الشيخ أبو العباس الصنهاجي :
« الرجاء فهو من منازل العوام وهو انتظار غائب وطلب مفقود وهو من أضعف منازل القوم في هذا الشأن لأنه معارضة من وجه واعتراض من وجه آخر وهو وقوع في الرعونة ولفائدة واحدة نطق به التنزيل فقال تعالى:{ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ }(1) يريد على العوض من أجر المجاهدة وقال جل جلاله:{ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ العنكبوت} (2) ووردت به السنة لفائدة وهي تبريد حرارة الخوف لئلا يقضي بصاحبه إلى اليأس والقنوط فهو دواة لمرض الخوف ولا يعرض ذلك المرض إلا لعوام هذه الطائفة فالخواص الرجاء عندهم شكوى ومطالعة عوض وعمى لأن العبد على سبيل البر والألطاف وفي بحر الجود والأعطاف غريق وتحت وابل الإحسان مغمور ولم يدع له ما يشاهده من مولاه مستزاداً ولا كشف له عما طالعه منه في الدارين مزيداً فالرجاء وهن وعقال وفترة وعلة وفي المحبة وصمة قال الله تعالى : أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (3) وجوده لهم رجاء ولا غادر حبه لشيء من الكونين في قلوبهم أثراً أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ (4) الآية مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ (5) الآية .
وسئل بعضهم ما مراد العارف فقال دوام معروفه أشار بذلك إلى بقاء مراده تعالى وفناء اختيار العارف لأن معروفه دائم أبداً فماذا بعد الحق إلا الضلال .
وقيل أن بعض العرب ضلت راحلته عنه وكانت ليلة مظلمة فأكثر الطلب لها والفحص عنها فلم يعثر عليها فلما طلع القمر وانبسط نوره وضياءه رأى ناقته باركة برحلها في بعض الأودية فاستبشر بذلك وكان قد اجتاز بذلك الموضع والظلام يحول دونها فرفع رأسه إلى القمر مشيراً إليه فقال:
ماذا أقول وقولي فيك ذو حصر
وقد كفيتني التفصيل والجملا
إن قلت لازلت مرفوعاً فأنت كذا
و قلت ذلك ربي فهو قد فعلا
فكذلك العارفون بالله تعالى لم يبق لهم أمل يتعلقون به ولا غرض يسترقهم فيقفون معه فإن في أقل أقل ما لا طفهم به أجل أجل ما تنتهي إليه آمالهم وتقف عنده أحوالهم ولهذا أخبر رسول الله عن نعيم أهل الجنة فقال لهم فيها ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخراً من بله ما اطلعتم عليه فإذا كان ذلك لهم وهو حظ النفس من الجنة فما ظنك بما لهؤلاء وهو حظ القلوب من الله تعالى وفي ذلك قال قائلهم
قولوا لأمالي ألا فابعدي
قد أنجز الأحباب لي موعدي
قد كنت قبل اليوم مستأنساً
منك بخل مشفق مسعدي
وأن نسيم الروض من وصلكم وصلهم
هب فلي عندك ظل ندى
وحيث لاحت لي أعلامهم
فليس بي فقر إلى مرشدي
قال الله تعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (6) »(7).
___________
الهوامش:ـ
(1) – البقرة : 218 .
(2) – العنكبوت : 5 .
(3) – الصافات : 86 .
(4) – الفرقان : 45 .
(5) – المجادلة : 7 .
(6) – العنكبوت : 69 .
(7) – الشيخ أبو العباس الصنهاجي – محاسن المجالس – ص 85 – 87 .