في اللغة
« أَنَسَ الرجل بالشيء وإليه : سكن إليه وذهبت به وحشته .
تآنس القوم : آنس بعضهم بعضاً »(1) .
« الأنس : ضد الوحشة ، وقيل : ارتفاع الحشمة مع وجود الهيبة ، ويطلق الأنس عند الصوفية على انس خاص وهو الأنس بالله ، أي التذاذ الروح بكمال الجمال »(2) .
في القرآن الكريم
وردت في القرآن الكريم ضمن لفظة ( آنس ) في ست آيات ، منها قوله تعالى : ( فَلَمّا قَضى موسى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثوا إِنّي آنَسْتُ ناراً لَعَلّي آتيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أو جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلونَ )(3) .
في الاصطلاح الصوفي
الشيخ السري السقطي يقول : « الأنس : التذاذ الروح بكمال الجمال »(4) .
الشيخ الجنيد البغدادي يقول : « الأنس : ارتفاع الحشمة مع وجود الهيبة »(5) .
الشيخ أبو بكر الشبلي يقول : « الأنس : وحشتك منك ومن نفسك ومن الكون ، والأنس بالله يقتضي الاطمئنانية (6) »(7) .
في اصطلاح الكسنـزان
نقول : الأنس : هو سرور القلب بإشراق الفيض النوراني الكاشف لجمال الحبيب من غير استشعار رقيب الذي يغمر قلوب الواقفين على عتبة الحق ، وهذه الحالة توجب انتعاش المحب وفرحه بطيب عيشه وصفاء وقته ، فهو بما فيه من البهجة والطرب الروحاني يخيل له ان جميع الكائنات تشاركه في صفاء وقته وطيب حاله .
وقد انقسمت آراء المشايخ في علامات هذا الحال وثبوته على قسمين هما :
الأول : ذهبوا إلى وجود علاقة جدلية بين الأنس بالحق والأنس بالخلق ، حيث رأوا أنه بقدر ما يخلو القلب من الأنس بالناس ويستوحش منهم يدخل فيه الأنس بالله ، فهما ضدان يقسمان القلب يتجاوران ويتداخلان بشكل جدلي . الثاني : ذهبوا إلى عدم وجود هذه العلاقة أصلاً ، فإن من ينال الأنس بالله لا يفقده أبداً في أي حال من الأحوال حيث يصبح متحققاً به في العزلة والملأ ، فلا يذهب أنسه بالله أُنسَهُ بالخلق لرؤيته جمال الله تعالى في كل شيء .
فآراء كلا القسمين صحيحة ولا تناقض بينها ؛ وذلك لأن كل رأي عبّر عن مرحلة من مراحل السلوك والتقرب إلى الله وفي كل مرحلة يأخذ الأنس أَحكاماً خاصة . وهي كما يأتي : مرحلة الابتداء والسلوك : ويكون الأنس فيها متعلق بالأفعال والصفات الإلهية وليس الذات ، وهذا يستلزم الوحشة من الخلق . وفي هذه المرحلة قد يحول الإحساس بالأنس بتحول الأفعال والصفات ، وهذه المرحلة تدخل في الفرق الأول . مرحلة الوصول والانتهاء : يكون الأنس فيها متعلق بالذات ، وهذا الأنس يثبت بثبوت الذات ، ولكنه في نفس الوقت مصحوب بالوحشة الكاملة مما سوى الله وهذا يحدث في مرحلة الجمع .مرحلة التحقيق والكمال : يكون الأنس فيها متعلق بالله تعالى ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً ، وصاحب هذا الأنس هو الذي يستوي عنده الخلوة والملأ ، والغربة والوطن ، فلا يجد وحشة مع محبوبه إذ يشاهده في جميع الكائنات فيرى الوجود كله مواضع آثاره ، ومعالم أخياره ، ومواقع أنواره ، ومعادن أسراره ، وهذه المرحلة تحدث في الفرق الثاني ، أي : الرجوع بالحق إلى الخلق ومن جهة أخرى يرى مشايخنا الكسنـزانية ( قدس الله أسرارهم ) : أن أنس المريد يكون بشيخه أولاً ؛ لأن (الأنس بأهل ولاية الله هو أنس بالله ) ، فإن تحقق أنسه بالشيخ كاملاً ( أي تحقق بمراحل الأنس الثلاثة ) انتقل هذا الأنس وتحول إلى حضرة الرسول الأعظم وبعدها ينتقل إلى الأنس بالله تماماً كالفناء .
الهوامش :
[1] – المعجم العربي الأساسي – ص 113 .
[2] – بطرس البستاني – محيط المحيط – ص19 .
[3] – القصص : 29 .
[4] – الشيخ عمر السهروردي – عوارف المعارف ( ملحق بكتاب إحياء علوم الدين للغزالي – ج5 ) ص245 . [5] – الشيخ أبو بكر الكلاباذي – التعرف لمذهب أهل التصوف – ص106 .
[6] – ورد في الأصل الاطمأنينة .
[7] – الشيخ السراج الطوسي – اللمع في التصوف – ص66 .
المصدر :السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني – موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه اهل التصوف والعرفان – ج2 – مادة (ا ن س) .