وردت لفظة الحظ في القرآن الكريم سبع مرات ، ومنها قوله تعالى : ( وَما يُلَقّاها إِلّا الَّذينَ صَبَروا وَما يُلَقّاها إِلّا ذو حَظٍّ عَظيمٍ ) . وعن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لنا : ( إن أبا بكر تأول الرؤيا وإن الرؤيا الصالحة حظ من النبوة ) . رواه الطبراني والبزار
أما في الاصطلاح الصوفي ، فيقول الشيخ ابن عجيبة في تفسيره البحر المديد في قوله تعالى : {وما يُلقاها إِلا الذين صبروا} ، بيَّن الله سبحانه ألا يبلغ أحد درجة الخلق الحسن ، وحسنات الأعمال وسُنِيَّات الأفعال ، إلا مَن تصبّر في بلاء الله ، وامتحانه ، بالوسائط وغير الوسائط ، ولا يتحمّل هذه البليات إلا ذو حظ عظيم من مشاهدته ، وذو نصيب من قربه ووصاله ، صاحب معرفة كاملة ، ومحبة شاملة : وكمال هذا الصبر الاتصاف بصبر الله ، ثم الصبر في مشاهدة الأزل ، فبالصبر الاتصافي ومشاهدة الأبدي ، والحظ الجمالي ، يوازي طوارق صدمات الألوهية ، وغلبات القهّارية . ثم قال عن الجنيد : ما يوفق لهذا المقام إلا ذو حظ عظيم من عناية الحق فيه .
ويقول الماوردي في تفسيره للآية وما يلقاها إلا ذو حَظٍ عظيمٍ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ذو جد عظيم ، قاله السدي .
الثاني : ذو نصيب [ وافر ] من الخير ، قاله ابن عباس .
الثالث : أن الحظ العظيم الجنة . قال الحسن : والله ما عظم حظ قط دون الجنة .
ويحتمل رابعاً : أنه ذو الخلق الحسن .
أما الشيخ الرازي فيقول : فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ يعني إذا قابلت إساءتهم بالإحسان ، وأفعالهم القبيحة وبالأفعال الحسنة تركوا أفعالهم القبيحة وانقلبوا من العداوة إلى المحبة ومن البغضة إلى المودة ، ولما أرشد الله تعالى إلى هذا الطريق النافع في الدين والدنيا والآخرة عظمة فقال : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ قال الزجاج : أي وما يلقى هذه الفعلة إلا الذين صبروا على تحمل المكاره وتجرع الشدائد وكظم الغيظ وترك الانتقام . ثم قال : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ من الفضائل النفسانية والدرجة العالية في القوة الروحانية ، فإن الاشتغال بالانتقام والدفع لا يحصل إلا بعد تأثر النفس ، وتأثر النفس من الواردات الخارجية لا يحصل إلا عند ضعف النفس فأما إذا كانت النفس قوية الجوهر لم تتأثر من الواردات الخارجية ، وإذا لم تتأثر منها لم تضعف ولم تتأذ ولم تشتغل بالانتقام ، فثبت أن هذه السيرة التي شرحناها لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم من قوة النفس وصفاء الجوهر وطهارة الذات ، ويحتمل أن يكون المراد : وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم من ثواب الآخرة ، فعلى هذا الوجه قوله : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ مدح بفعل الصبر ، وقوله: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ وعد بأعظم الحظ من الثواب .
وأخرج ابن المنذر عن أنس رضي الله عنه في قوله: وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم قال : الرجل يشتمه أخوه فيقول: إن كنت صادقاً يغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً يغفر الله لك .
وفي موسوعة الكسنزان للسيد الشيخ السلطان الخليفة محمد المحمد الكسنزان ( قدس الله سره ) يقول الدكتور عبد المنعم الحفني : « الحظوظ : هي حظوظ النفس ، وهي لا تجتمع مع الحقوق لأنهما ضدان لا يجتمعان . والحقوق : هي الأحوال ، والمقامات ، والمعارف ، والإرادات ، والقصود ، والمعاملات ، والعبادات » .
أما العلاقة بين الحظوظ والحقوق فيقول الشيخ الطيالسي : « إذا ظهرت الحقوق غابت الحظوظ ، وإذا ظهرت الحظوظ غابت الحقوق » .
ويقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني ( قدس الله سره ) في مراتب ترك الحظوظ : « ترك الحظوظ ثلاث مراتب :
الأولى : يكون العبد ماراً في عشواه ، متخبطاً فيه ، متصرفاً بطبعه في جميع أحواله ، من غير تعبد لربه ، ولا زمام في الشرع يرده ، ولا حد من حدوده ينتهي إليه عن حكمه .
الثانية : يبعث الله إليه واعظاً من خلقه من عباده الصالحين ، فينبهه ، ويثنّيه بواعظ من نفسه ، فيتظافر الواعظان على نفسه وطبعه .. فيصير العبد مسلماً قائماً مع الشرع … فيسير على مطية المباح والحلال بالشرع في جميع أحواله إلى أن تنتهي به هذه المطية إلى عتبة الولاية والدخول في زمرة المحققين والخواص أهل العزيمة مريدي الحق ، فيأكل بالأمر ، فحينئذٍ يسمع نداء من قبل الحق من باطنه : اترك نفسك وتعال ، اترك الحظوظ والخلق إن أردت الخالق .
الثالثة : إذا تحقق الوصول ، جاءت الخلعة من قبل الحق وغشيته أنواع المعارف والعلوم وأنواع الفضل ، فيقال له : تلبس بالنعم والفضل » .
وفي حالات تناول الحظوظ والأقسام يقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني ( قدس سره العزيز ) : « أربع حالات في تناول الحظوظ والأقسام :
الأولى : بالطبع ، وهو الحرام .
الثانية : بالشرع ، وهو المباح والحلال .
الثالثة : بالأمر ، وهي حالة الولاية وترك الهوى .
والرابعة : بالفضل ، وهي حالة زوال الإرادة ، وحصول البدلية ، وكونه مراداً قائماً مع القدر الذي هو فعل الحق . وهي حالة العلم والاتصاف بالصلاح » .
أما في مراتب حظوظ الأولياء فيقول الشيخ أبو يزيد البسطامي : « حظوظ الأولياء مع تباينها في أربعة أسماء : الأول والآخر الظاهر والباطن ، فمن فني عنها بعد ملابستها : فهو الكامل التام . ومن كان حظه من اسمه الظاهر ، لاحظ عجائب قدرته . ومن كان حظه من اسمه الباطن ، لاحظ ما جرى في السرائر من أنواره . ومن كان حظه من اسمه الأول ، كان شغله بما سبق . ومن كان حظه من اسمه الآخر ، كان مرتبطاً بما يستقبل » .
والمقارنة في الفرق بين حظوظ القلب وحظوظ النفس يقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني قدس سره العزيز : « حظوظ القلب باطنة ، وحظوظ النفس ظاهرة ، فحظوظ القلب لا تأتي إلا بعد منع النفس حظوظها ، فإذا امتنعت انفتحت أبواب حظوظ القلب ، حتى إذا استغنى القلب بحظوظه من الحق ( جاءت الرحمة للنفس ، يقال لهذا العبد : لا تقتل نفسك ، فيأتيها حينئذٍ حظوظها ، فتتناولها وهي مطمئنة » .
وكذلك من أقوال مشايخ الصوفية في الحظ ما قاله الشيخ أبو يزيد البسطامي : « ذكري لله حظي من الله ، ووقت غفلتي حظ الله مني » .
ويقول الشيخ أحمد بن العريف الصنهاجي : « لولا حظ باق ، لأحرق الاشتياق الأرواح » .
ويقول الباحث محمد غازي عرابي : « حظك : مقامك وكونك من أهل السعادة أو من أهل الشقاء … وعلم الحظوظ علم عزيز ونادر ، ولقد خص به بعض العباد ليكونوا قادرين على سياسة الناس » .
ومن حكم الصوفية في مسألة الحظ يقول الشيخ علي الكيزواني : « إذا أراد الله بعبد خيراً جعل عبوديته نصب عينيه ، وستر عنه حظوظ نفسه ، وإذا أراد بعبد سوءاً جعل حظوظ نفسه نصب عينيه ، ومن أعظم حظوظ النفس توقع الكرامات » .
ويروي ابن عجيبة في كتابه إيقاظ الهمم في شرح الحكم حكاية من حكايات الصوفية : أنه كان بعض السادات يبكي ، فقيل له لم هذا البكاء ؟ فقال له : ليس بكائي من ذنوبي وعصياني لأن ذلك من صفة نفسي ، وإنما بكائي على أن كانت أقساماً قسمت ، وحظوظاً أجريت ، وكان حظي منها البعد .
وأخيراً فإن الحظ العظيم عند مشايخ الكسنزان ( قدست أسرارهم أجمعين ) : هو أخذ الطريقة ، لأنه يُدخل الإنسان في سعادة الدارين .