(وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)
لا يمكن لمخلوق ان يعطي الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم حقه وانه فوق وصفنا وفوق ان ندركه ونفهمه، من رسول رحيم كريم عظيم وهو مصدر العقيدة بالذات الالهية وبالدين الحق وهو المصطفى المختار والذي قال الله سبحانه وتعالى في وصفه الله تعالى عليه وسلم ( وانك لعلى خلق عظيم ). فالواصف هو الله جل شانه والموصوف الممدوح هو صفيه وحبيبه ونبيه صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله وصحابته ومن تبعه باحسان الى يوم الدين. والمدح باعظم الصفاة الا وهي الخلق الرفيعة وبأن المؤكدة ولام التوكيد، والاخلاق تلك الصفة الجامعة من صدق وامانة ووفاء وحلم وكرم وعفة وحياء وشجاعة وكل صفة حميدة، وهو المبعوث رحمة للعالمين اي ليس للمسلمين فقط بل مسلمين وغير مسلمين والانس والجن والحيوان والطير والشجر والحجر والبيئة وكل مخلوق.
نعم انه نور وشعاع ورحمة ورأفة وعون وعلم وحلم وعقل وهو الشفيع والحبيب، يصفه جل وعلا في كتابه العزيز قائلا : الله تعالى عليه وسلم( لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم). وهو الذي قال ” صلوا كما رايتموني اصلي ” وقال ” خذوا عني مناسككم “، ومنه تعلمنا شعائر ديننا وتعلمنا كيف نصلي ونقف بين يدي الخالق العظيم وعلمنا كيف نحج ونؤدي المناسك وكيف نتقرب الى الله تعالى، وكذلك انعم الله عليه وعلى امته تحت قيادته وتحت ظله ودعوته وارشاده ومنه تعلمنا ان الاسلام تشريع وبيان للحلال والحرام والواجب والسنة والجائز والمندوب والمكروه والصحيح والفاسد، ولم يبق شيئاً من امور ديننا الا وقد ضمنه اما بقران ووحي نازل من الله تعالى وموجود في كتاب الله او بسنة قولية او فعلية او تقريرية والله تعالى اخبرنا بقوله: ( وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى). وان لشريعة ديننا مصادر اخرى مكملة لكتاب الله تعالى وسنة حبيبه وصفيه صلوات الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم من اجماع وقياس ومصالح مرسلة والاستصحاب والاستحسان والعرف ومذهب الصحابي ومذهب من قبلنا وكل هذا تعلمناه من رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم وتركنا على المحجة البيضاء وحين يقول الله تعالى 🙁اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) وهذه الاية العظيمة مصداق لوسعة دعوة ودين الاسلام وعظمة رسوله القائم بالتبليغ والذي نال كل انواع المرارة وهو الحبيب المصطفى والذي قال ” اللهم اليك اشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، اللهم ان لم يكن لك علي غضب فلا ابالي “.
وما اعظمك من رسول وحبيب ورحيم ورؤوف يارسول الله. يا من صلى عليك الله وسلم تسليما واخبرنا قائلا 🙁ان الله وملائكته يصلون على النبي ياايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) فاخبار بصلاة الله وملائكته على هذا الرسول الكريم وامر للمؤمنين بالصلاة والتسليم عليه. فصلوات الله وسلامه عليك وعلــى آل بيتك عدد خلقك وزنة عرشك ومداد كلامتك، اللهم اكتبنا من امته واحشرنا في زمرته وادخلنا معه جنات الخلد واجعله لنا شفيعا. ولنعش مع هذه الاية العظيمة لعلنا نتعلم قطرة من بحر من علم الله وشيئاً من كنه رسوله المصطفى والمقتدى صلوات الله عليه واله وصحبه 🙁هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) ولنقف مع هذه الثلاثة ( التلاوة، والتزكية، والتعليم ) .
أن يقوم الرسول الله تعالى عليه وسلم بتلاوة القران على صحابته وتلامذته ولا زلنا نتلوه دون تغيير او تحريف بوعد من الله تعالى 🙁 انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)، ثم التزكية وعملية التزكية عملية غاية في القوة وهي مصدر الرقة والتصوف والعيش مع الله بما يرضي الله ورسوله وهي عملية تربوية للاجيال لحمل كل الصفاة الحميدة من صدق وامن وسلم وامان ووفاء وحلم واناة وشجاعة وتدبر وغيرها.
نعم .. ان عملية التزكية لا يمكن لأحد ان يقوم بها الا اذا كان يحمل في اعماقه اعلى درجات الخلق الفاضلة والعلم الغزير وهي عبارة عن مرحلتين:
الاولى:- التخلية بمعنى ان يقوم المربي بتخلية التلميذ، اي تخلية باطنه واعماقه وخلقه من كل رذيلة وخسة وكذب وزور وبهتان وفساد وفحش وظلم وجهل وكل الرذائل.
الثانية:- التحلية بمعنى ان يقوم المربي بعد التفريغ والتخلية بزرع كل الصفاة الحميدة العالية باتجاه معاكس لما قام به من تخلية فيزرع الحب بدلا عن الكراهية والعلم بدلا عن الجهل والصدق بدلا عن الكذب والحلم بدلا عن التهور والعدل بدلا عن الظلم وفوق كل ذلك الايمان بدلا عن الكفر والشرك والعفة بدلا عن الفحشى وهكذا زرع كل صالح بدلا عن كل فاسد. فترى ان ذلك الانسان الفاسد يتحول الى انسان صالح بعملية التزكية والذي يشغل المربون انفسهم بها فسيدنا عمر رضي الله عنه يتحول من انسان يدفن ابنته وهي حية في مجتمع جاهلي قبل عملية التزكية ويتحول الى هذا الرجل العادل والشجاع العظيم بعد عملية التزكية، وابو ذر رضي الله عنه وهو رجل في مرحلة من مراحل التزكية قبل التخلية في قضية جزئية يقول لبلال ( ياابن السوداء) وبعد التزكية يتغير بحيث يتحلى بكل صفة احترام للاخر ويتواضع لبلال رضي الله عنه، وهكذا كل الصحابة تربوا على التزكية والتابعون والى يومنا هذا، وهناك من اولياء الله الصالحين كامثال الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره حين يكون صادقا ويعلم الناس الصدق ويبر بوالدته نلاحظ كيف انه ينجو ويربي الاجيال
ثم تأتي المرحلة الثالثة:- وهي التعليم وماهذا العلم الذي يتعلمه المسلم من دينه الا بعد ان يحمل فكره في اعماقه ولافائدة لعلم بلا عمل.
اذن التلاوة اولا ثم التزكية وحمل الاسلام في داخل الانسان من خشيتة من الله تعالى وخشوع بعد ايمان عميق والتخلق بأخلاق الاسلام ثم ياتي العلم به حيث الشخص المسلم يحمل النفسية الاسلامية ثم العقلية الاسلامية فلا فائدة من عقل اسلامي دون ان يكون صاحب العقل حاملا للاسلام بنفسية عالية. فالمستشرقون يحملون العقلية الاسلامية دون تزكية ونفسية اسلامية ففائدتها دنيوية فقط والصحابة رضوان الله عليهم كانوا قرائين يمشون على الارض لانهم تتلمذوا على يد المربي العظيم والرسول الحبيب صلوات الله عليه واله وصحبه وسلم وحينئذ يتعلم احدنا العلم وينتفع منه ولنتامل قوله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم لفهم عمق وقوة التزكية ” الناس هلكى الا العالمون والعالمون هلكى الا العاملون والعاملون هلكى الا المخلصون والمخلصون على شفا خطر عظيم “، وللامام الغزالي رحمه الله تعالى طريقة في التزكية وفي التخلي عن العيوب والتخلص منها باحد اربعة اشياء:-
الاول: ان يكون للمرء شيخ ومرشد وموجه يوجهه.
الثاني: ان لم يكن فصديق صادق وذو علم وخلق ينبهه كصديق.
الثالث: ان لم يجد فيتعلم من الناس فيعطي سمعه ويدقق فان رأى شيئاً او صفة مستحسنة عند الناس استفاد منها وتخلق بها وان كانت هذه الصفة توصف بالرذيلة ابتعد عنها.
الرابع: ان يتابع عيوبه من افواه خصومه وان خصومه يبحثون عن عيوبه فان ذكر عيوبه اصلح حاله وغير سلوكه.
فهل يمكننا ان نعطي حق رسول الله عليه الصلاة والسلام بمقال او كتاب او مكتبة… هيهات هيهات انه مصدر الايمان والعقيدة والتشريع والشعائر والاخلاق والعلم والعقل والحكمة والفضل والحلم والشجاعة والوفاء والعدل والاحسان والعقل والعرفان وهو النور الذي فضله الله على خلقه وهو حبيبه وصفيه وخير خلقه وافضل رسله واحب خلقه اليه وهو صاحب الجمال والكمال والانعم من الحرير والصادق الامين وهو الذي غير الله به وجه التاريخ من اكبر بداوة الى اكبر حضارة في (23) سنة كل ما نقول فيه قطرة من بحر.
اللهم انا نحبك ونحب نبيك وال بيته الاطهار وصحابته الميامين فارزقنا حبك وحب نبيك وصلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه وسلم.