ورد في أسباب نزول القرآن للواحدي : عن أبي قتادة أن رجلاً قال : يا رسول الله أرأيت صوم يوم الاثنين ؟ قال : فيه أنزل القرآن ، وأول شهر أنزل فيه القرآن شهر رمضان ، قال الله تعالى ذكره: شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ .وعن واثلة أن النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) قال : ( نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان وأنزل التوراة لست مضين من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان ، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان )وعن البراء قال : كان أصحاب سيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يطعم ، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته ، فقال : هل عندك طعام ؟ قالت لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك ، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه ، وجاءته امرأته ، فلما رأته قالت : خيبة لك فأصبح صائماً ، فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) ، فنزلت هذه الآية أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِيامِ الرَفَثُ إِلى نِسائِكُم ففرحوا بها فرحاً شديداً ، رواه البخاري عن عبد الله بن موسى عن إسرائيل .
وعن سهل بن سعد ) (رضي الله تعالى عنه) قال : نزلت هذه الآية وَكُلوا وَاِشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأسوَدِ ) ولم ينزل (مِنَ الفَجرِ وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له زيهما ، فأنزل الله تعالى بعد ذلك مِنَ الفَجرِفعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار ، رواه البخاري عن ابن أبي مريم .
وأما في كتاب الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ، فقد ذكر أن الآية في قوله عز وجل : يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذينَ مِن قَبلِكُم.. اختلف الناس في الإشارة إلى من هي ؟ فقالت طائفة : هي الأمم الخالية ، وذلك أن الله تعالى ما أرسل نبياً إلا وفرض عليه وعلى أمته صيام شهر رمضان ، فكفرت الأمم كلها وآمنت به أمة محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) ، فيكون التنزيل على هذا الوجه مدحاً لهذه الأمة .
وقال الآخرون : الإشارة إلى النصارى ، وذلك : أنهم إذا أفطروا أكلوا وشربوا وجامعوا النساء ما لم يناموا ، وكان المسلمون كذلك ، وعليهم زيادة : فكانوا إذا أفطروا أكلوا وشربوا وجامعوا النساء ما لم يناموا أو يصلوا العشاء الأخيرة ، فوقع أربعون من الأنصار فجامعوا نساءهم بعد النوم ، من جملتهم عمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه) . وذلك : أنه راود امرأته عن نفسها ، فقالت : إني كنت قد نمت . وكان أحد الزوجين إذا نام حرم على الآخر ، فلم يلتفت إلى قولها وجامعها ، فجاءت الأنصار فأقرت على أنفسها بفعالهم عند رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) ، وأقر عمر (رضي الله تعالى عنه) على نفسه بفعله ، فقال النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) : ( لقد كنت يا عمر جدي صلى الله تعالى عليه وسلم راً أن لا تفعل ) فقام يبكي .وكان النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) يمشي بالمدينة فرأى شيخاً كبيراً من الأنصار يقال له صرمة بن قيس بن أنس ، من بني النجار ، وكان يهادي رجلين ورجلاه تخط الأرض خطا ، فقال له النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) : (ما لي أراك يا أبا قيس طليحا) قال أبو القاسم : والطليح الضعيف ، فقال : يا رسول الله ، إني دخلت على امرأتي البارحة ، فقالت لي : علي رسلك أبا قيس حتى أسخن لك طعاما قد صنعته لك ، فمضت لإسخانه ، فحملتني عيني فنمت ، فجاءتني بالطعام ، فقالت : الخيبة الخيبة ، حرم والله عليك طعامك وشرابك ، فأصبحت صائما ، وعملت في أرضي ، فقد غشي علي من الضعف ، فرق له رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) فدمعت عيناه .وكانت قصة صرمة قبل قصة عمر (رضي الله تعالى عنه) والأنصار ، فبدأ الله – تعالى ذكره – بقصة عمر والأنصار ، لأن الجناح كان في الوطء أعظم من الأكل والشرب ، فنزل قوله تعالى : أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِيام الرَفَثُ إِلى نِسائَكُم إلى قوله ( فَتابَ عَلَيكُم وَعَفا عَنكُم في شأن عمر والأنصار . ونزل في قصة صرمة قوله تعالى : وَكُلوا وَاِشرَبوا إلى قوله : ثُمَّ أَتِمّوا الصِيامَ إِلى اللَيلِ فصارت هذه الآية ناسخة لقوله : كُتِبَ عَلَيكُم الصِيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذينَ مِن قَبلِكُم .
وأما قوله تعالى : وَعَلى الَّذينَ يُطيقونَهُ فِديَةٌ طَعامُ مِسكينٍ فهذه الآية نصفها منسوخ ونصفها محكم ، وقد قرىء يُطَوَّقونَه فمن قرأ يَطيقونَهُ ومن قرأ يُطَوَّقونَهُ يعني يكلفونه .وكان الرجل في بدء الإسلام : إن شاء صام ، وإن شاء أفطر وأطعم مكان يومه مسكينا ، حتى قال الله تعالى : فَمَن تَطَوَّعَ خَيراً فَهُوَ خَيرٌ لَه فاطعم بمكان يومه مسكينين كان أفضل – والإطعام مد من طعام على قول أهل الحجاز ، وعلى قول أهل العراق : نصف صاع – حتى أنزل الله الآية التي تليها ، وهي قوله تعالى : فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَهرَ فَليَصُمهُ وهذا الظاهر يحتاج إلى كشف ، ومعناه – والله أعلم – من شهد منكم الشهر حاضراً عاقلا بالغاً صحيحاً فليصمه ، فصار هذا ناسخاً لقوله تعالى : وَعَلى الَّذينَ يَطيقونَه .