشوعه ، والستر للعوام عقوبة وللخواص رحمة ، إذ لولا أنه يستر عليهم ما يكاشفهم به لتلاشوا عند سلطان الحقيقة ، ولكنه كما يظهر لهم يستر عليهم … وعوام هذه الطائفة : عيشهم في التجلي وبلاؤهم في الستر ، وأما الخواص : فهم بين طيش وعيش : لأنهم إذا تجلى لهم طاشوا وإذا ستر عليهم ردوا إلى الحظ فعاشوا »(1) .
ويقول الشيخ عيسى بن الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره : « المستمع بين استتار وتجلي ، فالاستتار يوجب التلهيب ، والتجلي يورث الترويح . فالاستتار يتولد منه حركات المريدين وهو محل الصعق والعجز ، والتجلي يتولد منه سكون الواصلين وهو محل الاستقامة والتمكين ، وذلك صفة الحضرة ليس فيها إلا الذبول تحت موارد الهيبة ، قال الله تعالى : { فَلَمّا حَضَروهُ قالوا أَنْصِتوا } ( الأحقاف : 29 ) »(2) .
ويقول الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي: « المراد بالستر قيام الحجب المانعة من المشاهدة . وصاحب التجلي موصوف بالخشوع أبداً لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : {إذا تجلى الله تعالى لشيء خشع له }(3) .
وللخواص أيضاً ستر ، مع أنهم في دوام التجلي . والحالتان في حقهم متناقضتان لفظاً لا معنى ، لأن التجلي : عبارة عن حفظهم عن انكشاف سرادقات الجلال عن كمال الجمال ، والستر في حق الخواص : عبارة عن حفظهم عن التلاشي والاحتراق وتمكينهم في مقام الثبات ، إذ لولا ستره عليهم ما يكاشفهم به لتلاشوا عند ظهور سلطان الحقيقة … فالحاصل أن الستر للعوام عقوبة ، وللخواص رحمة ، وأصحاب الذوق كعوام هذه الطائفة فلا جرم إن عيشهم في التجلي وبلاءهم في الستر ، وأما الخواص فهم بين طيش وعيش إذا تجلى لهم طاشوا ، وإذا ستر عليهم تعالى ردوا إلى الثبات والتمكن فعاشوا »(4) .
_________
الهوامش :
(1) – الإمام القشيري – الرسالة القشيرية – ص 66 – 67 .
(2) – الشيخ عيسى بن الشيخ عبد القادر الكيلاني – مخطوطة جواهر الأسرار ولطائف الأنوار – ص 97 – 98 .
(3) – صحيح ابن خزيمة ج: 2 ص: 329 ، المستدرك على الصحيحين ج 1 ص 481 .
(4) – الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي – جامع الأصول في الأولياء – ص 315 .