يرى بعض الباحثين أن القدرات الخارقة التي تظهر في أثناء فعاليات الدروشة هي من قبيل التنويم المغناطيسي ، وما دعم ذلك أن الكثير من الباحثين أكدوا إمكانية ظهور قابليات غير مألوفة عند بعض الأشخاص في أثناء تنويمهم ، وهذا أدى إلى شيوع أفكار غير صحيحة في هذا المجال .
إن أول ما تتطلبه معرفة العلاقة المزعومة بين التنويم المغناطيسي وفعاليات الدروشة السؤال الآتي :
هل هناك عملية تنويم تقليدية يتبعها مريدو الطريقة ؟
إذ أن وجود ممارسة نمطية للتنويم يعني أن هنالك احتمالاً كبيراً فعلاً بأن يكون التنويم هو المسؤول عن نجاح المريد في فعاليات الدروشة التي يقوم بها . هذا ما بدأ به باحثون متخصصون من معهد بارمان للظواهر الباراسيكولوجية دراستهما حول الموضوع وكان أن توصلا إلى القول :
« إن الإجابة على هذا السؤال هي بالنفي ، إذ لا يمارس مريدو الطريقة الكسنـزانية أي طقس يتضمن أي شكل من أشكال التنويم بأشكالها المعروفة »
« و قد يشير البعض إلى عملية المبايعة عند أخذ المريد الإذن بممارسة فعاليات الدرباشة ، إلا أن المبايعة ليس الهدف منها الإيحاء للمريد بالشجاعة أو إقناعه بأنه قادر على القيام بفعاليات الدرباشة ، إذ أن المريد يسمح له بأخذ العهد الخاص بالإذن بممارسة الدرباشة بعد أن يكون قد أفصح هو عن رغبته بذلك .
فضلاً عن هذا فإن هذه المبايعة تكون لمرة واحدة وذلك عند أخذ المريد الإذن بممارسة الدرباشة ولا يتم تكرارها فيما بعد . وهذا الأمر بالذات يخالف المعروف عن الإيحاء التنويمي من ضرورة تكراره في كل وقت يراد فيه تنويم الشخص . وبشكل عام لا يوجد بين ممارسات الطريقة ما يمكن أن ينظر اليه كعامل يخلق حالة تنويم في المريد تمكنه من ممارسة فعاليات الدرباشة .
قد يجادل البعض مشيراً إلى ما يعتقده معظم الباحثين حالياً من أن خلق حالة تنويم في شخص ما لا يستدعي بالضرورة القيام بطقوس التنويم الشكلية التقليدية المتضمنة وجود منوم يقوم بإعطاء إيحاءات التنويم للشخص المنوم ، إذ بإمكان الكثير من الناس ممارسة ما يعرف بالتنويم الذاتي حيث يقوم الشخص بالإيحاء لنفسه بشكل أو بآخر .
قد يستغل هذا الأمر في الادعاء بأن المريد يمارس نوعاً من التنويم الذاتي قبل البدء بممارسة فعاليات الدرباشة .
إلا أن هذا الافتراض أيضاً غير ذي أساس لأن المريد بإمكانه ممارسة فعاليات الدروشة في كل وقت ومكان ومن دون أية تحضيرات ، كما أن المريد حين يمنح الإذن بممارسة فعاليات الدرباشة لا يعطى أية تعليمات عن ممارسة أي نوع من أنواع التنويم أو الإيحاء أو غيرها من الممارسات الشبيهة .
إن النقطة الحاسمة للنقاش في هذا الموضوع هي أن مراقبة المريدين خلال قيامهم بفعاليات الدرباشة تبين أنهم في حالة يقظة تامة وسيطرة على حواسهم وتصرفاتهم ، مع قدرة كاملة على الاستجابة لكل متغير في محيطهم والتفاعل معه بانتباه كامل . أي ليس هناك أي دليل على أن المريد يمارس الدرباشة بينما هو في حالة تنويم .
رغم أن بعض المريدين يمارس فعاليات الدرباشة وهو في حالة حماس أو انفعال قد يرى فيها البعض دليلاً على كونه في حالة وعي غير اعتيادية فإن باقي المريدين يقومون بعروضهم بشكل هادئ تماماً .
بل أن المريد نفسه الذي يبدو مرة منفعلاً في أثناء ممارسة الدرباشة ، يمكن أن يكون في مرة لاحقة هادئاً وهو يمارس الفعالية ذاتها .
فضلاً عما تقدم ذكره فإن هنالك أسباباً أخرى تجعل خطأ فرضية التنويم كتفسير لفعاليات الدرباشة لمريدي الطريقة الكسنـزانية واضحاً تماماً :
أولاً : إن اكتساب المريد لقابليات الدرباشة لا يتطلب أية خبرة سابقة في التنويم أو التصور ، أو التأمل ، أو أي من الممارسات المثيلة ذات العلاقة بالإيحاء .
كما أن المريدين يقومون بها بشكل فوري ومن دون أية ممارسات تحضيرية من المشار إليها في أعلاه .
ثانياً : ليس للغالبية العظمى من المريدين ، ولربما لجميعهم أي اطلاع على القابليات غير الاعتيادية التي يمكن للتنويم وبعض الممارسات المثيلة خلقها في الجسم البشري .
كما أن مثل هذه الممارسات معدومة في غالبية المجتمعات التي يوجد فيها مريدو الطريقة الكسنـزانية .
بل أن مثل هذه الممارسات هي ضد تعاليم الطريقة التي تؤكد على أن المريد يجب أن يكون قدر إمكانه في حالة ذكر دائم لله ، إذ أن ممارسة مثل هذا التنويم والتأمل غير الهادف إلى ذكر الله تمثل من وجهة نظر الطريقة نوعاً من الغفلة عن ذكر الله .
ثالثاً : عند الأخذ في الاعتبار النسبة الكبيرة من المريدين الذين يمارسون فعاليات الدروشة تظهر مشكلة أخرى لا يمكن حلها أمام من يريد أن يفسر الدرباشة بالتنويم … إن باحث التنويم المعروف ( ثيودور باربر ) يعتقد بأن نسبة « الناس أولي القابلية الممتازة على التأثر بإيحاءات التنويم تشكل حوالي 4 % فقط من عدد الناس »
والآن إذا كان التنويم هو الذي يساعد المريدين على القيام بفعاليات الدرباشة فإن مما لاشك فيه أن عدد من يستطيع أن يصل من خلال التنويم إلى إمكانيات خارقة مثل السيطرة على النـزيف والالتهاب والشفاء الفوري ومقاومة الحرق والسموم والصعقات الكهربائية هو بالتأكيد نسبة قليلة … إلا أن هذا الاستنتاج لا يطابق واقع الحال حيث أن نسبة من يمارس الدرباشة من المريدين هي أعلى بكثير مما تتوقعه فرضية التنويم هذه .
ثم خلص الباحثان إلى القول : « إن المناقشة السابقة تجعل من الواضح أن مريدي الطريقة الكسنـزانية لا يقومون بممارسة الدرباشة وهم تحت تأثير التنويم »(1) .
لقد دحضت كرامات مشايخ طريقتنا الكسنـزانية كل التفسيرات المبنية على أساس التنويم المغناطيسي ، ويكفي الباحث أن يسأل أهل الطريقة ليعطوه التفسير الحقيقي الذي يكشف النقاب عن سر فعاليات الدروشة ، فأهل البيت أدرى بالذي فيه ..
إن ما يحصل هو امتداد القوة الروحية من شيخ الطريقة إلى المريد بحيث تمكنه من القيام بتلك الفعاليات ، وهذه القوة إنما هي لمسة روحية إلهية مستمدة من نور الله متصلة على شكل سلسلة مع حضرة الرسول الأعظم سيدنا محمد ﷺ .
الهوامش :
[1] جمال نصار ولؤي فتوحي – الباراسيكولوجيا بين المطرقة والسندان – ص193-195 .
المصدر :
السيد الشيخ محمد الكسنزان -موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه اهل التصوف والعرفان – ج7-مادة(خ ر ق) .