آداب المريد مع الإخوان
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى (1) .
وقال صلى الله تعالى عليه وسلم : الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا (2) .
فعلى المريد آداب مع أخوانه وأقرانه نوجزها بما يلي :
- ينبغي لمن قام متعبداً أن لا يرى نفسه على أحد من إخوانه الذين ينبههم وقت السحر بل يرى نومهم أخلص من عبادته .
- عليه مراعاة المريدين المبتدئين صغاراً أو كباراً والصبر على بعض تصرفاتهم لحين تطبعهم وعدم جرهم إلى علوم أرقى من مرحلتهم أو مطالبتهم بالرياضات والسلوك في بداياتهم خشية نفورهم وتراجعهم القهقري .
- أن لا ينظر لهم أبداً إلى عورةٍ ظهرت ولا إلى زلةٍ سبقت ، إذ هو معرض للوقوع بمثلها وعليه أن يدله على من يصلح حاله وزلته لأنه ليس هو مُعَد لإصلاح غيره وإنما هو مشغول بإصلاح نفسه فقط ليخرجها عن رعونتها .
قال الشيخ الحسن البصري : والله لقد أدركنا أقواماً لا عيوب لهم فتجسسوا على عيوب الناس فأحدث الله لهم عيوباً .
وكان يقول : إذا بلغكم عن أحد زلة ولم تثبت عند حاكم فلا تعيروه بذلك وكذبوا من أشاعها عنه ، لاسيما إن كان هو ينكر ذلك ، ثم إن ثبت حقاً فإياكم أن تعيروه أيضاً فلربما عافاه الله وابتلاكم .
- وعليه أن ينفق على نفسه وعلى إخوانه كلما فتح الله تعالى عليه من الحلال أولاً فأول ولو كانت فجلة أو خيارة ولا يعود نفسه الاختصاص بشيء عن إخوانه مطلقاً فإن من آثر نفسه على إخوانه في الشهوات لم يفلح أبداً .
- التواضع لهم والإنصاف معهم وخدمتهم بقدر الإمكان إذ كما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : سَيدُ القََومِ خادِمهُم (3) .
- على المريد أن يرى نفسه دون كل مريد .
قال أحدهم : من أراد أن يصير الوجود كله يمده بالخير فليجعل نفسه تحت الخلق كلهم في الدرجة لأن المدد الذي في الخلق كالماء لا يجري إلا في المواضع المنخفضة دون العالية أو المساوية . فمن رأى نفسه مساوياً لجليسه فمدده لا يجري إليه بل واقف أو أعلى منه فلا يصعد إليه ذرة من مدده ، ومن وصية الشيخ أحمد الرفاعي الكبير قدس الله سره لأصحابه وهو محتضر : مَن تمشيخ عليكم فتتلمذوا له فإن مّد لكم يده لتقبلوها فقبلوا رجله وكونوا آخر شعرة في الذنب فأن الضربة أول ما تقع بالرأس (4)، وضرب مثلاً نخلة البلح وثمارها وشجرة اليقطين لما وضعت خدها على الأرض ولو حملت مهما حملت لا تحس بثقله تذكرة لأولي الأبصار وكان كثيراً ما يقول من لم يكن له خد يُداس لم تكن له يد تُباس.
- ومن شأنه أن يراعي غفلة إخوانه عن الذكر في التكية فيذكر الله تعالى وحده في وقت غفلتهم لتنزل الرحمة على إخوانه فيحسن إليهم بذلك ويكتب له أجر عظيم .
- الامتناع عن غيبة أحد من إخوانه وحفظ حرمتهم غائبين أو حاضرين ، فلا يغتاب أحداً منهم ، ولا ينقص أحداً ، لأن لحومهم مسمومة كلحوم العلماء والصالحين (5).
- ومن شأنه أن يراقب قلبه من جهة إخوانه فمهما رأى عنده تغيير وتشويش من أحد من المسلمين فليرجع على نفسه باللوم ويتهم نفسه بالكبر والنفاق وليسع في إزالة ذلك من قلبه ، ويقدم العذر لأخيه فيما وقع معه قياماً بواجب حق الأخوة.
قال أبو بكر الكتاني (رحمه الله) : صحبت رجلاً وكان على قلبي ثقيلاً فوهبت له شيئاً بنية أن يزول ثقله من قلبي فلم يزل فخلوتُ به يوماً وقلت له ضع رجلك على خدي فأبى فقلت له لابد من ذلك فزال ما كنت أجده في باطني .
- نصيحتهم بتعليم جاهلهم وإرشاد ضالهم ، وتقوية ضعيفهم .
وللنصيحة شروط ينبغي التزامها ، وهي ثلاثة للناصح ، وثلاثة للمنصوح .
فشروط الناصح : أن تكون النصيحة سراً ، أن تكون بلطف ، أن تكون بلا استعلاء ، أما شروط المنصوح : أن يقبل النصيحة ، أن يشكر الناصح ، أن يطبق النصيحة (6) .
- إظهار التسامح معهم والصفح عن عثرات الإخوان وترك تأنيبهم عليها
وقبول عذرهم إذا اعتذروا عنها لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ (7) .
وقال الفضيل بن عياض : « الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان »(8) .
وقال ابن الأعرابي : « تناسَ مساوئ الإخوان يدم لك ودّهم »(9) .
- حسن الظن بالإخوان وحمل كلامهم على أحسن الوجوه ما وجدت إلى ذلك من سبيل ، وشهود الصفا فيهم واعتقاد كمالهم فلا ينقص أحداً ولو رأى منه ما يوجب النقص في الظاهر فالمؤمن يلتمس المعاذر فليلتمس له سبعين عذراً فإن لم يزل عنه موجب نقصه ، فليشهده في نفسه فالمؤمن مرآة أخيه ما كان في الناظر يظهر فيه ، فأهل الصفا لا يشهدون إلا الصفا ، وأهل التخليط لا يشهدون إلا التخليط ، وأهل الكمال لا يشهدون إلا الكمال ، وأهل النقص لا يشهدون إلا النقص ، قال صلى الله تعالى عليه وسلم : خِصلتانِ ليسَ فَوقَهما شَيء مِنَ الخيرِ حسنُ الظنِّ بالله وحسنُ الظنِّ بعبادِ اللهِ وخصلتانِ ليسَ فوقهما شيء من الشرِ سوءُ الظنِّ بالله وسوءُ الظنِّ بعبادِ اللهِ وباللهِ (10) .
- أن يجتهد في عشرة أهل الخير وطلاب الآخرة وأن يجانب طلاب الدنيا فإنهم يدلونه على طلبها ومنعها وذلك يبعده عن نجاته ويقظته عنها .
عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال : قيل : يا رسول الله من نجالس ؟ .
أو قال : أي جلسائنا خير ؟
قال صلى الله تعالى عليه وسلم : مَنْ ذكَّرَكُم الله رؤيته ، وزادَ في علمكُم مَنطقه ، وذَكَّرَكُم بالآخرةِ عَمَلَه (11) .
- أن يفي بوعوده لهم ولا يحنث معهم ، قال الثوري رحمه الله : « لا تعد أخاك وتخلفه فتعود المحبة بغضة »(12) .
- إذا خص المريدون ببعض العلوم الروحية نتيجة مجاهداتهم وإخلاصهم فإنهم غير مسموح لهم بإيصال ما توصلوا إليه إلى عامة المريدين لأنهم خصوا بذلك لينتفعوا به وحدهم ، ولأن كل مريد مطالب أن يصل إلى تخصصه بنفسه ولا يتعلمه من أحد ، ولا يقلد أحداً في حاله إذ الأمور الروحية غير قابلة للتقليد .
- أن لا يبرر إيذاءه لإخوانه بتفسيرات روحية لان المشايخ لا يأمرون المُريد إلا بالمعروف ، وهم وحدهم كفيلون بمحاسبة الخاطئ أو إعفائه لقوله تعالى : إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (13).
- من أدب المريدين مع بعضهم بعضاً : الإحسان ، والكلام اللين ، والمودة ، سيما عند زيادة بعضهم بعضاً ، فإنها تتأكد عليهم شرعاً ، لأن زيارة أهل الفضل بعضهم بعضاً بنيةٍ سبب في فيض المدد الرباني ، والمعنى متوقف على الحس لا محالة ، فلا بد من حمل شيء من الحس لتأخذ المعنى ، أعني : الزيارة ، وذلك ما يسهل من غير حرج ، في ذلك ، ومن لم يجد فحزمة من الحطب (14) .
- الصبر عند أذية الأخوان فالتعرض للأذية جائز عند القوم ، بل هو مطلوب ، لأنه موجب لصفاء قلوبهم ، وموت نفوسهم . وقد جاء في تحمل الأذى والصبر عليه فضل كبير ، وخير كثير ، وهذا فيمن أصابه شيء من ذلك قهراً عليه ، فكيف بمن رضي بذلك ، وتعرض له اختياراً منه ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبِي ضَمْضَمٍ ؟
فقالوا : وما كان أبو ضمضم يا رسول الله ! ؟
فقال : كان إذا أصبح وأراد الخروج من داره ، قال : الَّلهمَّ إني تَصدَّقتُ بِعرضي على عِبادِكَ (15) .
- عدم الإنكار على الإخوان : منه وصية الشيخ إبراهيم الدسوقي
«لا تنكروا على أخيكم حاله ولا لباسه ولا طعامه ولا شرابه فإن الإنكار يورث الوحشة والانقطاع عن الله تعالى والإنكار على أحد إلا أن ارتكب محظوراً صرحت به الشريعة المطهرة فإن الناس خاص وخاص الخاص ومبتديءٌ ومنتهٍ ومتشبه ومتحقق والقوي لا يقدر أن يمشي مع الضعيف وعكسه والله تعالى يرحم البعض بالبعض .
ومن كلام سعيد بن المسيب : ما من شريف ولا ذي فضل إلا وفيه نقص ولكن من كان فضله أكثر من نقصه وهب فضله لنقصه (16).
- من حق الأخ على الأخ أن يرجوا له من الخير والمسامحة وقبول التوبة ولو فعل من المعاصي الإسلامية ما فعل كما يرجوا ذلك لنفسه (17).
- واجب الأخ على الأخ أن يتعامى عن عيوبه فقد قال المشايخ : من نظر إلى عيوب الناس قل نفعه وخرب قلبه .
وقالوا : إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس خبيراً بها فاعلموا أنه قد مكر به .
وقالوا : من علامة الاستدراج للعبد نظره في عيوب غيره وعماه من عيوب نفسه.
وقالوا : ما رأينا شيئاً أحبط للأعمال ولا أفسد للقلوب ولا أسرع في هلاك العبد ولا أقرب من المقت ولا ألزم بحجة الرياء والعجب والرياسة من قلة معرفة العبد بعيوب نفسه ونظره في عيوب الناس ، ومن حق الأخ على الأخ أن يحمل ما يراه منه على وجه من التأويل جميل ما أمكن فإن لم يجد تأويلاً رجع على نفسه باللوم (18).
- وعليه الستر على الأخوان وأن لا ينظر له إلى زلة سبقت ولا يكشف له عورة سترت ، وفي الحديث : مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا (19) .
ومن حق الأخ على أخيه إذا اطلع على عيب فيه أن يتهم نفسه في ذلك ويقول : إنما ذلك العيب فيّ لأن المسلم مرآة المسلم ولا يرى الإنسان في المرآة إلا صورة نفسه وقد صحب رجل أبا إسحق إبراهيم بن ادهم فلما أراد أن يفارقه قال له : لو نبهتني على ما فيّ من العيب .
فقال له : يا أخي إني لم أر لك عيباً لأني لحظتك بعين الود فاستحسنت منك ما رأيت فسل غيري عن عيبك وفي هذا المعنى أنشد شعراً :
وعين الرضى عن كل عيب كليلة
كما أن عين السخط تبدى المساويا (20).
وقال المشايخ : كل من لم يستر على إخوانه ما يراه منهم من الهفوات فقد فتح على نفسه باب كشف عورته بقدر ما أظهر من هفواتهم (21).
- وعليه أن لا يعير أخاه بذنب ولا غيره فإن المعايرة تقطع الود أو تكدر صفاه ومن كلام الشيخ الحسن البصري قدس سره : إذا بلغكم عن أحد زلة ولم تثبت عند حاكم فلا تعيروه بها وكذبوا من أشاعها عنه لا سيما ان كان هو ينكر ذلك لأن الأصل براءة الساحة حتى تقام البينة العادلة عند الحاكم ثم بعد ثبوت ذلك عنده فإياكم أن تعيروه أيضاً فربما عافاه الله وابتلاكم وفي الحديث : مَنْ عَيَّرَ أخاهُ بِذنبٍ لم يَمت حتى يَعمَلَ ذلكَ الذنب (22) .
ومن كلام الشيخ علي وفا : لا تعاير أخاك بما أصابه من مصائب دنياك فإنه في ذلك إما مظلوم سينصره الله أو مذنب عوقب فطهره الله ومن الرعونة أن تفتخر بما لا تأمن سلبه أو تعير أحداً بما لا يستحيل في حقك وأنت تعلم أن ما جاز على مثلك جاز عليك وعكسه (23).
- أن لا ينظر لأخيه أبداً بعين احتقار فقد قال المشايخ : من نظر إلى أخيه بعين احتقار عوقب بالذل والخزي . وفي الحديث : مْنَ نَظرّ إلى أخيهِ نظرةَ وُدٍ غفرَ اللهُ لهُ (24) .
- ومن حق الأخ على الأخ أن يكرمه إذا ورد عليه بأن يتلقاه بالترحيب وطلاقة الوجه ويأخذه بالعناق إن كان رجلاً ويفرش له شيئاً يقيه من التراب (25).
- ومن حق الأخ على الأخ أن يوسع له في المجلس إذا رآه فإن ذلك مما يزيد
في تقوية المدة وفي الحديث : أن للمسلمِ حقاً إذا رآه أخوهُ أن يتزحزحَ
لهُ (26) .. (27).
- ومن وصية بعضهم : إذا ناديت أخاك فعظمه تثبت مودته ، ومن الجفا
للأخ نداؤه الخالي عن الكنية واللقب ولفظ السيادة وكذلك أولاده وأحفاده غيبةً
وحضوراً (28).
- الزيارة للإخوان تزيد في الدين وتركها ينقصه لإنها كتلقيح النخل
وقد قال القوم : إذا قل رأس مالك فزر إخوانك (29).
- ومن حق الأخ على الأخ أن يصافحه كلما لقيه بنية التبرك وامتثال الأمر ، وقد روى الطبراني : إِذَا تَصَافَحَ الْمُسْلِمَانِ لَمْ يفترقا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمْا ، وروى أبو الشيخ : إذا التقى المسلمانِ وسلَّم أحدهما على صاحبِهِ كانَ أحبهما إلى الله أحسنهما بشراً بصاحبهِ فإذا تَصافحا أنزلَ اللهُ عليهما مائة رحمة .
ومن حق الأخ على الأخ إذا لاقاه وصافحه أن يصلي ويسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويذكره بذلك وقد روى أبو يعلي ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما صاحبه ويصليان على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلا لم يتفرقا حتى يغفر لهما ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر ومن حق الأخ على هذا الأخ أن يهاديه كل قليل من الأيام لا سيما إذا بلغه أن عنده منه وقفة وفي الحديث : تهادوا تحابوا وتصافحوا يذهب الغل عنكم (30).
- ومن حق الأخ على الأخ أن يكتم سره إذ السر كالعورة وقد حرم كشفها والنظر إليها والتحدث بها وفي الحديث : مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي
بَيْتِهِ (31) .
ومن وصية الشيخ أبي المواهب الشاذلي : إحذر أن تفشي سر أخيك إلى غيره فإن الله ربما مقتك بذلك فخسرت الدنيا والآخرة (32).
- ومن حق الأخ على الأخ أن لا يصدق من نم له فيه أبداً وقد ذكر حجة الإسلام الغزالي أنه يجب على كل من حملت إليه نميمة ستة أمور :
الأول : أن لا يصدقه أي النمام
الثاني : أن ينهاه عن ذلك
الثالث : أن يبغضه في الله
الرابع : أن لا يظن بالمنقول عنه السوء
الخامس : أن لا يتجسس على تحقيق ذلك
السادس : أن لا يحكي ما نم له أبداً
ومن كلام الشيخ أبي المواهب الشاذلي : إذا نقل إليك أحد كلاماً عن صاحب لك فقل له : يا هذا أنا من صحب أخي ووده على يقين ، ومن كلامك على ظن ولا يترك يقين بظن .
ومن كلام الشيخ أفضل الدين : إذا نقل إليكم أحد كلاماً في عرضكم عن أحد فازجروه ولو كان من أعز إخوانكم وقولوا له : إن كنت تعتقد فينا هذا الأمر فأنت ومن نقلت عنه سراً بل أنت أسوء حالاً منه لأنه لم يسمعنا ذلك وأنت أسمعته لنا وإن كنت تعتقد أن هذا الأمر باطل في حقنا وبعيد منا أن يقع في مثله فما فائدة نقله لنا ، فمن أراد أن يدوم له ود صاحب فليرد كلام النمام ببادي الرأي (33).
- ومن حق الأخ على الأخ أن لا يداهنه ففي الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : الدِّينُ النَّصِيحَةُ (34)
وقال القوم : الإخوان بخير ما تناقشوا فإذا اصطلحوا هلكوا .
ومن الفرق بين المداهنة والمدارات أن المدارات ما أردت به صلاح أخيك والمداهنة ما قصدت به شيئاً من الحظوظ النفسانية (35).
- من حق الأخ على الأخ أن يقبل نصحه فقد قالوا : من أرشدك إلى
ما به تخلص من غضب الحق تعالى فقد شفع فيك فإن أطعته وقبلت نصحه
فقد قبلت فيك شفاعته فنفعتك (36).
- ومن حق الأخ على الأخ أن يقوم له إذا ورد عليه ولو كره هو ذلك
لا سيما في المحافل فقد قالوا : إياك أن تترك القيام لأخيك في المحافل فربما تولد من ذلك الحقد والضغائن فتعجز بعد ذلك عن إزالته (37).
- ومن حق الأخ على الأخ إذا تحدث أن يشخص ببصره إليه حتى يفرغ من حديثه فإن ذلك يزيد في صفاء المودة كما أن التلاهي عن حديث الأخ أو قطع كلامه قبل إتمامه يورث الجفاء (38).
- ومن آدابهم إذا سئل أحدهم عن شيخه أن يقول : كنت خادمه أو من المترددين إليه ولا يقول كنت صاحبه فإن مقام الصحبة عزيز إذ صاحب الإنسان هو من يشرب من بحره (39).
- على الإخوان أن لا يقولوا إذا رأوا أحداً في ضيق مسكين هذا ما كان يستحق ذلك وهذا يستحق ذلك ، لأن في الأولى : دعوى مقام في الرحمة فوق رحمة من قدر ذلك عليه ولا يخفى ما فيه ، وفي الثانية : إظهار شماتة بأخينا المسلم وقد نهينا عن ذلك فالأدب سؤال الرب في اللطف به والتفريج عنه بالعفو والصفح فإنه تعالى لم ينزل بعبده عقوبة إلا جزاءً لعملٍ سابق (40).
- ومن آدابهم : أنهم لا يسألون الله شيئاً من أمور الدارين إلا مع التفويض ورد العلم إليه سبحانه عملاً بعموم قوله تعالى : وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (41) فيقول أحدهم في سؤاله اللهم أعطني كذا وكذا إن كان فيه خير لي واصرف عني كذا وكذا إن كان فيه شر لي ومن وصية الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره : إحذر أن تسأل الله شيئاً إلا مع التفويض وأما إذا أعطاك تعالى شيئاً من غير سؤال فذلك مبارك وعاقبته حميدة وليس عليك فيه حساب إن شاء الله تعالى لكونه جاء من غير استشراف نفس (42).
- ومن آدابهم عدم الاشتغال بالنعمة عن المنعم إذ قبيح بالعبد أن يألف النعمة دون المنعم أو يميل إليها فإن الميل إلى كل شيء دون الله مذموم إلا في حقوق الله ومأموراته وفي وصية الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره : إياك أن تشتغل بما أعطاك الحق سبحانه من المال فيحجبك بذلك عنه وربما سلبك ذلك المال عقوبة لك وإن اشتغلت بطاعته عن ذلك المال كان من المال المحمود لا المذموم (43).
- ومن آدابهم عدم شكواهم إلى الخلق ما يصيبهم من بلاء ومحنة وغير ذلك ومن وصية الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره : إحذر أن تشكو ربك وأنت معافى في بدنك أو لك قدرة على تحمل ذلك البلاء بالقدرة التي قواك بها فتقول : ليس عندي قدرة ولا قوة أو تشكوه إلى خلقه وعندك نعمة ما أنعم بها عليك وتقصد بتلك الشكوى الزيادة مع خلقه وأنت متعام عما له عندك من العافية والنعم فاحذر من الشكوى للخلق جهدك ولو تقطع لحمك فإن أكثر ما ينزل بابن آدم البلاء من جهة شكواه وكيف يشكو العبد من هو أرحم به من والدته الشفيقة (44).
- ومن آدابهم محبة إخوانهم المسلمين محبة إخوان وإيمان لا محبة طمع وإحسان ومن وصية الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره إذا وجدت في قلبك بغض شخص أو حبه فاعرض أعماله على الكتاب والسنة فإن كانت مكروهة فيهما فاكرهه وإن كانت محبوبة فيهما فاحببه كيلا تحبه بهواك وتبغضه بهواك قال تعالى : وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ (45) .. (46).
آداب المريدين مع أنفسهم
- ومن آدابهم لا يصرون على ذنب فإن الإصرار من المهلكات وتصير الصغيرة به كبيرة وقد حد بعض الأشياخ الإصرار بأن يؤخر الشخص التوبة حتى يدخل عليه وقت صلاة أخرى من الخمس (47).
- ومن آدابهم شدة كراهتهم النوم على حدث أكبر أو أصغر .
ومن كلام الشيخ علي الخواص رحمه الله : إياك أن تنام على حدث ظاهر أو باطن من محبة الدنيا أو شهواتها فربما أخذ الله تعالى بروحك تلك الليلة فتلقى الله وهو عليك غضبان بحسب قبح ذلك الذنب الذي نمت عليه .
وفي الحديث المرءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ (48) وفي الحديث أيضاً إن الله جل ثناؤه لم يخلق خلقا أبغض إليه من الدنيا ، وإنه منذ خلقها لم ينظر إليها (49) أي نظر رضى عنها وعن محبيها وإلا فهو تعالى ينظر إليها نظر تدبير ولولا ذلك لذهبت في علم الله تعالى ولم يبق لها وجود فافهم فمن نام على محبة الدنيا ومات في تلك النومة حشر مع مبغوض لله تعالى لم ينظر إليه مذ خلقه وهذا الأمر قل من يتنبه له في هذا الزمان حتى يتوب منه بل غالب الناس لا يعد محبة الدنيا ذنباً وقد كان مالك بن دينار يجمع أصحابه ويقول لهم تعالوا نستغفر الله من الذنب الذي أغفله الناس وهو حب الدنيا (50).
- ومن آدابهم العمل على تصفية صدورهم من الغش ليصلحوا لدخول الحضرة الإلهية التي هي أشرف وأفضل من الجنة فإن دخولها محرم على من في قلبه غش لأحد من الخلق وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : يا بُنَيَّ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ (51) .
- ومن آدابهم رؤيتهم نفوسهم في كل مجلس جلسوا فيه مع المسلمين لا سيما الفقراء أنهم أكثرهم ذنوباً (52).
آداب المريد في زيارة التكية
قال تعالى : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ (53) .
بما أن التكية مكان الذكر والصلاة فإن لها قدسية عظيمة حيث يأوي إليها عدد من الفقراء لتأدية شعائر الطريقة ، ويعتكف بها محبو العبادات ، فهي مدرسة تعلم المريدين ممارسات شعائرهم الدينية ابتداء من الطهارة والوضوء والصلاة وآداب الذكر وكيفية أدائه ، وبعد إحكام البدايات ، تعلم السلوك من رياضات ومجاهدات وتبين أحكامها ومدارجها ، ثم تدخل المريد إلى عالم القلب لتفسير الخواطر وأسلوب تنقيتها والمذاقات الروحية . فيخرج منها الأولياء الصالحون والعباد والزاهدون في الدنيا غير الراغبين فيها ، الطالبون رضاء الله تعالى المشتاقون للقائه سبحانه . فالتكية مجمع أرواح الأولياء والروحانيين ونظر الأصفياء والملائكة المقربين ، مكان التجلي الإلهي على عباد الله الذاكرين كما قال عز وجل : أنا جليسُ مَنْ ذَكَرَني (54) .
فماؤها وخبزها وملحها دواء لأهل الأسقام وترابها تبرك لأهل العقائد والإيمان ، يلجأ إليها المضطرون ويتوسلون ببركة أهلها فيكشف عنهم الضر ، ويرتادها أهل الأسقام فيبرؤون من أسقامهم ببركة شيخها صاحب الذكر والتلقين والمدد الروحي فإن شرف المكان بالمكين .
لهذا كان لزيارتها والدخول في حرمها ، شروط وآداب ينبغي على المريد أن يعرفها وان يحكم التأدب بها ، إذا ما أراد أن يستفيد من قدسية المكان وما يشتمل عليه من روحانية طاهرة ، ومن هذه الآداب :
- أن يدخل التكية بنية طلب البركة ورضاء الله تعالى بالصلاة والذكر ومجالسة شيخ الطريقة أو الكون معه روحياً ليتقوى إيمانه ويزداد يقينه .
- أن يدخل التكية بنية الاستماع للإرشاد فيها والعزم على السمع والطاعة.
- أن يكون حريصاً كل الحرص على شعائر التكية من صلاة وذكر وأوراد وان يقضي فيها كل وقته ولا يتركها .
- أن يدخلها المريد طالباً ولا يدخلها عالماً مهما كان ، فيفسد طبعه ولا ينتفع بأهلها .
- أن يدخل طاهر البدن والثياب ويحافظ على وضوئه ما زال فيها .
- أن يخدم في التكية ما أمكنه من خدمة الفقراء والمرضى والعباد الذين أثقلتهم العبادات واستقبال الضيوف وخدمتهم فإن في هذه الخدمة أجراً عظيماً لا يعرف بركته إلا أهله وأن يعتني بنظافتها وطهارتها.
- أن يحفظ نفسه من الجدال والكذب والنفاق والغيبة والحسد ..
- أن لا يتكلم في حرمها بكلام الدنيا أو بكلام أهلها .
- أن لا يرفع صوته أثناء كلامه في غير ذكر الله تعالى ،
- أن لا ينام فيها إلا على غلبة .
- أن يجلس في المكان الفارغ ولا يزاحم أحداً .
- أن لا يشتري فيها ولا يبيع ولا يخاصم .
آداب عامة في الطريقة
- يقوم بعض الخلفاء بتجديد بيعة المريد الذي سلك العهد على يد خليفة آخر موكل من قبل الشيخ بإعطاء البيعة ظناً منه أن هذا التجديد يربط المريد به ويكون خليفةً له ، وهذه إساءة على آداب العهد والبيعة ، إذ لا علاقة للخليفة بالبيعة لأنها رابطة روحية بين المريد وشيخ الطريقة حصراً ، وتجديدها على يد الخليفة لا يعني الصلة مع الخليفة بشكل من الأشكال ، فليحذر بعض الخلفاء من هذه الحالات احتراماً للعهد وأدباً معه ، أما إذا حصل فتور عند المريد وجاء لسماع كلامه فيأمره أولاً بتجديد الأوراد والالتزام بنهج الطريقة ويحثه على مواصلة سيره ويحذره من الانقطاع .
- يحمل بعض المريدين بعض المصاحف في جيوبهم ويجلسون بين الناس أو يدخلون بها في أماكن الوضوء والطهارة ، لذا نحذر من هذا التصرف الذي لا يليق مع قدسية القرآن الكريم ، فإن في التكية أو في المسجد مصاحف يمكن القراءة فيها .
- على المريد الذي يضع القرآن الكريم في مكان طاهر ومرتفع ، وعليه تغطيته عند ممارسة المريد أعماله المشروعة مع زوجته تعظيماً لكتاب الله تعالى .
- على المريد تغليف سلسلة النسب الشريف والأوراد بالنايلون لأنها تحتوي على بعض الآيات القرآنية الكريمة .
_____________
الهوامش :-
(1)- صحيح مسلم – ج4 ص 1999- رقم 2586 .
(2)- صحيح البخاري – ج1 ص 182- رقم 467 .
(3)- المناوي – فيض القدير شرح الجامع الصغير – ج4 ص122 .
(4)- الإمام الشعراني – الطبقات الكبرى – ص141.
(5)- عبد القادر عيسى – حقائق عن التصوف – ص 68 .
(6)- المصدر السابق – ص 68 .
(7)- سنن الترمذي – ج 9 ص 39 – رقم 2423 .
(8) – الإمام القشيري – الرسالة القشيرية – ص 107
(9)- أبو البركات الغزني – آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوّة – من موقع رباط الفقراء .
(10)- العراقي – تخريج أحاديث الإحياء – ج 4 ص 478 – ذكره صاحب الفردوس من حديث علي .
(11)- مسند أبي يعلى – ج 4 ص 326 – رقم 2437 .
(12)- أبو البركات الغزني – آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوّة – من موقع رباط الفقراء .
(13)- النحل : 90 .
(14)- الإمام محمد بن أحمد البوزيدي – الآداب المرضية لسالك طريق الصوفية – ص 268 .
(15)- المصدر نفسه – ص 135 .
(16)- الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الأنوار في التصوف – ص 6 .
(17)- المصدر السابق – ص 6 .
(18)- المصدر نفسه – ص 6 .
(19)- أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث عقبة بن عامر .
(20)- الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الأنوار في التصوف – ص 7 .
(21)- المصدر نفسه – ص 6 – 7 .
(22)- أخرجه الترمذي دون قوله ” قد تاب منه ” وقال حسن غريب
(23)- الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الأنوار في التصوف – ص 7 .
(24)- كشف الخفاء – ج 2 ص 283 – رقم 2638 ، رواه الحكيم عن ابن عمرو
(25)- المصدر نفسه – ص 8 .
(26)- الزهد لهناد – ج 2 ص 498 – رقم 1025 ورد بهذا اللفظ : ( إن للمسلم على المسلم من الحق أن إذا رآه يتزحزح له )
(27)- الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الأنوار في التصوف – ص 8 .
(28)- المصدر نفسه – ص 8 .
(29)- المصدر نفسه – ص 9 .
(30)- المصدر السابق – ص 9 .
(31)- سنن ابن ماجه – ج 2 ص 850 – رقم 2546 .
(32)- الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الأنوار في التصوف – ص 12 .
(33)- المصدر السابق – ص 12 .
(34)- صحيح مسلم – ج 1 ص 182- حديث 82 .
(35)- الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الأنوار في التصوف – ص 12 – 13 .
(36)- المصدر السابق – ص 13 .
(37)- المصدر نفسه – ص 14 .
(38)- المصدر نفسه – ص 14 .
(39)- المصدر نفسه – ص 17 .
(40)- المصدر نفسه – ص 17 .
(41)- البقرة : 216 .
(42)- الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الأنوار في التصوف – ص 19 .
(43)- المصدر نفسه – ص 19 .
(44)- المصدر السابق – ص 20 .
(45)- سورة ص : 26
(46)- الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الأنوار في التصوف – ص 24 .
(47)- المصدر السابق – ص 27 .
(48)- المستدرك على الصحيحين – ج 4 ص 188 – رقم 7319 .
(49)- شعب الإيمان للبيهقي – ج 21 ص 431 – رقم 10110 – فصل فيما يقول العاطس
(50)- الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الأنوار في التصوف – ص 30 – 31 .
(51)- سنن الترمذي – ج 5 ص 46 – رقم 2678 .
(52)- الشيخ عبد الوهاب الشعراني – مخطوطة الأنوار في التصوف – ص 34 .
(53)- النور : 36 .
(54)- البيهقي – شعب الإيمان – ج 1 ص 458 – رقم 709 .