محمد سالار شيخ علي/صحيفة الأتحاد
الشيخ اسماعيل الولياني الملقب بالغوث الثاني (قدس سره):
هو احد الاعلام البرزنجيين البارزين، وهو ابن الشيخ محمد النودهي الشهير بالكبريت الاحمر ابن السيد علي الوندريني، ابن العالم الفهامة الشيخ بابا رسول الكبير (بزورك)، ويتصل نسبة الشريف بقطب العارفين السيد عيسى البرزنجي . ولد الشيخ الولياني في قرية (نودي) سنة 1081 الهجرية، ولما ولد, تلقته يد الكرامة، وحف بالتوفيق من كل جانب ولم يزل متربيا في بيت اسس على التقوى والكرم، متغذيا بلبان النعم، ونشأ في حضن والده الجليل، حبر الامة ومربي الثقلين, الشيخ محمد امين النودهي وترعرع في الوسط العامر بالزهد والورع وانفتحت عيناه على دراسة القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، وتعود على سماع العلوم الاسلامية بانواعها المختلفة التي يتلقاها الطلبة عند والده الامجد ليل نهار. اذن من الطبيعي ان يكون هذا الوليد المبارك سليل اقطاب العلم والمعرفة، كريم العنصر والمنبت، مجبلا على حب العلم والتقوى ومتحليا بالاخلاق الفاضلة وهو في مهده. ومنذ نعومة اظفاره, انعكست على سيماه الوضاءة بشائر الولاية والجد والمثابرة والعلامات القطبية، ولما تفرس فيه والده الكريم تلك البشائر المشرقة اعتنى به بالغ الاعتناء واختصه بتربية دينينة صحيحة، وتعلم القرآن الكريم والنحو والصرف والفقه وغيره من العلوم الدينينة المتشعبة عند والده الاكرم وغيره من جهابذة العلوم آنذاك, وكان الشيخ الولياني متقد الذهن سريع البداهة بحيث فاق اقرانه في سرعة الفهم وقوة الادراك، ونال في مدة وجيزة مرتبة علميه رفيعة ما لاينالها غيره بسنوات طويلة, وبعد ان استوى وتبحر في العلوم كلها, اخذ الاجازة العلمية من والده واصبح عالما متضلعا, ولكن ابت روحه السامية التسليم لعلم الظاهر وسطوة الفكر والتفلسف, ولذلك نبذ التقليد والجمود وراء ظهره, سالكا اتجاه التصوف خائضا لججه غير مكترث لوعرة الطريق ومخاطرها, بل واجهة المصاعب بغية تزكية النفس وترويضها والاطاحة بالأفكار المتحجرة وايقاظ العقول الهاجعة التي لا ترى في هذا الوجود سوى ما تفضل به عليها العيون المتجردة من التفكر والتأمل, وبعد برهة من الزمن أخذ من والدة الجليل الطريقيتين (النوربخشية) و(العلوية)، علما ان طريقة النور بخشية هي الطريقة الوحيدة السائدة عند المشايخ البرزنجيين حتى عصر الشيخ بابا رسول الكبير، اما الشيخ بابا رسول الذي ولد في سنة 983 هـ بعد ان اكمل السلوك وفق الطريقة النوربخشية اخذ الطريقة العلوية التي هي فرع من الطريقة الخلوتية على يد كل من الشيخين نور الله وشكر الله، وارشد مريديه الى نوعين من الاذكار والاوراد. ومنذ عصر الشيخ بابا رسول الى عصر مربي الثقلين الشيخ محمد النودهي, كانت الطريقتان النوربخشية والعلوية شائعتين في كردستان وانحاء العراق ولا سيما الموصل كما كانتا شائعتين في دياربكر وحلب.
متى ظهرت الطريقة القادرية في كردستان؟
ان توضيح هذا الامر يقتضي إلقاء الضوء على بعض الجوانب من حياة الشيخ الولياني باني الطريقة القادرية في كردستان. ان الولياني بعد اخذه الطريقتين النوربخشية والعلوية من والده الاكرم, بدأ بالسياحة والتجوال, حتى استقر في منطقة “قرداغ” واتخذ خلوة في “كسنزان” واخرى “وليان” وهما باقيتان حتى الآن يزورهما الناس. والفترة التى قاضاها المترجم له في هاتين الخلوتين تتراوح بين سبع وثماني سنوات حسب بعض المصادر وما يرويه الثقات رواية شفوية متواترة، وفي هذه الفترة حبب اليه الخلوة واراد ان يعيش منزوياعن الناس, متفرغا للعبادة, مستصغرا هذه الحياة الزائلة لانه كان باحثا عن عالم يوائم ما في قلبه من الاشواق المتلفعة والاهداف السامية، وليطلق روحه الطاهرة متحررة من قيود الجسد وقيود النواميس المادية, وفعلا استطاع الولياني ان يتخطى كل المراحل التي ينالها الزهاد والمتصوفون وامتطى صهوة جواده سباقا كل اقرانه حتى اصبح قطبا لزمانه بلا منازع, ملما بالظاهر والباطن ولم يزل منهمكا في العبادة, ذاكرا في خلوته, وتسمو مراتبه المعنوية يوما بعد اليوم, ولكن الولياني أراد أن يختفي عن الخلق، ولذلك قال (أجد راحة النفس والطمأنينة في العزلة عن الناس والتفرغ لعبادة الله تعالى)، واخيرا امر به ان يبدا بالارشاد فبدأ به متاجها الى بغداد, وزار الشيخ احمد الاحسائي وبايعه وسلك على يده الطريقة القادرية. وبعد ان قضى عدة اربعينات في الخلوة والعبادة واكمل الرياضات الروحية, عاد الى كردستان وجاء بالطريقة القادرية التي لم تكن معروفة أنذاك في كردستان, فاصطحبه الشيخ مصطفى الخوشناوي المعروف بالشامي الى قرية “قازان قاية” في منطقة قرداغ، فلبث معه مكتسبا الطريقة والمعارف الروحية سالكا المقامات الى ان بلغ الذروة في الطريقة, فاستجاز, وصار من خلفائه، ثم طلب الرخصة ورجع الى منطقة (خوشناو) و(كوي), فاجتمع عليه الناس من تلك المنطقة ما بين العلماء والخواص والعوام وتسلكوا على يده وصاروا من مريديه، ثم قصد الشام فتبعه خلق كثير من افاضل العلماء وغيرهم, منهم الشيخ عبد الغني النابلسي مع رفعة مقامه في العلم والتقوى، تمسك به وبايعه واخذ الطريقة من يده, اما شيخه الولياني، مكث في (قازان قاية) فتألب عليه الناس من الأطراف والأكناف, وتبعه القسم الاعظم من علماء كردستان، فشاعت كراماته في الآفاق, وطار صيت ولايته، واستولت عليه الروحانية والالطاف الإلهية, وله خوارق وكرامات كثيرة بحيث لا تحصي, منها ان الولياني يرى في مجلسه في اشكال مختلفة, شابا مرة, وشيخا طاعنا في السن اخرى, كما يرى في لباس الملوك طورا, ولذلك اشتهر بالشاه الولياني, وفي زي العلماء طورا لآخر, وان تصرفاته الباطنية معرفة, بحيث يوصل المريد بنظرة واحدة الى اعلى درجات الولاية. ويقول الشيخ محي الدين كركوكي شاهدت منه خوارق كثيرة منها: نصب الحكام وعزلهم والمشي على الماء واحضار الفواكة في غير وقتها، ورؤية سيدنا خضر.
وكان للشيخ الولياني اقوال عرفانية سامية منها: مخالفة النفس رأس كل مجاهدة. وقال: الذكر جلاء القلوب وترك الشهوات رضى المحبوب. ومن وصاياه: اياكم ومصاحبة ثلاثة: العالم الغافل, والمتعلم المجادل, الصوفي الجاهل.
ومن ابنائه:
1- الشيخ رضا، وهو من كبار اولياء الله في عصره الشهير في كردستان باسم الشيخ رضا “ديليزة” كان كريم الخلق ومعروفا بمجاهدات النفس والخوض فيها وظهرت منه الكرامات والخوارق والاحوال السامية.
2- الشيخ عبدالكريم الخاوي .
3- الشيخ محمود كلسية.
4- الشيخ رسول.
5- الشيخ عبدالرحمن.
6- الشيخ المعروف الشهير في كردستان بـ(شيخ مارفه كوسةي كاني كةوة).
7- الشيخ يحيى الشهير بـ(كاك ئةحياي ديوانه) (قدس اسرارهم) كلهم من الصالحين والاقطاب المعروفين في كردستان.
وللولياني آلاف من المريدين والمحبين, كما له خلفاء كثيرون منهم: الشيخ رضا ديليزة، الشيخ مؤمن السازاني، الشيخ عبدالله عبدلاني, الشيخ عبدالغني النابلسي، درويش مصطفى خوشناوي, فقي مجةي جاف، الشيخ علي سوسي، كلهم من افاضل العلماء ومشايخ الطريقة. ومن خلفائه ايضا: الشيخ علي الدولبةموي الذي كان عالما فاضلا مرشدا لامعا في الطريقة القادرية, ومتصفا بالكرامات والاحوال الباهرة, وكان استاذا للعلامة الشيخ معروف النودهي, لان النودهي تلقى الطريقة القادرية من الشيخ علي الدولبةموي وليس من الشيخ اسماعيل الولياني كما نشرته صحيفة الاتحاد الغراء في العدد 293 مع كل تقديري لكاتب المقال الاخ شهاب القرة لوسي، ولكن الصحيح ان الشيخ على الدولبةموي اخذ الطريقة من شقيقه الشيخ الولياني ثم اعطاها للعلامة الشيخ معروف النودهي.
والشيخ محي الدين كركوكي هو ابن العلامة الشيخ حسن الكلزردي، والشيخ محي الدين هذا كان عالما فاضلا درس على علماء كردستان ومارس الامامة والتدريس في قرية (قوله) ثم انتقل الى كركوك وكان مرشدا لامعا في عصره وان عمه الشيخ الولياني استخلفه وجلس على سجادة المشيخة بعده وبقيّ في مدينة كركوك مستغلا بالارشاد وتربية المريدين حتى توفي فيها سنة 1195 هـ ودفن في المقبرة التي عرفت بعدئذ بـ (قبرستان شيخ محي الدين كركوكي) وله تأليفات في مختلف العلوم منها: السيف القاطع، مجمع الجواهر، ابدال للاعمال، جلب الراحة، الافاقة في رفع الفاقة، بحر الانساب، وبقي الشيخ محي الدين في خدمة الشيخ الولياني كثيرا، لذلك نرى اكثر ما روي عن الولياني ياتينا عن طريق الشيخ محي الدين الذي يقول(قلت يوما لعمي واستاذي الشيخ اسماعيل، ارني القطب, فاشار الى نفسه.. فقلت لا اعتقد, ثم رايت ليلة من الليالي ناداني هاتف, يا محي الدين اذهب الى مشرق الشمس, فوصلت اليه في ادنى زمان فكان هناك اول الفجر الصادق, فقال رجل يا محي الدين توضأ للصلاة وصل خلف القطب، فتوضأت في قصر له بابان يدخل الماء من باب ويخرج من آخر, فقال الرجل: هذا قصر عمك وهو قطب المشرق، وفي كل صلاة يؤم الاولياء في هذا المكان، وبعد ذلك رايت ثلاثة صفوف من الاولياء واقفين للصلاة يقتدون بالشيخ الولياني وموضعي كان خاليا في الصف الاخير, فصلينا ومكثت فيه حتى ارتفاع الشمس كثيرا، ثم رجعت الى منزلي فكان عندنا وقت وقت الفجر الكاذب, فلما اصبحت, ذهبت الى عمي فقلت له: ارني القطب فقال لي عمي: من لم يصل خلف القطب لا يعرفه فاعتقدت انه قطب المشرق، ثم طلبت منه اذن الاوراد والادعية, فاذن لي ويقول الشيخ محي الدين: ما علمت من معاني القرآن وخصائصه وما كتبت من تصنيفاتي كلها من بركات عمي الشيخ الولياني (قدس سره) لانها اقتسبت من ومضات معنوياته السنامية.
ويقول الشيخ حسن الكلزردي –اخوه – عن وفاته قبل وفاته زارني اخي الشيخ اسماعيل وقال تشرفت برؤية جدنا فخر الكائنات حضرة محمد عليه الصلاة والسلام في الرؤيا فقال قرب مجيئك الينا واوصاني بترك الدعاء الذي علمني سيدنا خضر وانك تتوفى في الغربة ثم بعد مدة سافر الى منطقة بادينان للارشاد وزيارة مريديه، فمرض هناك وسلم روحه الطاهرة ودفن في قرية ريفيه تاريخ وفاته 1158 هـ وقيل في وفاته:
امام بانوار الطريقة قد رقى
بحر باسرار الحقيقة قد طما
سمى ذبيح الله ارخت ملادحا
لفقدك اسماعيل قد بكت السما
ومن المفضل ان نشير في ختام هذا البحث الى ان الشيخ اسماعيل الولياني جد لسادات: القازان قاية، الكسنزانية، خاوي، ديليزة، كاني كةوة ، طوبتةبة ، قرة جيوار, هشةزيني، كاني خاكي.
فسلام على باني الطريقة القادرية في كردستان ومجددها العظيم السيد الشيخ اسماعيل الولياني (قدس الله سره).
___________________________
مصادر الموضوع:
1- القرآن المخطوط للعلامة الشيخ النودهي.
2- الكاتب المخطوط للسيد محمد المدني بعنوان الفصول في مناقب السيد عبد الرسول.
المصدر : مكتب الاعلام المركزي للأتحاد الكورد ستاني