كان الرسول عظيماً في رسالته وعظيماً في جهاده وعظيماً في معجزاته التي بهرت عقول الفصحاء وأعجزت فطاحل العرب عن مجابهة القرآن الكريم والإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .
ما أعظم الرسول وما أعظم خلقه وأخلاقه . وما جاءت معجزاته إلا لتكون مماثلة لعظمة رسالته وعظمة خلقه الذي قال الله تبارك وتعالى في حقه : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم -4) .
أيُّ عظيم يبلغ عظمة الرسولﷺ , عظمة من وصفه الله في كتابه العزيز وصَنَعَهُ لنفسه وقرنَ اسمه باسمه فهو نبي الإسراء والمعراج وقائد الغرّ المحجلين والإمام الاتقى وعلةِ الوجود الأعلى .
وإذا كان لابد من ذكر بعضٍ من معجزاته لتبصير من غفل عن حقيقته فنختار منها ما يأتي :
– قال ابن اسحق : أُصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته , قال ابن اسحق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله ردها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدهما .
– ذكر الزبير قال أن عبد الله بن جحش انقطع سيفه يوم أحد فأعطاه رسول الله عُرجونَ نخلة فصار في يده سيفاً وكان يسمى العُرجون .
– وعن عاصم بن أبي النجود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم قال : كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط فمرَّ بي رسول الله وقال لي : ( يا غلام هل من لبن ) , فقلت : نعم ولكني مؤتمن قال : ( فهل من شاة حائل لم يَنْزُ عليها الفحل ؟) قال فأتيته بشاةٍ حائل فمسحَ ضرعها فنزل اللبن فحلبَهُ في إناء وشرب وسقى أبا بكر ثم قال للضرع : ( أُقلُصْ ) فقلَص .
– قال ابن اسحق كان من حديث الأسود الراعي انه أتى رسول الله وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم له كان فيها أجيراً لرجلٍ من اليهود فقال يا رسول الله أعرض عليَّ الإسلام فعرضهُ عليه فاسلم فلما اسلم قال يا رسول الله أني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم فكيف اصنع بها قال رسول الله : (اضرب في وجوهها فأنها سترجع إلى ربها ), فأخذ الأسود حَفنةً من الحصى فرمى بها في وجوهها وقال : ارجعي إلى صاحبك فو الله لا أصحبك أبداً فخرجت الغنم مجتمعةً كأن سائقاً يسوقها حتى دخلت الحصن .
– وقال ابن اسحق حدثني عاصم بن عمر بن قُتادة قال : كان فينا رجلٌ غريب لا يدري من هو يقال له قُزمان وكان رسول الله إذا ذُكِرَ له يقول : (إنه لَمِن أهل النار ) , فلما كان يوم أحد قاتل مع المسلمين قتالاً شديداً فَقَتَلَ وحده ثمانيةً أو سبعةً من المشركين وكان ذا بأس فأثخنتهُ الجراح فاَحُتمِلَ إلى دار بني ظفر ثم أثنى عليه نفر من الصحابة عند رسول الله وذكروه بخير فقال رسول الله : (إنه لمن أهل النار) فاخذ الصحابة يعجبون من ذلك حتى كاد يساورهم ريبٌ في ذلك فذهب جماعة من المسلمين إلى قُزمان يقولون له لقد والله أبليتَ اليوم يا قُزمان فأبشر فقال بماذا أبشر ؟ فو الله ما قاتلت إلا عن أحساب قومي ولولا ذلك ما قاتلت قال : فلما اشتدت عليه جراحاته أخذ سهماً من كنانتهِ فَقتلَ به نفسه فعاد الصحابة إلى رسول الله يقولون نشهد انك لرسول الله ذكروا له أمر قزمان فقال : ( إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر ).
– وقال ابن اسحق أن ابنةً لبشير ابن سعد أُختَ النعمان بن بشير قالت دعتني أُمي عَمرةُ بنت رواحة فأعطتني حفنةً من تمر في ثوبي ثم قالت أي بُنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائِهما قالت فأخذتها فانطلقتُ بها فمررتُ على رسول الله وأنا التمسُ أبي وخالي فقال : ( تعالي يا بُنية ما هذا معكِ )قالت : فقلتُ يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أُمي إلى أبي وخالي فقال : ( هاتيِه ) قالت : فَصببتهُ في كفي رسول الله فما ملأَتُهما ثم أمر بثوب فَبُسطَ له ثم دحا بالتمر عليه فتبددَ فوق الثوب ثم قال لرجل عنده : ( نادِ في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء ) قالت : فاجتمع عليه القوم فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صَدُرَ أهل الخندق عنه وإنه لَيسقُطَ من أطراف الثوب .
– قال الإمام البخاري حدثني محمد بن بشار , حدثني يحيى بن سعيد عن قتادة أن انس بن مالك t حدثهم أن النبي صعد على جبل ُحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجَفَ بهم فقال رسول الله ﷺ : ( اثبت يا أُحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) .
– قال الإمام البخاري حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا حُصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله عنهما قال : عطِش الناس يوم الحديبية والنبي بين يديه رَكوة فتوضأ فجَهِشَ الناسُ نحوَهُ فقال : ] مالكم ؟[ قالوا : ليس عندنا ما نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك ! قال جابر فوضع النبي يدهُ في الركوة فجعل الماءُ يثور بين أصابعه كأمثالِ العيون فشربنا وتوضأنا , قال سالم قلت لجابر كم كنتم ؟ قال كنا خمس عشرة ومائة ولو كنا مائة ألف لكفانا .
– كان رسول الله يزور أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ويسميها الشهيدة وحين غزا بدراً قالت له ائذن لي أن أخرج معكم فأُداوي جرحاكم لعل الله يهدي إلي الشهادة فقال لها رسول اللهﷺ : ( إن الله يهديك الشهادةَ وقُرّي في بيتكِ فأنك شهيدة ) , وكان النبي قد أمرها أن تؤمَّ أهل دارها وكان لها مؤذن فكانت تؤمُ أهل دارها حتى غمها غلامٌ لها وجارية وكانت قد أوصت بأن يعتقها بعد وفاتها فقتلاها في خلافة عمر بن الخطاب فبلغ ذلك عمر فأمر بطلبهما فأُدركا فأُتيَ بهما فصُلبا وكانا أول مصلوبين بالمدينة وقال عمر صدق رسول الله حين كان يقول : (انطلقوا نزر الشهيدة ) .
– وأخرج الإمام البخاري عن جابر بن عبد الله إن امرأةً من الأنصار قالت لرسول الله إلا اجعل لك شيئاً تَقعُد عليه فأن لي غلاماً نجاراً قال إن شئت قال فَعلمتُ له المنبر فلما كان يوم الجمعة قَعدَ النبي على المنبر الذي صُنع فصاحت لنخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق فنزل النبي فضمها إليه فجعلت تئن ُ أنين الصبيُ الذي يُسكت .
– قال ابن اسحق : أن رسول الله لما سار إلى تبوك حتى إذا كان ببعض الطريق , ضَلت ناقَتُه , فخرج أصحابه في طلبها وعند رسول الله رجل من أصحابه يُقال له عمارة بن حزم وكان عَقَبياً بدرياً وهو عَمُ بني عمرو بن حزم وكان في رحله زيدُ بن اللصيت القينقاعي وكان منافقاً فقال زيد المنافق وهو في رحل عمارة وعمارة عند رسول الله : أليس محمد يزعم أنه نبي , ويخبركم عن خبر السماء , وهو لا يدري أين ناقته ؟ فقال رسول الله وعمارة عنده : ( إن رجلاً قال : هذا محمد يخبركم أنه نبي , ويزعُمُ أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته ؟ وإني والله ما اعلم إلا ما علمني الله . وقد دلني الله عليها , وهي في هذه الوادي , في شِعب كذا وكذا , قد حبستها شجرة بزِمامها, فانطلقوا حتى تأتوني بها ) , فذهبوا فجاءوا بها . فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال : والله لعجبُ من شيء حدثناه رسول الله آنفاً عن مقالةُ قائلٍ , اخبره الله عنه بكذا وكذا , للذي قاله زيد بن اللصيت . فقال رجل ممن كان في رحل عماره ولم يحضر رسول الله زيدٌ والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي فاقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ( يطعنه ) ويقول : إلي عباد الله , إن في رحلي لداهية وما أشعُر , أخرج أي عدو الله من رحلي فلا تصحبني .
– قال ابن اسحق : قدم على رسول الله وفد بني عامر , فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس اخو لبيد بن ربيعة الشاعر لأمه وجبار بن سلمى وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم , فقدم عامر بن الطفيل عدو الله على رسول الله وهو يريد الغدر به وقد قال له قومه : يا عامر إن الناس قد اسلموا فأسلِم . قال : والله لقد كنت آليتُ أن لا انتهي حتى تتبع العرب عقبي أفأنا اتبع عقب هذا الفتى من قريش ؟ ثم قال لأربد إذا قدمنا على الرجل فأني سأشغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فَأضرِبهُ بالسيف . فلما قَدِموا على الله قال عامر بن الطفيل : يا محمد خالِني ( يعني أخرج لي خالياً حتى أتحدث معك ) فقال رسول اللهﷺ : ( لا والله حتى تؤمن وحدهُ ) . وقالها ثلاثُ مرات وكان النبي يُجيبهُ بنفس الجواب , فقال عامر أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً . فلما ولى رسول اللهﷺ : ( اللهم اكفني عامر بن الطفيل ( . فلما خرجوا من عند رسول الله قال عامر لأربد : ويلك يا اربد أين ما أمرتك به ؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو اهوف عندي على نفسي منك وأيمُ الله لا أخافك بعد اليوم . قال اربد لا ابالك لا تعجل عليّ والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف ؟ وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله سبحانه الطاعون في عنق عامر بن الطفيل فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول , قال بن اسحق : ثم خرج أصحابه حين واروه حتى قدموا قومهم شاتين ( في الشتاء ) , فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا : ما وراءك يا اربد ؟ قال : لا شيء والله دعانا إلى عبادة شيء , لوددت انه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله , فخرج اربد بعد مقالته بيوم أو بيومين ومعه جمل له يبيعه فأرسل الله تعالى عليه وعلى الجمل صاعقة من السماء فأحرقتهما …
– قال الإمام أحمد عن عبد الله بن جعفر قال دخل رسول الله بستاناً للأنصار ذات يوم فإذا جَملٌ قد أتاه فجرجرَ وذرفت عيناه ولما رأى رسول الله ذلك حنَّ له ومَسحَ سرآتهُ وذفراه فسكن فقال : ( من صاحب الجمل ؟ ) فجاء فتىً من الأنصار فقال : هو لي يا رسول الله , فقال رسول اللهﷺ : ( أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله ؟ إنه شكي إلي قلة الطعام وكثرة العمل) .
– قال الحافظ أبو يعلي : حدثنا شيبان , حدثنا محمد بن زيادة البرجمي عن أبي طلال عن انس عن أمه قال : كانت لنا شاة فجمعت من سمنها في عُكةٍ فملأت العُكة ثم بعثت بها مع ربيبة فقالت : يا ربيبة ابلغي هذه العُكة رسول الله يأتدم بها فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله فقالت : يا رسول الله هذه عُكة سمن بعثت بها أليك أم سليم : فقال : ( أفرغوا لها عُكتها ). ففرغت العُكة , فَدفَعت إليها فانطلقت بها وجاءت وأُم سليم ليست في البيت فعلّقت العُكة على وتد فجاءت أم سليم فرأت العُكة ممتلئة تقطر . فقالت أم سليم يا ربيبةُ , أليس أمرتُكِ أن تنطلقي بها إلى رسول الله ؟ فقالت : قد فعلت : فأن لم تصدقيني فانطلقي فَسلي رسول الله فانطلقت ومعها ربيبة , فقالت : يا رسول الله إني قد بعثت معها إليك بعُكة فيها سمن قال : ( قد فعلت , قد جاءت ) . قالت : والذي بعثك بالحق ودين الحق إنها لممتلئةٌ تَقطرُ سَمناً . قال : فقال لها رسول اللهﷺ : ( يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أُطعِمَ نبيه ؟ كُلْي وأطعمي ) .
– روى الإمام البخاري : عن عبد الله بن مسعود قال : أنشق القمر على عهد رسول الله شقتين فقال النبي : ( أشهدوا ) .
وعن انس بن مالك t أنه حدثهم : أن أهل مكة سألوا رسول الله أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر .
عن ابن عباس أن القمر أنشق في زمان النبي , واسلم اثر ذلك خلق كثير .
– أخرج أبو نعيم الاصبهاني من حديث لهشام بن حبان عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة زوج النبي قالت : بينما رسول الله في حجر من الأرض إذا هاتف يهتف يا رسول الله , قال رسول
الله : ( فألتفتُ فَلم أر أحداً قال فمشيتُ غير بعيد فإذا الهاتفُ يا رسول الله , يا رسول الله .
قال : فألتفتُ فلَم أر أحداً , وإذا الهاتفُ يَهتفُ بي فأتبعتُ الصوت وهجمت على ظبيةٍ مشدودة في وثاق , وإذا أعرابي مُجندلٌ في شملة نائم في الشمس .
فقالت : الظبية يا رسول الله إن هذا الأعرابي صادني قبلُ ولي خِشفانٌ في هذا الجبل , فأن رأيت أن تطلقني حتى ارضعهما ثم أعود إلى وثاقي ؟
قال : وتفعلين ؟
قالت : عذبني الله عذاب العِشار إن لم افعل ) فأطلقها رسول الله فمضت فأرضعت الخشفين وجاءت .
قال : فبينما رسول الله يوثقها إذ انتبه الأعرابي فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول إني أصبتها قبيلاً فلك فيها حاجةٌ ؟
قال : ( نعم )
قال : هي لك فأطلقها رسول الله فخرجت تعدو في الصحراء فرحاً تضرب برجليها الأرض وتقول : اشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمد رسول الله .
المصدر:السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني – كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية-ص 25 -31 .