يعد علم الطريقة علما عمليا من حيث انه يرتبط بالمجاهدة والرياضة والأحوال والمقامات إذ يعطي المفهومات الفقهية من تحليل وتحريم روحا جديدة ويخرجها بالعاطفة الدينية المؤسسة على أعمال القلوب من مقامات وأحوال ، وتنحصر هذه الأعمال في التصديق والأيمان واليقين والصدق والإخلاص والمعرفة والتوكل والمحبة والشوق والوجد وغير ذلك من أحوال أهل الطريقة ومقاماتهم .
ان الطريقة تتجه الى فهم العبادات والأحكام اتجاها باطنيا ، فعلم الطريقة أساسه الكتاب والسنة وهنا لابد ان نبين ان الشريعة هي إطار للطريقة وان الطريقة هي نواة للشريعة الإسلامية وبذلك ان المدخل الى أهل الطريقة الروحي هو الشريعة الإسلامية فهي الباب الموصل الى الحقيقة ، قال : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )(1) .
وقد أرخ لذلك واعتمد هذه الحقيقة وأرساها مؤرخو الطريقة ونذكر عددا منهم :
1. السراج الطوسي :
لقد رد هذا المؤرخ الطريقة والشريعة الى اصل واحد باعتبار أحداهما تكمل الأخرى ، إذ يرى هذا المؤرخ ان الشريعة قائمة على الرواية وأما الطريقة فهي قائمة على الدراية ، وقسم أعمال الجوارح الظاهرة الى العبادات مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصوم وغير ذلك ثم المعاملات مثل الطلاق والبيوع والفرائض والقصاص وغيرها .
أما علم الطريقة فهو علم قائم على الجارحة الباطنية (القلب) ولكل عمل من هذه الأعمال الظاهرة والباطنة علم وفقه وبيان وفهم وحقيـقة ووجـد ، ودليل صحة كـل عمل منها آيات من القرآن وأخبار عـن الرسول ﷺ.
ويؤكد السراج الطوسي قيام العلمين جنبا الى جنب مستمدا ذلك من قوله : وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة(2) ، فالنعمة الظاهرة هي فعل الطاعات ، والنعمة الباطنة هي ما انعم الله بها على القلب من الأحوال والمقامات ، ولكن لا يستغني الظاهر عن الباطن ولا الباطن على الظاهر بقول الله : ولو ردوه الى الرسول والى أولي الأمر منهم لَعَلِمَهُ الذين يستنبطونه منهم(3). فالعلم المستنبط هو علم الطريقة .
فالقرآن والحديث بل الإسلام ظاهر وباطن ، والفرق بين الشريعة والطريقة هي في الوسيلة فقط ، فقه الشريعة قائم على الأعضاء الخارجة ، وعلم الطريقة قائم على الأعضاء الباطنة أي القلب ، فالشريعة أقوال والطريقة أفعال والشريعة إطار والطريقة نواة .
2. الشعراني:
لقد بين الشعراني ان علم الطريقة مبني على الكتاب والسنة وانه مبني على سلوك أخلاق الأنبياء والأصفياء وهنا يقول عبد الوهاب الشعراني: (ان علم التصوف أي – علم الطريقة – عبارة عن علم انقدح في قلوب الأولياء حتى استنار بالعمل بالكتاب والسنة ، فكل من عمل بها انقدح له من ذلك علوم وآداب وأسرار وحقائق تعجز الألسن عنها ، فالتصوف أي – الطريقة – إنما هو زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة إذا خلا من عمله العلل وحظوظ النفس) (4) .
ومن تبحر في علم الشريعة حتى بلغ الى الغاية أدرك بذوقه ان علم التصوف أي علم الطريقة تفرغ من عين الشريعة ، فاذا دخل العبد طريق القوم وتبحر فيه أعطاه الله هناك قوة الاستنباط نظير الأحكام الظاهرة على حد سواء فيستنبط في الطريق واجبات ومندوبات وآدابا ومحرمات ومكروهات ، ومن دقق النظر علم انه لا يخرج شيء من علوم أهل الله عن الشريعة ، وكيف تخرج علومهم عن الشريعة ، والشريعة هي صلتهم بالله تعالى في كل لحظة ، فكل صوفي فقيه ولا عكس (أي ليس كل فقيه صوفي) .
3. الكلاباذي :
يرى هذا المؤرخ ان لأهل الطريقة علما خاصا انفردوا به دون سواهم وهو علم المكاشفات والمشاهدات وعلم الخواطر مع اهتمامهم بعلم الأحكام الشرعية فيقول ان علوم الصوفية علوم الأحوال ، والأحوال هي مواريث الأعمال ولا تورث الأحوال إلا من صحيح الأعمال ، وأول تصحيح الأعمال معرفة علومهم وهي علم الأحكام الشرعية من أصول الفقه من الصلاة والصوم وسائر الفرائض الى علم المعاملات من النكاح والطلاق ، والمبايعات وسائر ما أوجب الله تعالى وندب إليه ، وما لا غناء به عن أمور المعاش ، وهذه علوم التعلم والاكتساب فأول ما يلزم العبد الاجتهاد في الطلب هذا العلم وأحكامه على قدر ما أمكنه ووسعه طبعه وقوى عليه فهمه بعد أحكام على التوحيد والمعرفة عن طريق الكتاب والسنة وما أجمع عليه السلف الصالح ، فان وفق لما فوقه نفي الشبه التي تعترضه من حاضر او ناظر فذاك وان اعرض عن خواطر السوء اعتصاما بالحيلة التي عرفها وتجافي عن الناضر الذي يحاجه فيه ويجادله عليه وباعده ، فهو في سعة ان شاء الله واشتغل باستعمال علمه وعمل بما علم .
فالكلاباذي هنا يبين ان علم الطريقة هو علم التوحيد والمعرفة وهي مكملة لعلم الشريعة وعلى من أراد الخوض والتبحر في هذا العلم فعليه ان يطبق ويعلم الأمور الشرعية ويلتزم بها حتى يصل الى علم الخواطر والمشاهدات والمكاشفات الخاصة بأهل الطريقة التي انفردوا بها دون غيرهم .
—————————–
الهوامش :
1 – البقرة : 189.
2 – لقمان : 20.
3 – النساء : 82 .
4- الأنوار القدسية – عبد الوهاب الشعراني .
المصدر : الشيخ محمد الكسنزان الحسيني – كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية – ص91.