إزدهار الشذر
التصوف
يقول حضرة السيد الشيخ محمد المحمد الكسنـزان (قدس الله سره):
التصـوف (1) : هو علم معرفة الله سبحانه وتعالى , اي العلم الذي يبحث عن الوصول إلى الحقيقة المطلقة التي ليس ورائها حقيقة وللوصول الى هذه العرفة ينبغي اولا معرفة النفس الانسانية , لان أحد القواعد الثابتة عند الصوفية هو الحديث المشهور ( من عرف نفسه فقد عرف ربه ) (2) , وهذا يعني وجود تلازم معرفي من نوع خاص بين الحقيقة المطلقة ( الله ) والحقيقة المقيدة ( النفس ) وهذا التلازم أشاراليه الصوفيه كثيرا في مؤلفاتهم حين تحدثوا عن عملية الخلق الاولى وكيف ان الله سبحانه وتعالى أكرم آدم بأن نفخ فيه من روحه وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (3), فكان الانسان بتلك النفخة مميزا عن غيره من الكائنات , وكانت وسيلته للمعرفة الإلهية .
أن المعرفة المشار اليها ليست مجرد معرفة علمية بحتة ( معلوماتية ) , بمعنى انها ليست مجرد الوصول الى معلومات معينة , فمصطلح المعرفة عند الصوفية ذو افق صفاتي , فلن تعرف صفة السمع الإلهي مالم تتحقق بشيء من صفة السمع الإلهي المطلق عن الحدود والقيود , وما لم يخرق أمام سمعك حواجز ( الزمان والمكان ) فتسمع مالم يسمعه غيرك على بعد المسافة لا تسمى عارفا بالله من حيث صفة السمع , وكذلك البصر , والكلام , والقدرة وبقية الصفات , ويستشهد الصوفية على ذلك بالحديث القدسي الذي يقول فيه الحق تعالى : وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه , وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه , فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به , ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها , وإن سألني لأعطينه , ولئن استعاذني لأعيذنه (4) .
ومن ينظر بالله فلا يخفي عنه شيء , ومن يقدر بالله لايعجزه شيء , يقول حضرة السيد الشيخ محمد المحمد الكسنزان ( قدس الله سره) [ كل علم بعد معرفة الله سبحانه وتعالى سهل وميسور لأن من يعرف الخالق لايخفي عليه معرفة الخلوق ] .
والفكرة ببساطة هي ان الخالق سبحانه وتعالى لايخفي عليه شيء من خلقه وهو قادرعلى فعل أي شيء في مخلوقاته , وكما خلق القوانين الطبيعية وحدد قدرات كل مخلوق بحدود معينة , فجعل كل مخلوق متميز عن المخلوق الآخر بصفات وخصائص معينة , فهو سبحانه وتعالى قادر على خرق تلك القوانين وإظهار بعض القدرات فوق القوانين الطبيعية على يد من يشاء من خلقه .
الفناء في الله
أن مصطلح ( الفناء في الله ) (5) هو صفة العبد الذي يصل الى مرتبة المعرفة والقدرة بالله تعالى , فمن يفنى في صفات الله تعالى المطلقة يتمكن وقتها من الإطلاع والفعل بالقدرة الإلهية وليس بالقدرات البشرية المحدودة , هذه القدرة الخارقة يسميها حضرة السيد الشيخ محمد المحمدالكسنزان ( قدس الله سره) ب ( القوة الروحية ) , ومن منطوق العبارة فإن هذه القوة غير مادية , ولذلك , لايبدو من السهولة التحقق منها بالوسائل العلمية المتوفرة , فإن المنهج العلمي المحدد بالابعاد الحسية للقياس لاينسجم مع حقائق البُعد الصوفي ( الروحي ) .
مصدر القوة الروحية
ينطلق التصوف الاسلامي (6) بشكل عام والطريقة الكسنزانية بشكل خاص في تعامله مع قضية الخوارق ( معجزات أوكرامات ) من نظرة خاصة للكون والانسان والحياة وما ورائهما من عوالم لا مادية تنتهي بالمطلق الذي ليس بعده بعد .
هذه النظرة تختلف بطبيعة الحال عن النظريات السائدة في العلوم والفلسفات المادية كلها , لأنها لا تتوقف عند حدود المادة فقط , بل تتجاوزها لتتعامل مع بُعد آخر يعتبره الصوفية كخيط متصل في نسيج الوجود المادي كله ..
ذلك البعد يمثل وعيا مفارقا للمادة – إذا جاز التعبير – وهو وافد لعالمنا من عالم آخر , أي هو وعي مجرد متعالي كشكل من أشكال الطاقة يمكنه المرورعبرثقب أسود ليتواصل بواسطته المادي والامادي ..
وليست القوة الروحية إلا نمط من أنماط هذا التواصل , ولكنها تتميز بصفة الفائقية على أمثالها في الظواهر الطبيعية , فالقوة الروحية عند شيخ الطريقة الحاضر تعود إلى بُعد آخر في الوجود أو عالم آخر أوسع من هذا العالم المادي المحسوس لدرجة ان الكون كله يسبح في فضاء ذلك العالم كالذرة أو أصغر ..
أن العالم الواسع الذي يحيط بالعالم المادي ويهيمن عليه , بل ويتخلله هو علم روحي يسميه حضرة السيد الشيخ محمد المحمد الكسنزان ( قدس الله سره) : الحقيقة النورانية المحمدية وتلك الحقيقة هي نور مطلق يستمد وجوده من ذات الله سبحانه وتعالى ويمد بوجوده العوالم والموجودات . أي هو الوسيط النوراني بين القديم ( الله ) والحادث ( المادة ) (7 ).
وعلى هذا يمكن القول ان مراتب الوجود من حيث الترتيب النظري ثلاثة :
الاولى : الله سبحانه وتعالى .
ألثانية : النور المحمدي ( واسطة القوة الروحية ) .
الثالثة : ألعوالم المخلوقة .
وحسب رأينا في الطريقة ان الواسطة الروحية التي تربط بين الخالق والمخلوق هو النور المحمدي , والمقصود به الجانب الروحي لحضرة الرسول الأعظم محمد , لأنه في العقائد الإسلامية والصوفية ليس كغيره من الأنبياء والمرسلين من حيث الجوهر ( التكوين الذاتي ) وإن كان كذلك من حيث المظهر ( التكوين الجسماني ) , فكل الناس لآدم وآدم من تراب , إلا الرسول محمد أظهره الله تعالى من نوره الكريم , فقال واصفا ذلك : قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (8) .
فحضرة الرسول الاعظم من الناحية الروحية نور خالد غير منته , حاضر بين الناس في كل زمان ومكان من خلال الانبياء والمرسلين قبل ظهوره الحسي ومن خلال القرآن الكريم ومشايخ الطريقة بعد إنتقاله إلى العالم الآخر .
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى الانبياء والمرسلين ليرشدوا الناس الى الطريق الذي بواسطته تنفتح بصائرهم على الجانب الاخر من الحياة وهو الجانب الروحي , فكان من الطبيعي أن يمد رسله وأنبيائه بشئ غير تقليدي من القوه الروحيه ليرى الناس أن وراء معرفتهم معرفه اخرى , ووراء ماديتهم أبعاد اوسع لا يستطيعون التحقق بها أو منها إلا بواسطه سلوك الطريق الخاص الموصل لها .
هنا ومن مرتبة الوسطيه بين الخالق والمخلوق , من مرتبه نورانيه عليا , من مرتبة الوصف القائم بنور الله تعالى , من مرتبه بين الموحي والموحى اليه , من مرتبة الرساله بين المرسل والمرسل اليه , ومن مرتبة الحكمه , تنزلت قوه روحيه فوق القوه الطبيعيه المعروفه في الوسط المادي لتنبه على أن هناك وراء العالم المادي المحسوس عالما أخر , ينبغي للإنسان أن يتلمس سبل معرفته والبحث فيه , فظهرت تلك القوه بهيئة المعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء .
إذا المصدر الحقيقي للقوه الروحيه في الطريقه الكسنزانيه هو النور المحمدي وهو أمتداد لصفة النور ألإلهي , ومن خلال هذا النور تتنزل كل القدرات والطاقات والمعارف وألألهامات والأمكانات لمشايخ الطريقه قدس الله اسرارهم . ولعل مسألة فناء الشيخ في الله صارت واضحه بأنها لاتختلف في شئ عن الفناء في النور المحمدي , إذ أن النور المحمدي هو صفة النور ألإلهي , وشيخ الطريقه الحاضر يستمد نورانيته وقوته الروحيه من هذا النور ألأزلي , ويمد بأذن الله تعالى مريدي الطريقه بما يحتاجون اليه من أرشادهم وفعالياتهم .
الطريقة في الشريعة الاسلامية
ولعل سؤال تقليدي يتبادر الى أذهان الناس كثيرا متى ظهرت الطريقة في الإسلام ؟ ولماذا ظهرت ؟ ومن ناحية أخرى فإن البعض الآخر يتسائل : لو كانت الطريقة صحيحة ,فلماذا لم يأمر بها رسول الله ؟ ولمادا لم يصرح بها ؟
يقول حضرة السيد الشيخ محمد المحمد الكسنزان (قدس الله سره)(9) : الحقيقة ان هناك لبسا شاسعا عند الناس حول هذه المسأله , فهناك فرق كبير بين ظهور مصطلح الطريقة كلفظ دال عليها , وبين وجود الطريقة كحقيقة شرعية إسلامية رافقت ظهور الإسلام من بواكيره الأولى إلى إنتقال حضرة الرسول الأعظم وتوريثه علومه وأنواره لخلفائه ونوابه من بعده .
صحيح ان لفظ الطريقة لم يشتهر في عصر الظهور المحمدي , ولكن هذا لايعني ان جوهرها وحقيقتها لم يكن موجودا . فلفظ الطريقة لايختلف عن كثير من الالفاظ الاسلامية التي كانت موجودة بحقيقتها دون اللفظ الاصطلاحي الدال عليها ,ففي زمن الرسالة كان بعض الصحابة الكرام يتعاهدون قراءة القرآن الكريم وتجويده وترتيله آناء الليل وأطراف النهار وقد صار شغلهم الشاغل , ولكنهم لم يشتهروا بلفظ ( القراء( وقتها , وكذلك كان هناك من يجتهد ويستنبط الأحكام الشرعية في بعض المسائل الفرعية , ولكنهم لم يتسموا وقتها بالفقهاء , ولم يطلق على مااختصوا به وتفردوا في فهمه مصطلح (علم الفقه) الا في القرن الهجري الثاني , فماذا يعتي هذا ؟ ذلك يعني ان جوهر العلوم الاسلامية كلها وبضمنها ( علم الطريقة ) كان موجودا في عصر الرسالة الأول , ولكنها غير مشهورة بالتسميات التي تعارف عليها أصحاب كل علم فيما بعد , فما ينبغي أن يوضع في الحسبان أن إطلاق إسم معين على حالة كالطريقة , ليس كإطلاق اسم معين على مولود جديد , بل يمر ذلك الأطلاق بتطورات تبعا لتطور ذلك المفهوم .وغني عن الذكر أن تخصص كل جماعة من العلماء بعلم من علوم الشريعة الأسلامية لايعني البتة تركهم لبقية العلوم , فكان كل منهم يقرأ القرآن ويحفظ الحديث النبوي الشريف , ويتعلم احكام الفقه , ويجاهد نفسه في سبيل الحضور مع الله والتحقق بمقام الإحسان . وكذلك تمسك الجميع ببقية العلوم الإسلامية التي إنتشرت آنذاك على قدر استطاعة كل منهم (10) .
لعل قائل يقول : لنفرض ان ذلك صحيح , وان جوهر العلوم الاسلامية كان موجودا في العصر الأول , ولم تتفرع وتظهر معالمها إلا بعد الحاجة لها في القرن الثاني , فهل ان الطريقة كانت من ضمن تلك العلوم ؟ في صدد الإجابة عن هذا السؤال تناول العديد من الصوفية نصا للحافظ محمد صديق الغماري يقول فيه بأن أول من أسس الطريقة هو الوحي السماوي من جملة ماأسس من الدين المحمدي , وذلك لأنها – كما يرى – مقام الإحسان ) ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك ) وهذا المقام هو ثالث أركان الدين بعد الإسلام والإيمان التي بينها حضرة الرسول الأعظم في حديث جبريل والذي قال فيه هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم (11) مؤكدا على ان من أخل بهذا المقام ( الإحسان ) الذي هو الطريقة فإنه لم يبلغ مراتب الكمال لتركه ركن من اركان الدين , فغاية ماتدعوا اليه الطريقة وتشير اليه هو مقام الإحسان بعد رسوخ الإسلام والإيمان (12) .
وهذا النص , وإن كان يؤيد مانذهب اليه من أن جوهر الطريقة نابع من جوهر الرسالة الإسلامية , إلا إنه في رأينا لايعطي الأبعاد الحقيقية لمصطلح الطريقة في الشريعة الإسلامية , لأنه يقصر مفهوم الطريقة في الإسلام على ركن واحد من أركان الدين وهو ركن ( الإحسان ) والحقيقة أن مفهوم الطريقة متعلق بأركان الدين الثلاثة ( الإسلام الإيمان الإحسان ) تعلق اللازم بالملزوم , فهي ليست تطبيقا لمقام الإحسان فقط كما يتصور البعض , وأنما هي تطبيق لمقام الإسلام أولا, ثم الإيمان , وأخيرا الإحسان , إذ لا إحسان بلا إسلام وإيمان . فالطريقة هي التطبيق الأمثل والأكمل لأركان الدين الثلاثة بلا فصل أو تجزئة . فإذا كان الوحي السماوي قد نزل بها كما ورد في حديث جبريل وهو مانعتقد به , فإنه نزل بمقاماتها الثلاثة مجتمعة .
الطريقة والاستقامة
ويقول حضرة السيد الشيخ محمد المحمد الكسنزان (قدس الله سره)(13): الاستقامة في اللغة هي الاعتدال , يقال استقام الأنسان , أي اعتدل في سلوكه وكانت أخلاقه فاضلة (14) .
والاستقامة بالمعنى الشرعي هي تحقيق الموازنة بين الإيمان والعمل , فعن سفيان بن عبد الله ألثقفي قال : قلت يارسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً غيركَ بعدُكَ , قال : قُلْ آمنتُ باللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ (15) . فهذا الحديث – كما يقول علماء الحديث – من جوامع الكلم , إذ جمع فيه النبيالأسلام كله بكلمتين … قل آمنت بالله – العقيدة – ( ثم إستقم – ( العمل – , ( آمنت بالله ) , المنطق النظري , ( ثم إستقم ) التطبيق العملي . ( قل آمنت بالله ) ألفكر , ( ثم إستقم ) في السلوك , فالإسلام أعتقاد وعمل , منطلق نظري وتطبيق عملي , فهم وسلوك . وهو تصديق لقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا (16) .
ولكن هل الإيمان قول ؟ جاء عن رسول الله إنه من قال لا إله إلا الله بحقها دخل ألجنة .
قيل : يارسول الله وما حقها ؟
قال : أن تحجزه عن محارم الله (17) .
فإذا قلت : لا إله إلا الله مخلصا , وإخلاصها هو أن تحجزك عن محارم الله , أي أن تأمر بالمعروف وتنتهي عن المنكر , فقد آمنت واستقمت . ان كل مافي الاسلام من سعادة , كل مافي الاسلام من طمأنينة , كل مافي الاسلام من توازن , كل مافي الاسلام من إعتدال , كل مافي الاسلام من ثقة , لاتقطفها إلا بهاتين الكلمتين قل آمنت بالله ثم استقم .
فلو حصل خلل في العمل فهذا يعني ان هناك خللا في العقيدة , ولو كان هناك خلل في العقيدة لا بد أن يتبعه خلل في العمل , هذا الترابط الدقيق بين ما تعتقد , وما تفعل , بين المنطق النظري والتطبيق العملي , بين الاعتقاد وبين العمل , بين مايستقر في قلبك وبين ماتفعله في يدك , هو القاعدة الرابطة بين الإيمان والعمل والصالح . الإستقامة إذا هي تطبيق اركان الدين الاسلامي تطبيقا كاملا , الاستقامة أن تقوم على الامر والنهي , ولا تروغ عنه روغان الثعلب كما قال سيدنا عمر (18) , وعلى العكس من ذلك تماما فالاستقامة هي ألخط المستقيم كما رسمها رسول الله ( حين ] خط خطاً وخط عن جنبتي ذلك الخط خطوطاً , فكان ذلك الخط شرعه ومنهاجه الذي بعث به . وقيل له :(قل لأمتك تسلك عليه ولا تعدل عنه) ,وكانت تلك الخطوط شرائع الأنبياء التي تقدمته والنواميس الحكيمة الموضوعة ,, ثم وضع يده على الخط , وتلا : وَأنَّ هذا صراطي مستقيما (19) فأضافة إليه ولم يقل صراط الله…هذا معنى الإستقامة المتعلقة بالنجاة [ (20) .
يلاحظ من هذا النص كيف ان الاستقامة هي السير على الصراط المحمدي للوصول الى النجاة بالنفس في الدنيا والآخرة , وهذا الصراط امرنا الله سبحانه وتعالى ان نسأله أياه في كل صلاة نؤديها وذلك بتلاوتها أهدنا الصراط المستقيم (21) من فاتحة الكتاب , فما هو الصراط ؟
روي عن الضحاك (22) ,عن عبد الله بن عباس قال : قال جبريل لمحمد قل يامحمد إهدنا الصراط المستقيم , أي : ألهمنا الطريق الهادي (23) . فهو الطريق الهادي الى دين الله , كما رواه ابن عباس , وبه قال مجاهد ( 24) .
ان الترابط والتلازم بين الصراط وهو الطريق وبين الاستقامه , يفسر لنا قوله تعالى : وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً (25) أي لو ساروا على الطريقه المستقيمه التي خطها رسول الله لنفسه وامته , لوصلوا الى مراتب القرب التي توصل لها تلك الطريق . روي عن رسول الله إنه قال : فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته (26) فالصراط هو قنطره على النار يعبر عليها الناس يوم الحساب وهو عند الشيخ محمد الكسنزان نتيجه لازمه لمقدمه سابقه , فالصراط المستقيم عنده موجود في الدنيا ومن لم يستطيع العبور عليه هنا لايستطيع العبور عليه هناك … كيف ؟
لما كانت الطريقه عندحضرة السيد الشيخمحمد المحمد الكسنزان (قدس الله سره) هي التطبيق الحرفي والروحي للشريعه الاسلاميه بجميع اركانها وفروعها , فهي عنده تمنع المريد من الحرام وتربي نفسه على النفور منه , بل من الشبهات التي يشك بها او يرتاب فيها فتنمي عنده مشاعر الورع , وتقوي عنده خاصية التقوى , فإذا التزم المريد بمنهج الطريقه فأنه سيكون أبعد الناس عن المحرمات والشبهات , وبالتالي أبعد الناس عن الوقوع من الصراط في النار يوم القيامه , ولهذا يؤكد الشيخ محمد الكسنزان على أن كل حرام في الدنيا هو في حقيقته نار في الاخره , مستشهدا بقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (27) أي من يظلم في الدنيا يجازي بالنار في الاخره , والسير على منهج الطريقه بالنسبه للمريد في الدنيا يماثل السير على الصراط في الاخره , وكل ما التزم واستقام , كان عبوره على الصراط اسهل واسرع في الدنيا قبل الاخره . فالطريقه عند السيد الشيخ محمد الكسنزان (قدس الله سره)هي الصراط المستقيم الذي يعبر عليه المريد في الحياة الدنيا فلا تمسه النار يوم الحساب , لكونها وكما جاء تعريفها في كتاب الطريقه العليه القادريه الكسنزانيه طريق القرأن الكريم , ونهج الرسول الاعظم وأهل بيته الاطهار وصحابته الكرام , أي الطريق المستقيم الذي ذكره الله تعالى في اول سوره في القرأن فقال سبحانه : إهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت (28) ( , أي : طريق الحق والهدايه , طريق الله الذي نعم وفاز في الدنيا والاخره من استقام عليه (29) .
_____________________________________________
الهوامش : ـ
1- كتاب خوارق الشفاء الصوفي والطب الحديث للاستاذ الدكتور الشيخ نهروالشيخ محمد الكسنزان ص70 .
2- عبد الؤؤف المناوي –فيض القدير شرح الجامع الصغير –ج5 ص50 .
3- سورةالحجر آية 28-29 .
4- أخرجه البخاري , عن أبي هريرة , كتاب التهجد , باب صلاة النوافل جماعة , رقم 6502.
5- كتاب خوارق الشفاء الصوفي والطب الحديث للاستاذ الدكتور الشيخ نهرو الشيخ محمد الكسنزان ص72 .
6- كتاب خوارق الشفاء الصوفي والطب الحديث للاستاذ الدكتور الشيخ نهرو السيخ محمد الكسنزان ص77 .
7- أنظر : — الشيخ محمد الكسنزان –كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ص11-20 . — شرح الشيخ عبد الرزاق القاشاني على فصوص الحكم للشيخ محي الدين ابن عربي – المطبعة الميمنية مصر 1321هـ ص266-267 .
8- سورة المائدة آية 15 .
9- -الشيخ محمد الكسنزان – كتاب مصطلح الطريقة في الشريعة الاسلامية , اصدارات الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ج1 ص14-18 .
10- انظر: – الشيخ محمد الكسنزان – كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ص 78-79 .
11- جزء من حديث اخرجه الامام مسلم في صحيحه في كتاب الايمان عن عمر بن الخطاب – دار احياء التراث العربي – بيروت –ج1 ص39 .
12- المحدث محمد صديق الغماري –الانتصار لطريق الصوفية –ص6 .
13- -الشيخ محمد الكسنزان – كتاب مصطلح الطريقة في الشريعة الاسلامية , اصدارات الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ج1 ص59-68 .
14- المعجم العربي الاساسي –ص1016 .
15- شرح سنن بن ماجة – جلال الدين السيوطي – قديمي كتب خانة – كراتشي – ج1 ص276 .
16- سورة الاحقاف آية 13 .
17- مجمع الزوائد – علي بن ابي بكر الهاشمي – ج1 ص18 .
18- تفسير الطبري – دار الفكر – بيروت – 1405هـ – ج24 ص115 .
19- سورة الانعام آية 153 .
20- الفتوحات المكية – الشيخ ابن عربي – دار صادر – بيروت – ج2 ص217 .
21- سورة الفاتحة آية 6 .
22- الضحاك بن مزاحم الهلالي , ابو القاسم , ويقال: ابومحمد , الخراساني , وهوتابعي جليل , روى عن انس , وإبن عمر , وأبي هريرة , وجماعة من التابعين , وكان الضحاك إماماََ في التفسير , قال الثوري : خذو التفسير عن أربعة: مجاهد , وعكرمة , وسعيد بن جبير , والضحاك , وقال الامام أحمد : هو ثقة , وذكره ابن حبان في الثقاب , توفي سنة 100 هـ .
23- جامع البيان في تفسير القرآن – محمد بن جرير الطبري – دار الفكر – بيروت – 1405 هـ ج1 ص72 .
24 – زاد المسير في علم التفسير –إبن الجوزي –القاهرة – 1960 – ج1 ص9 .
25- سورة الجن آية 16 .
26 – صحيح البخاري – ج1 ص278 .
27- سورة النساء آية 10 . 28- سورة الفاتحة آية 6,7 .
29- الشيخ محمد الكسنزان – كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ص73 .
_______________
المصدر : مشاركة من الكاتبة