للنفس حالات مختلفة حسب صفاتها ودرجاتها وهي سبع حالات على اعتبار صفاتها يمر بها السالك ويرحل عنها خلال سيره الى الله سبحانه وتعالى :
النفس الامارة بالسوء
وهي النفس ذات الحجب الظلمانية وبينها القران الكريم على انها تامر بالسوء ولا تامر صاحبها بفعل الخير مطلقا قال تعالى : (وما ابريء نفسي ان النفــس لامــارة بالـسوء)(1) . وقال محمد بن علي السنوسي عن النفس الامارة بالسوء : ( وهي صاحبة الجهل والبخل والحرص والكبر والغضب والشهوة والحسد وسوء الخلق والخوض فيما لا يعني من الكلام وغيره والاستهزاء والبغض والايذاء باليد واللسان لان هذه النفس هي المشار اليها بالخسران ، ويمكن التخلص من هذه الافات بالذكر الكثير القوي وتقليل الطعام او المنام فان ذلك يضيق مسالك الشيطان وظهور حقيقة الايمان )(2) .
النفس اللؤامة
وهذه النفس من صفاتها اللوم والفكر والعجب والاعتراض على الخلق والرياء الخفي وحب الشهوة والرياسة ولقد سماها الله سبحانه وتعالى باللوامة لانها تقلب صاحبها في اكثر احوالها وتفعل ما يخالف امر الله الا انها رغم هذا ترجع باللوم على ما وقع ، قال تعالى : (لا اقسم بيوم القيامة . ولا اقسم بالنفس اللوامة)(3).
وقال السنوسي عنها( وهي التي لها رغبة في المجاهدة وموافقة الشرع ولها اعمال صالحة من قيام وصيام وصدقة وغير ذلك من افعال البر لكن يدخل عليها العجب وكذا الرياء الخفي بان يحب صاحبها ان يطلع الناس على ما هوعليــه من الاعمال الصــالحة ) (4). فعلى المريد الجد والاجتهاد لا ستخراج ما بقي فيه من اثار النفس الامارة بالمجاهد .
النفس الملهمة
وهي النفس التي جاهدت حتى مالت الى عالم القدس فاصبحت مستنيرة بحيث الهمها الله تعالى : ( ونفس وما سواها . فالهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها . وقد خاب من دساها )(5)، وصفات هذه النفس السخاوة والقناعة والعلم والتواضع والبصر والتحلم وتحمل الاذى والعفو عن الناس وحملهم على الصلاح وقبول عذرهم وشهود بان الله اخذ بناصية كل دابة فلم يبق له اعتراض على مخلوق اصلا ومن صفاتها ايضا اشوق والهيمان والبكاء والقلق والاعراض عن الخلق والاشتغال بالحق وحب الذكر وبشاشة الوجه والفرح بالله )(6).
النفس المطمئنة
قال تعالى : (يا ايتها النفس المطمئنة).
قال الامام القشيري في تفسيره عن النفس المطمئنة : الروح المطمئنة الى النفس ، ويقال المطمئنة بالمعرفة ، ويقال المطمئنة بذكر الله ، ، ويقال المطمئنة بالبشارة بالجنة ، وقيل النفس المطمئنة هي الروح الساكنة ، وصفات هذه النفس الجود والتوكل والحلم والعبادة والشكر والرضا بالقضاء والصبر على البلاء ، ومن علامات دخول السالك في هذه المقام التلذذ بالتخلق باخلاق الرسول ﷺ ولا يطمئن الا باتباع قوله ، والحجب في هذا المقام حب الكرامات والاجتهاد . في طلبها ، فليعلم السالكون ان كل ما سوى الله تعالى فتنة فلا يقف السالك عنده ولا يفكر بسوى الله : ( وان الى ربكم المنتهي)(7).
(واعلم ان نفس الكرامة ليست شيئا قبيحا لانها اكرام من الله تعالى لعبده ولكن طلبها والميل اليها شيئ قبيح قاطع عن حضرة القرب الاليهة التي لا تنال الا بالعبودية المودع فيها اسرار الربوبية )(8)، وفي هذا المقام تعرض للسالك نفسة حب الرئاسة والشهرة وتقليد امور المشيخة والارشاد فليحذر لان ذلك من دسائس هذه النفس واذا ما اقامة الله في هذا المقام واشهره والبسه ثوب المشيخة من غير سعي ولا طلب فعليه ان يقوم بامر الله .
النفس الراضية
وهي النفس التي ترضى بكل ما يقع في الكون ، راضية بقضاء الله قال تعالى : (يا ايتها النفس المطمئنة . ارجعي الى ربك راضية مرضية)(9) . قال ابن عربي في تفسير هذه الاية (ارجعي الى ربك ) : في حال الرضا اذا تم لها كمال الصفات فلا تسكني اليه وارجعي الى الذات في حال الرضا الذي هو كمال المقام والرضا من الله لا يكون الا بـعد رضـا الله عنه كمـا قـال تعـالى : (رضـي الله عـنهم ورضـوا عنـه)(10).
وقال عنها محمد بن علي السنوسي ( وهي صاحبة الفناء الثاني الذي هو محو الصفات البشرية من غير ان يعقبه البقاء في الحال )(11)
وصفات هذه النفس الزهد فيما سوى الله تعالى والاخلاص والورع والنسيان والرضا بكل ما يقع في الوجود من غير اختلاج ولا توجه لرفع المكره منه ولا اعتراض اصلا لانه مستغرق في شهود الجمال المطلق وقلبه مشغول بعالم اللاهوت وسر السر )(12) .
النفس المرضية
سميت هذه النفس مرضية لانها بعنايات الله مرعية قال تعالى : (يا ايها النفس المطمئنة . ارجعــي الى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي وادخلــني جنــتي)(13) . وصفات هذه النفس ، حسن الخلق وترك ما سوى الله تعالى واللطف بالخلق والصفح عن ذنوبهم وحبهم والتقرب الى الله . ( وسميت بالمرضية لان الحق تعالى قد رضي عنها ، فاخذت ما تحتاج اليه من العلوم من حضرة الحي القيوم ورجعت من عالم الغيب الى عالم الشهادة باذن الله تعالى لتفيد الخلق مما انعم الله به عليهما )(14). ومن صفات السالك وهو في هذا المقام الوفاء بما وعد فلا يخلف وعده اصلا ويضع كل شيئ في موضعه فينفق الكثير اذا صادف محله حتى يظن الجهول انه اسرف ويبخل بالقليل اذا لم يصادف محله حتى اذا راه الجاهل قال هذا بخيل وهذه احوال الكاملين من ارباب القلوب )(15).
النفس الكاملة
وهي النفس التي لا ترضي بالوقوف عند مقام من المقامات السابقة وانما هدفها كما قال تعالى : (وان الى ربك المنتهى)(16).
(وصاحب هذا المقام لا يفتر عن العبادة وذلك اما بجميع البدن او باللسان او بالقلب وهو كثير الاستغفار كثير التواضع سروره ورضاه في توجه الخلق الى الحق وحبه للحق اكثر من محبة ولده الذي من صلبه وهو كثير الاوجاع قليل الحركة ليس في قلبه كراهية لمخلوق من المخلوقات مع انه يامر بالمعروف وينهي عن المنكر ويظهر الكراهية لمستحقيا ويظهر المحبه لمن هو اهل لها لا تاخذه في الله لومة لائم ويضع كل شيئ في محله يرضى في عين الغضب ويغضب في عين الرضا اوجده الله تعالى وفق مراده وذلك لان مراده الله فاذا اراد شيئا وطلبه من الله تعالى لا يخيبه)(17).
الهوامش:
1– يوسف : 53 .
2 – محمد بن علي السنوسي – المسالك العشر .
3- القيامة : 2-1 .
4- محمد بن علي السنوسي – المسالك العسر .
5- الشمس : 7 ، 8 ، 9 ، 10 .
6- احمد الجنيدي الشافعي – رسالة السير والسلوك .
7- النجم : 42.
8- محمد هشام – مدراج السالكي – ص 159 .
9- الفجر : 27،28 .
10- محمد هشام – مدراج السالكين عند الصوفية ،ص162.
11- المالك العشر .
12- احمد الجنيدي – السير والسلوك الى الله .
13- الفجر : 27 – 8 – 29 – 30 .
14- مدراج السالكين- ،ص165.
15- المصدر نفسه .
16- النجم:42 .
17- مدارج السالكين- ص68.
المصدر :
السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني – كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية – ص109-114 .