إن الشعر وإطالته من أعراف العرب التي لم ينكرها الإسلام ، والذي يعلم أن إعفاء الشعر ، أي : عدم حلقه كان بالنسبة إلى من هو خارج جزيرة العرب ، وهو من علامات العرب عامة حتى حوالي ثمانمئة عام هجرية ، ولا يوجد اعتراض عليه من سلف الأمة كلها .
ولقد جاء فيما بعد من يدعي خلاف ذلك :
فقال البعض منهم : إن الشعر الطويل ليس له أصل في الإسلام ؟
وقال البعض الآخر : إن من كان له شعر طويل لا تتم طهارته ، لأن الماء لا يصل إلى أصول الشعر فهو بدعة .
وقالوا : إن في اتخاذ الشعر مشقة وضرر . وغيرها من الأقوال التي لا تبتغي سوى تفرقة المسلمين والطعن على الصوفية .
وفي الوقت نفسه أنكر بعض الناس إطالة الشعر بسبب جهلهم بهذه السنة المحمدية .
ورداً على أولئك وتوضيحاً لهؤلاء ، كتبنا هذه الرسالة المبسطة عن حكم إطالة الشعر في الإسلام بما لا يدع مجالاً للشك في شرعيته وضرورة الاعتناء به كونه جزء من شخصية المؤمن ، وفيها الرد الكافي على من أنكر على الصوفية – الدراويش – اتخاذ الشعر الطويل كشعار لعروبتهم وإسلامهم .
الشعر الطويل في الشريعة
شعر الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم ومقدار طوله
ورد في الصحاح أحاديث كثيرة عن مقدار طول شعر الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم نذكر منها :
أخرج البخاري في المناقب عن البراء قال : « كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم له شعر يبلغ شحمة أذنيه » ، وفي رواية أنه كان يصل في بعض الأحيان إلى منكبيه .
وأخرج مسلم في باب الفضائل وأبو داود في كتاب الترجل والنسائي عن أنس بن مالك قال : « كان شعر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم بين أذنيه وعاتقه »(1) .
وأخرج ابن ماجة عن انس قال : « كان شعر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم بين أذنيه ومنكبيه »(2) .
أخرج الترمذي عن انس بن مالك قال : « كان شعر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم الى أنصاف أذنيه »(3) .
وأخرج الترمذي عن السيدة عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : « كان له صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم شعر فوق الجمة ودون الوفرة »(4) .
والجمة : الشعر النازل الى المنكبين
والوفرة : ما بلغ شحمة الأذن
وأخرج الترمذي عن البراء بن عازب قال : « كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم مربوعاً ، بعيد ما بين المنكبين ، وكانت جمته تضرب شحمة أذنيه »(5) .
وأخرج الترمذي عن أم هانئ بنت أبي طالب قال : « قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم مكة قَدْمة وله أربع غدائر »(6) .
وفي رواية ظفائر ، وكل من الغديرة والظفيرة بمعنى الذؤابة وهي الخصلة من الشعر إذا كانت مرسلة .
وفي كتاب الغنية للغوث الأعظم الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره ورد حديث الإمام علي كرم الله وجهه في مقدار طول شعر الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم إذ قال : « كان شعر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم إلى شحمتي أذنيه »
وفي كتاب ( مكارم الأخلاق ) عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال : « كان شعر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم وفر لم يبلغ الفرق »(7) .
أي كان الى شحمتي أذنيه .
أخرج المحدث الكبير أبو نعيم الأصبهاني في كتابه دلائل النبوة بسنده عن عائشة ( رضي الله عنها ) أنها قالت ما نصه : « كان صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم رجل الشعر حسنه ، ليس بالسبط ولا الجعد القطط .
وكان إذا امتشط بالمشط كأنه حبك الرمال ، وكأنه المتون التي في الغدر إذا صفقتها الرياح .
وإذا نكته بالمرجل اخذ بعضه بعضاً وتحلق حتى يكون متحلقاً كالخواتيم .
وكان من أول أمره سدل ناصيته بين عينيه …
حتى جاءه جبريل عليه السلام بالفرق ففرق .
وكان شعره صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم يضرب منكبيه وربما كان الى شحمة أذنيه .
وكان ربما جعله غدائر تخرج الأذن اليمنى من بين غديرتين تكتنفها ، ينظر من كان يتأملهما من بين تلك الغدائر كأنها توقد الكواكب الدرية بين سواد شعره »(8) .
قولها : رجل الشعر الذي ليس بالسبط : الذي لا تكسر فيه .
القطط : الشديد الجعود ، تقول هو جعد بين هذين .
والعقيصة : المظفور .
إن كل راوٍ حدث بما رأى من مقدار طول شعر الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم ، والذي عليه العلماء أن فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم هذا يدل على جواز هذه الأوجه كلها من إطالته إلى الأذنين او المنكبين أو إلى حد ظفر الظفائر وغيرها .
ومن الجدير بالذكر أن صفة تطويل حضرة الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم لشعره قد ورد ذكرها في المبشرات بظهوره في الكتب السماوية السابقة ، ومنها ما ذكره الحافظ الاصبهاني في كتابه دلائل النبوة ص 49 ما نصه : « هو نبي قد أمرنا عيسى باتباعه … ليس بالأبيض ولا بالادم ، يعفي شعره » أي : يطلقه .
إسدال حضرة الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم شعره ثم تفريقه له
أخرج البخاري ما نصه : « أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم … ثم فرق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم رأسه »(9) .
والسدل : هو أن يرسل شعره من ورائه من غير تفرقة .
والتفريق : هو جعل الشعر فرقتين كل فرقة ذؤابة او ظفيرة
وجاء في كتاب ( الغنية ) : « إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم فرق وأمر أصحابه بالفرق ، وقد روي ذلك عن بضعة وعشرين من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم منهم أبو عبيدة وعمر وابن مسعود »(10) .
إكرام الشعر وترتيبه
روى النسائي في صحيحه عن أبي قتادة أنه كان له جمة ضخمة – أي أن شعره نازل على منكبيه بكثافة – فسأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم – أي يمشط شعره – وفي رواية :
قلت : يا رسول الله : إن لي جمة ، أفأرجلها ؟
قال : نعم ، أكرمها .
فكان قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم: أكرمها .
وفي صحيح النسائي أيضاً قوله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم : من كان له شعر فليكرمه (11) .
عن الإمام الصادق عليه السلام قال : قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم: الشعر الحسن من كسوة الله فأكرموه (12) .
حلق الشعر في الشريعة
النهي عن حلق الرأس
اخرج الإمام أحمد بن حنبل عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم أنه قال : ليس منا من حلق (13) .
وقال : لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة (14) .
وورد في كتاب ( الغنية ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لصبيغ : « لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عنقك » .
وعن ابن عباس رضي الله عنه انه قال : « الذي يحلق في المصر خليق بالشيطان »(15) .
وبناءاً على هذا قال الغوث الأعظم الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره ، المفتي على مذهبي الشافعي والحنبلي : « إن حلق الرأس في غير الحج والعمرة والضرورة فمكروه »(16) .
إن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم: ليس منا من حلق دليل قاطع على أن الذي يحلق ويدعو إلى الحلق ، وينكر إطالة الشعر خارج عن الملة ، شأنه في ذلك شأن الغشاش الذي طرد أيضاً بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم: من غشنا ليس منا(17) .
الحلق في الحج والعمرة
ليس في الإسلام أمر بالحلق إلا في منسك واحد من مناسك الحج أو العمرة ، والأمر فيه ليس حصراً على الحلق فقط ، بل الأمر على سبيل التخيير بين الحلق والتقصير .
قال تعالى : {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنينَ مُحَلِّقينَ رُؤوسَكُمْ وَمُقَصِّرينَ} ( الفتح : 27 ) .
وقال تعالى : {وَلا تَحْلِقوا رُؤوسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }( البقرة : 196) .
فمن كان في الإحرام مريضاً يضره توفير الشعر أو بالرأس ما يؤذيه من الهوام فإنه يجوز له الحلق مع الفدية .
ومعنى هذا أن الضرورة فقط هي التي تبيح حلق الرأس .
النهي عن حلاقة القزع وحلاقة القفا
ذكر النسائي في صحيحه أن الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم نهى عن حلاقة القزع ، وحلاقة القزع هي المعروفة في هذا العصر بحلاقة ( الحفر ) وهو أخذ الشعر من جوانب أسفل الرأس وترك أعلاه ، وقد كان يوضع على الرأس طاسة ويحلق أسفلها في العصر الأول .
وعن هذه الحلاقة ورد في ( الغنية ) : « يكره القزع وهو أن يحلق بعض الشعر ويترك بعضه لما روي عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم نهى عن حلاقة القزع ، وأما حلق القفا فمكروه الا في الحجامة ، لأنه من فعل المجوس »(18) .
التحليق وأهل الفتن
أخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم قال : يخرج ناس من قبل المشرق يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه ، سيماهم التحليق (19) .
الرد على شبهة القائلين بالحلق
أوجب البعض مسألة حلق الرأس بحجة أن من له شعر على رأسه ، وانعقد لايتم غسله والحديث يقول : من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسله فعل به كذا وكذا من
النار (20) .
والجواب :
لم يرد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم أمر بالحلق لأجل غسل الجنابة نهائياً ، في الوقت الذي ورد فيه أن الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم أمر بالحلق لمن يؤذيه الهوام في الشعر .
وقد ورد في التحفة في باب الغسل ما نصه : « يجب نقض ظفائر [ التي ] لا يصل الماء لباطنها إلا بالنقض ، بخلاف ما انعقد بنفسه ولو كثر »(21) .
وذكر الشافعي في الأم : إذا كانت المرأة ذات شعر تشد ظفرها فليس عليها أن تنقضه في غسل الجنابة وكذلك الرجل يشد ظفر رأسه أو يعقصه فلا يحله ويشرب الماء أصول شعره .
فلم يفتى بالحلق ، وعلى فرض صحة قول هؤلاء وهو محال ، فإنه يترتب عليه أن جميع النساء يجب أن تحلق مثل الرجال وإلا فإن طهارتهن لن تكتمل ، فهل حرص هؤلاء المدعين على حلق شعور نسائهم كحرصهم على حلق شعور رؤوسهم .
الشعر الطويل في الطريقة
وصايا مشايخ الطريقة في اتخاذ الشعر الطويل
أكد مشايخ الطريقة قدست اسرارهم على مسألة إطلاق الشعر وعدم حلقه والاعتناء به لما له من فوائد حسية وروحية للمريد في الدنيا والآخرة ، فضلاً عن كونه تقليد عربي إسلامي ، ويكفي أن نذكر من أقوال مشايخ الكسنـزان قولاً للشيخ عبد القادر المهاجر قدس الله سره إذ يقول : { لو يعلم المريد ما السر في الشعر الطويل لكان اشتراه بالذهب ووضعه على رأسه قبل إنزاله في القبر }
إن تأكيدنا على ضرورة اتخاذ الشعر الطويل يأتي من باب :
الاتباع الكامل لحضرة الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم.
اتباع النهج العربي الأصيل .
مخالفة اليهود والنصارى .
فوائد خاصة في الطريقة .
ولهذا فإننا نعد الشعر الطويل رمز العروبة والإسلام .
ونذكر شيئاً من أحكام الشعر وفوائده في الطريقة على النحو الآتي :
الشعر الطويل : شعار الطريقة
إن لكل طريقة من الطرق الصوفية شعاراً خاصاً ، وشعار طريقتنا العلية القادرية الكسنـزانية هو اتخاذ المريد الشعر الطويل .
فوائد الشعر للمريد
من فوائد الشعر الطويل للمريد في الدنيا أنه يمنعه من الحرام ، وذلك أنه إذا أراد الإقدام على مخالفة يرى شعره الطويل فيخجل ويمتنع عن المنكر ، وهذا يزيد عليه فائدة أخرى وهي النجاة من العذاب الذي كان يترتب على ذلك الذنب ، فهو ذو فائدة للمريد في الدنيا والآخرة .
ترتيب الشعر وتنظيفه
يجب على جميع المريدين أن يعتنوا بنظافة الشعر وتسريحه وتربيته بصورة حسنة لما ورد عن حضرة الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم أنه رأى رجلاً أشعثاً فقال : أما يجد هذا ما يسكن به شعره ، ولم يأمره بالحلق ، بل بالغسل والترجيل والدهن ، فاعتنى هذا الرجل برأسه فرآه صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم وسلم مرة ثانية فقال : { أليس هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس}(22) .
فهذه لمحة سريعة عن أحكام رمز العروبة والإسلام وفوائده : الشعر الطويل ، في الشريعة والطريقة .
___________
الهوامش :
(1) – حديث رقم : 2338
(2) – حديث رقم : 3634 .
(3) – الامام الترمذي – الشمائل المحمدية – ص 19 .
(4) – المصدر نفسه – ص 19 .
(5) – المصدر نفسه – ص 20 .
(6) – المصدر نفسه – ص21 .
(7) – علي الطبرسي – مكارم الاخلاق – ص 69.
(8) – الشيخ أبو نعيم الاصفهاني – دلائل النبوة – ص 561 .
(9) – انظر كتاب حجج الدراويش في الشريعة الاسلامية – ص 16 .
(10) – الشيخ عبد القادر الكيلاني – الغنية لطالبي طريق الحق – ج1ص35 .
(11) – سنن أبي داود ج: 4 ص: 76 .
(12) – مصنف ابن أبي شيبة ج: 5 ص: 189 .
(13) – مجمع الزوائد ج 3 ص 15 .
(14) – المصدر نفسه ج 3 ص 261 .
(15) – الشيخ عبد القادر الكيلاني – الغنية لطالبي طريق الحق – ج1ص21 .
(16) – المصدر نفسه – ج1ص21 .
(17) – فيض القدير ج 5 ص 387 .
(18) – الشيخ عبد القادر الكيلاني – الغنية لطالبي طريق الحق – ج1ص35 .
(19) – المستدرك على الصحيحين ج: 2 ص: 160 برقم 2647 .
(20) – الأحاديث المختارة ج: 2 ص: 75 .
(21) – انظر : حجج الدراويش في الشريعة الاسلامية – ص 16 .
(22) – صحيح ابن حبان ج: 12 ص: 294 .