د. عبد القادر طاش
هل يملك نموذجاً حضارياً يمكن أن يكون بديلاً عن النموذج الحضاري الغربي، أو يكون على الأقل خياراً متاحاً يلفت الأنظار إليه ويدعو الآخرين للتفكير فيه؟
لا ريب في أن الإسلام وفّر لأتباعه ومعتنقيه في الماضي الأسس والمقومات التي قادتهم إلى بناء حضارة إسلامية متميزة. فقد أحدث الدين نقلة في حياة العرب تمثلت أساساً في تغيير القيم. وكان محور هذا التغيير كما يقول المستشرق الدنمركي (جوستاف فون جرونيباوم):
(هو تحديد هدف الحياة وغايتها) حيث أن الإسلام جعل قيمة أي إنجاز بشري مرتبطة بالحساب والجزاء في الدار الآخرة الباقية .
ونسترسل قليلاً مع المستشرق الدنمركي وهو يشرح لنا المعطيات الحضارية الإسلام فيقول: (في ظل هذه القيم الأساسية يطرح الإسلام أسئلة جوهرية ثلاثة ويقدم إجابته عليها وهي: كيف تعيش حياة صحيحة؟ وكيف تفكر تفكيراً؟ وكيف تقيم نظاماً صحيحاً؟ ويضيف قائلاً: (لقد قدّم الإسلام أجوبة على هذه الأسئلة في التربية الصحيحة للفرد، والترتيب النسبي لمناشط الإنسان، وتحديد القصد والمجال بالنسبة لسلطة الحكم أو ممارسة القوة السياسية. وكذلك بنى الإسلام نظاماً للقيم يتناول الواجبات والحقوق في شتى مجالات السلوك الإنساني، سواء السلوك الفردي أو السلوك الاجتماعي وعلاقات الفرد بقربته أو بالجماعة كلها. وقد أدى ذلك إلى تقويم أية خبرات حضارية سابقة أو لاحقة في هذا الضوء بحيث تكون متجاوبة مع معايير الإسلام ومقاصده).
ولم تكن ثمرات الحضارة التي أرسى دعائهما الإسلام في حياة المسلمين مقتصرة علهيم وحدهم، بل تجاوزت حدودهم وبلغ تأثيرها غيرهم. وهذه شهادة لشخصية غربية مرموقة هي ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز في كلمته التي ألقاها في جامعة أكسفورد في شهر أكتوبر من العام 1993م حيث يقول: (وكثيرة هي السمات واللمسات التي تعتز بها أوربا الحالية التي هي فعلاً مقتبسة من أسبانيا المسلمة: الدبلوماسية والتجارة الحرة والحدود المفتوحة وأساليب البحث الأكاديمية في علم أصل الإنسان، والأتيكيت والأزياء والأدوية البديلة والمستشفيات. فكل هذه وصلتنا من هذه المدنية العظيمة. وكان الإسلام في القرون الوسطى معروفاً بالحلم والتسامح عندما كان يسمح لليهود والمسيحيين بممارسة شعائرهم الدينية، واضعاً ذلك يسمح لليهود والمسيحيين بممارسة شعائرهم الدينية، واضعاً ذلك مثالاً، لم يتعلمه الغرب لسوء الحظ لعدة قرون. إن الأمر العجب هو وجود الإسلام في أوربا كجزء منها منذ أمد طويل، أولاً في اسبانيا ثم في البلقان، وكذلك مساهمته في حضارتنا التي كثيراً ما نعتقد خطأً بأنها حضارة غربية كلياً.
إن الإسلام جزء من ماضينا وحاضرنا في جميع ميادين الجهد البشري. لقد ساعد الإسلام على تكوين أوربا المعاصرة فهو جزء من تراثنا، وليس شيئاً مستقلاً بعيداً عنا)