قال تعالى : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) .
وقال تعالى : ( واذا سمعوا ما انزل الى الرسول , ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) .
وقد جاء في تفسير قوله تعالى : ( في روضة يحبرون ) ، انه السماع من الحور العين .
قال تعالى : ( فلما حضروا قالوا انصتوا ) .
وقال تعالى : (وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً ) .
وروي باسناد عن عائشة رضي الله عنها : انها انكحت ذا قرابتها من الانصار فجاء النبيﷺ ,فقال : ( اهديتم الفتاة ) . فقالت : نعم .
قال ﷺ : ( فارسلته من يغني ) ؟
قالت : لا .
فقال ﷺ : ( ان الانصار فيهم غزل فلو ارسلتم من يقول : اتيناكم …. اتيناكم فحيانا وحياكم ) .
وقد جرى على لفظ رسول الله ﷺ, ما هو قريب من الشعر وان لم يقصد ان يكون شعرا , ثم ذكر قول الانصار رضي الله عنهم في حفر الخندق :
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا ابدا
وما اجابهم به رسول الله ﷺ بقوله تعالى : ( اللهم لا عيش الا عيش الاخرة , فاكرم الانصار والمهاجرة ) .
وقال ﷺ في مدح ابي موسى الاشعري : ( وقد اوتي مزمارا من مزامير ال داود ) .
ودخل رجل على الرسول اللهﷺ وعنده قوم يقراون القران وقوم ينشدون الشعر فقال: يا رسول الله قران وشعر ؟ فقال ﷺ : (من هذه مرة ومن هذه مرة )
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : جاء جيش من الحبشة يدفون يوم عيد في المسجد فدعاني رسول الله ﷺ ,فوضعت كفي على منكبيه فجعلت انظر الى لعبهم . قال ابن عينية : الدف والرقص . فثبت ان الرقص في اصله مباح ولو كان حرما لذاته ما فعل بين يدي رسول الله ﷺ.
قال عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه : وروي عن عائشة رضي الله عنه انها قالت : كانت عندي جارية تسمعني فدخل رسول الله ﷺ وهي على حالها , ثم دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففرت فضحك رسول الله ﷺ, فقال : ما يضحك رسول الله ﷺ, فحدثه فقال : لا اخرج حتى اسمع مما ســمعه رســول الله ﷺ , فامره فاسمعته .
وروي عن النبي ﷺ انه كان يعظ فصعق رجل من جانب المسجد . فقال : ( من هذا الملبس علينا ديننا . ان كان صادقا فقد شهر نفسه وان كان كاذبا محقه الله ) .
واخرج البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها ان ابا بكر رضي الله عنه , دخل عليها وعندها جاريتان في ايام عيد , ,تدفان – أي تضربان الدف – والنبي ﷺ متغش بثوبه فانتهرهما ابو ابكر رضي الله عنه فكشف الرسول ﷺ عن وجهه وقال : ( دعهما يا ابا بكر فانها ايام العيد ) .
وعن الامام مالك رضي الله عنه : ( انه قال ادركت اهل العلم ببلدنا هذا لا ينكرون السماع ولا يقعدون عنه ولا انكره احد الا غبي او فدم غليظ الطبع ) .
وعن الامام الشافعي رضي الله عنه انه سمع جارية تغني وتقول :
خليلي ما بال المطايا كانها تراها على الاعقاب بالقوم تنكص
فقال : لابن علي وكان معه : كيف تسمع , ايطربك ؟
قال : لا . فقال : الشافعي : مالك حس .
روي عن الامام علي كرم الله وجهه انه سمع ناقوسا فقال : اتدرون ما يقول ؟, قالوا : لا .
فقال : انه يقول سبحان الله حقا …… حقا صمد يبقى .
وقد ذكر ابن عرضون في مقنعه : ( ان الصحابة رضي الله عنهم كانوا اذا ذكروا الله مال بعضهم على بعض كالشجر في يوم الريح العاصف او ماهذا معناه ) .
وقد ثبت ان جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه رقص بين يدي النبي ﷺ , حين قال له : ( اشبهت خلقي وخلقي ) . وذكر الشيخ السنوسي وغيره .
قال ابوا طالب المكي : ( ان طعنا على السماع طعنا على سبعين صديقا ) .
وسئل الشبلي عن السماع فقال : ( ظاهرة فتنة وباطنه عبرة , فمن عرف الاشارة حل له السماع والا ستدعى الفتنة ) .
قال الامام الغزالي في احياء : ( يثمر السماع حالة في القلب تسمى الوجود ويثمر الوجد تحريك الاطراف اما بحركة غير موزونة فتسمى الاضطراب , او موزونة فتسمى التصفيق او الرقص ) .
وقال الامام القشيري : ( قد سمع السلف والاكابر الابيات بالحان . فمن قال باباحته من السلف مالك ابن انس رضي الله عنه واهل الحجاز كلهم يبيحون الغناء , واما الحداء فاجماع منهم على اجازته , وقد وردت الاخبار واستفاضت الاثار في ذلك ) .
وسئل ذو النون المصري عن السماع فقال : ( وارد حق يزعج القلوب فمن اصغى اليه بحق تحقق , ومن اصغى اليه بنفس تزندق ) .
قال السري : ( تطرب قلوب المحبين الى السماع وتخاف قلوب التائبين وتكاب قلوب المشتاقين ) .
سئل الجنيد عن السماع فقال : ( كل ما يجمع القلب بالله فهو جائز , وما هذا معناه ) .
قال بعض المشايخ : ( لا يصح السماع الا لمن كان قلبه حيا ونفسه ميتة واما من كانقلبه ميت ونفسه حية فلا ) .
قال الجنيد : ( كل مريد يميل الى السماع , فاعلم ان فيه بقية من البطالة ) .
وقيل مثل السماع مثل الغيث اذا وقع على الارض المجدبة فتصبح مخضرة كذلك القلوب الزكية تظهر مكنون فوائدها عند السماع فيه خط لكل عضو فربما يبكي وربما يصرف وربما يضعف وربما يرقص وربما يغمى عليه .
وقيل يحرك ما ينطوي عليه القلب من السرور والحزن والرجاء والشوق , فربما يخرجه الى البكاء وربما الى الطرب .
وقيل اهل السماع ثلاث تائب وصادق ومستقيم
وقيل يحتاج المستمع الى ثلاثة : دقة , ورقة , وحرقة .
عن بعض الابدال انه قال : رايت النبي ﷺ فقلت : ما تقول في السماع الذي عليه اصحابنا . فقال : هو الصفاء , الذي لا يثبت عليه الاقدام العلماء .
وقد ذكر ان القوم لم يكن اجتماعها مقصود السماع بحيث اذا وجد اجتمعوا واذا غاب افترقوا , بك كانوا اذ اتفق اجتماعهم لامر من الامور لانهم اغنياء عنه بحلاوة الذكر والمعرفة .
مجلس السماع كمجلس الذكر : ( لا يجدون حلاوة الوجـد ولا لذة الخـمرة ) ولذلك قال : الجنيد : المواكلة رضاعة فانظروا من تواكلوه فيصدق بالحس والمعنى .
ثم قيل ان شابا كان يخدم الجنيد فكلما سمع شيئا زعق وتغير فقال : ان ظهر فيك شيء بعد هذا فلا تصحبني فكان يضبط نفسه وربما كان يقطر من كل شعره منه قطرة عرق حتى كان يوما من الايام زعق زعقة خرجت فيها روحه .
قال الشيخ محمد بن عجيبة رحمه الله : ( وانما كان استعمال السماع في الزمان المتقدم عند قصد المريد الشيخ يشكو اليه سقمة ومرضه الذي اصب قلبه من غفلة او فترة او قسوة او كسل او طغيان او غير ذلك من العيوب التي لا تحصى , ثم توالى المجئ الى الشيخ حتى استقل جماعة من الفقراء فشكى كل واحد داءه لانه طبيب ماهر , قد يداوي بالهمة او بالنظر فعندما اجيبوا بالشفاء ونشطت نفوسهم وذهب داؤهم وبؤسهم وطابت قلوبهم بالاذواق وامتلاءت قلوبهم بالانوار واشرقت فيها شموس المعارف والاسرار واستعملت نتائج افكارهم فابدت من العلوم ما يليق بسعة صفائها ترغم بالغزل الرقيق ) .
وقال : (من وجد في نفسه كسلا او قبضا استعمل ما يزيل به كسله او مرضه , ثم اعلم ان اعتراض اهل الظاهر على الصوفية لا ينقطع ابدا سنة ماضية وخصوصا في السماع الحمولة فيهون عليها بالحداء .
كما قيل : ( ان بعض الوجدان كان يقتات بالسماع , ويتقوى به على الطي والوصال , ويثير عنده من الشوق ما يذهب عنده من لهب الجوع ) .
المصدر:
السيد الشيخ محمد الكسنزان- الانوار الرحمانية في الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ص50-56