حركة الإعلام وخصوصا الفضائيات الإخبارية أصبحت في حياة الإنسان المعاصر وكأنها جزء لا يتجزء من كيانه الذاتي ، والرسالة التي تبرر بها تلك الفضائيات نشر الأخبار وعرض الأحداث بشكل مباشر رغم التناقضات في نقل الخبر هو انها تنقل الحقيقة من ارض الواقع كما هي دون رتوش ، بل وتتبارى تلك الفضائيات في الجهر بهذه الحقيقة تحت شعار ( ناقل الكفر ليس بكافر ) ناسية او متناسية ان دور الصحافة والإعلام ينبغي لا يقتصر على النقل الآلي بل لابد من ان يكون فيه لمسة إنسانية داعية إلى الخير العام والإصلاح الشامل دونما تحيز وما أسهل الوسطية لمن كان لها مريد ..
لا بأس ان ينقل الرأي والرأي الآخر بل وحتى الآراء الأخرى ولكن ينبغي ان يعقبها لغة التواصل وعبارات التقارب التي تؤثر في أفكار المستمعين تدريجيا لخلق وعي ثقافي منفتح على الجميع .
في مأساة تفجير مرقدي الإمامين الجليلين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام وجهت العبارات نحو تأصيل التمايز العقدي بين المسلمين وذلك كقولهم : تفجير مراقد ائمة الشيعة او الإمامين الشيعيين او ما إلى ذلك .. بحجة انها نقل لما موجود على ارض الواقع وهو نقل حي لما هو متداول على الألسن ..
ان اقل ما يوصف به هذا النقل هو اللاموضوعية ان لم يكن اصطيادا في المياه العكرة وغايته المساعدة على تصعيد الأحداث بغية جذب الانتباه والشهرة الإعلامية ليس الا ..
واذا كنا نتفق مع من يقول بان الامور تؤخذ بمسمياتها فإن التلاعب في الألفاظ او نقل هذا التلاعب يناقض شعار الشفافية التي يتشدق به الكثيرين سوف يلتبس بشعار الانتهازية ويصبحا وجهان لعملة واحدة حتى لا تكاد تفرق بينهما الا في اللفظ .
لم يكن الإسلام سنيا او شيعيا ولم يكن رسول الله سنيا ولا شيعيا ولم يكن القرآن الكريم سنيا ولا شيعيا ولم يكونوا أئمة آل البيت سنه ولا شيعة ، فهذه التسميات ظهرت فيما بعد لتعبر عن مناهج الأتباع ومذاهبهم في التمسك بفروع الدين ، فاذا أحبت طائفة ان تتمسك بمنهج معين وأطلقت على نفسها تسمية اهل السنة والجماعة فهذا لا يعني ان الإسلام ورسوله سنيا ، واذا كانت طائفة اخرى تمسكت بمنهج ركّز على التمسك بمحبة آل بيت النبي صلوات الله عليهم واصطلحوا على أنفسهم تسمية ( الشيعة ) فهذا لا يعني ان الآل شيعة .. انها تسميات الأتباع على أنفسهم وليست على المتبوعين ، فاي شيعي لا يتبع سنة رسول الله واي سني لا يحب آل بيت النبي عليهم السلام الا ما شذ من الفريقين ؟
اذا كان الإعلام الغربي لا يتردد في التمسك بالثوابت العلمانية التي تعد كخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها كحقوق الإنسان وأصول الديمقراطية وغيرها فلا اقل من يقلدهم إعلامنا العربي وان يحاول ان لا يقطع صلته بالثوابت الأصيلة في تاريخه العربي والإسلامي تلك الثوابت المتمثلة بعدم تبني او نقل العبارات التي تؤجج التطرف الطائفي وتسارع في شق وحدة الأمة اكثر مما هي عليه الآن ، واذا كان لا بد من الحوار مع اصحاب الرأي والرأي المعارض فلا بد ايضا من الحوار مع اصحاب الرأي الجامع او المعتدل سواء اكانوا مصلحين اجتماعيين او صوفية او غيرهم فهذا اقرب للواقعية وللموضوعية في رأينا .