إن من أهم الأركان التي بنيت عليها الطرق الصوفية هو الذكر الكثير المستنبط من الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، وإقامة الحلقات الخاصة به ، وقد جعلت طريقتنا الكسنـزانية الأذكار شغل المريد الذي به يترقى وينال منازل المقربين والأبرار . ولأهمية الذكر في الطريقة كتبت عنه الكثير من البحوث والدراسات التي توضح أنواعه من جهري وخفي ، ومفرد وجماعي ، وما إلى ذلك ، و صنفت كتب عن آدابه وكل ما يتعلق به . وفي هذا البحث نود أن نسلط الضوء على أحد جوانب الذكر الذي لم يفرد له بحث مستقل على حد علمنا وهو ( الحركة في الذكر ) ، راجين أن تكون هذه الدراسة اللبنة الأولى لدراسة أعمق في قابل الأيام بما يكشف النقاب عن حقائق هذا الجانب من الذكر وإقامته في الطريقة .
أولاً : الإشارات القرآنية والنبوية المطهرة إلى الحركة في الذكرالإشارة القرآنية إلى جواز الحركة في الذكر
ورد في القرآن الكريم الإشارة إلى جواز الحركة في الذكر وذلك في قوله تعالى : الَّذينَ يَذْكُرونَ اللَّهَ قياماً وَقُعوداً وَعَلى جُنوبِهِمْ(1) .
فهذا النص القرآني الكريم يدل على جواز ذكر الله تعالى في حال القيام والقعود وعلى الجنب ، كما ويشير إلى جواز أداء الذكر مقروناً بهذه الأنواع الثلاث من الحركات على التتابع ، أي يذكر قائماً ثم قاعداً ثم على جنبه .
وقال الله تعالى :أو لَمْ يَرَوْا إلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمينِ والشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرونَ (2) .
قال ابن كثير في تفسيره : « يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء ، ودانت له المخلوقات بأسرها ، جمادها وحيواناتها ، ومكلفيها من الإنس والجن والملائكة ، فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال ، أي بكرة وعشياً ، فإنه ساجد بظله لله تعالى »(3) .
فهذه الآية الكريمة تشير إلى الحركة : عَنِ الْيَمينِ والشَّمائِلِ ، وتصفها بأنها نوع من أنواع السجود لله تعالى والخضوع له سبحانه .
الإشارة النبوية إلى جواز الحركة في الذكر :
الحركة في الذكر جائزة بدليل ما أخرجه الإمام أحمد في سنده والحافظ المقدسي برجال الصحيح من حديث أنس قال : كان أهل الحبشة يرقصون بين يدي رسول الله ، ويقولون بكلام لهم : ( محمد عبد صالح ) .
فقال : ماذا يقولون ؟ .
فقيل : إنهم يقولون : ( محمد عبد صالح ) .
فلما رآهم في تلك الحالة لم ينكر عليهم وأقرهم على ذلك . والمعلوم أن الأحكام الشرعية تؤخذ من قوله وفعله وتقريره ، وأن الاهتزاز بالذكر جائز ، ولا يسمى رقصاً ، لأنه ينشط الجسم للذكر ويساعد على حضور القلب مع الله تعالى .
لنستمع إلى قول الإمام علي كيف يصف أصحاب رسول الله . قال أبو أراكه : صليت مع الإمام علي صلاة الفجر ، فلما أنفتل عن يمينه مكث كأن عليه كآبة حتى كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح ، صلى ركعتين ثم قلب يده ، فقال : والله لقد رأيت أصحاب النبي فما أرى اليوم شيئاً يشبههم ، لقد كانوا يصبحون صفراً شعثاً غبراً بين أيديهم كأمثال رُكب المعزى قد باتوا لله سجداً وقياماً ، فذكروا الله ومادوا كما يميد الشجر في يوم الريح ، وهملت أعينهم حتى تبتل والله ثيابهم . فقول الإمام علي : مادوا ، أي تحركوا ، كما يميد الشجر في يوم الريح ، صريح العبارة في الاهتزاز ويبطل قول من يظنه بدعة محرمة ويثبت إباحة الحركة في الذكر .
يقول الشيخ جمال الدين عبد الله بن حسام الدين أسد اباذي : « وهذا صريح على أن الصحابة y كانوا يتحركون في الذكر حركة شديدة يميناً وشمالاً ، لأنه شبه حركتهم بحركة الشجر يوم الريح ، ومن المعلوم أن الشجر في يوم الريح يتحرك حركة شديدة ، فثبت مطلقاً إباحة الميلان بهذا الأثر »(4).
إشارة مشايخ الصوفية إلى جواز الحركة في الذكر
يقول الشيخ أبو علي الدقاق : « الحركة بركة ، حركات الظواهر توجب بركات السرائر »(5).
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن ابي بكر القادري : « أشار بعض العلماء إلى أن الحكمة في رفع اليدين في التكبير من الصلاة : إشارة إلى التبري مما سوى الله تعالى وإلقائه وراء ظهره .
فان قيل : هذا الرفع مأثور ، وحركة الذكر غير مأثورة .
قيل : ما كل ما لم يرد فيه نص مردود على فاعله البتة ، وإنما ما لم يرد فيه نص ووافق أصول الشريعة قبلناه ، لكن هذا فيه نص وقد سلف من حديث علي »(6) .
ويقول : قال والدي ( قدس الله تعالى روحه ) : ولم يرد عنه نهي عن الحركة في الذكر ، ولو كان فيها كراهة لبينها لأمته فيما ورد عنه …
ويقول أيضاً : « أما الاهتزاز في حالة الذكر فمندوب إليه »(7) .
ثانياً : أهمية وفوائد الحركة في الذكر
- الحركة من أسباب الحضور .
قال الشيخ أبو بكر الحنبلي ( رحمه الله ) : « أما الوقف [الوقوف] في الذكر والحركة فيه ، فهو من أسباب الحضور »(8) .
- لطرد الوساوس والخطرات ، وجمعية الهم على الله تعالى .
قال بعض السلف : العزم في الحركة شغل الذاكر عن غيره من الخواطر الرديئة لما فيه من اشتغال القلب واللسان والبدن لا سيما الطالب الذي تعتريه الخواطر وتشوش عليه الواردات النفسانية وتقسم فكره ، فإن هذه الحالة دواء لدائه ، وشفاء لسقمه لما فيها من التسبب إلى جمعيته على الذكر قهراً ، ولو لم يكن في هذا الفعل إلا جعله وسيلة إلى الجمعية على الله لكان كافياً . وفي الحركة أيضاً استلزام للذاكر النفي والإثبات قولاً وفعلاً .
- للمساعدة على تمييز الصفات الحميدة من الصفات الذميمة في نفس المريد
قال الشيخ جمال الدين عبد الله البسطامي : ( اعلم أن للمشايخ في اختيار الحركة في الذكر بالنفي والإثبات إشارات ورموز ومعاني لا يفهمها إلا أهل الذوق ، والموضع لا يحتمل بيانها ، وسنضرب لك مثلاً تفهم منه على قدر استعدادك :
اعلم أن مثل النفس مع الجسد مثل الزبد مع اللبن ، فكما أن كل ذرة من ذرات اللبن لا تخلو عن الزبد ، فكل عضو من أعضاء الجسد لا يخلو عن النفس .
أو نقول : مَثل القلب مع النفس مَثل الزبد مع اللبن ، يعني كل صفة من الصفات المذمومة النفسية حالّة بصفة من الصفات المحمودة القلبية .
وفي شرح هذا كلام كثير ، فالمرأة الفلاحة إذا أرادت ان تخرج الزبد من اللبن وتصفيه منه تعمل اللبن في الجرة أو القربة وتعلقها وتحركها حركة شديدة زماناً طويلاً حتى يصفو اللبن ويتميز الزبد عن المخيض ، فكذلك المريد الطالب الذاكر في ابتداء أمره يحتاج في تمييز الصفات القلبية عن الصفات النفسية إلى الحركة الشديدة في الذكر فافهم .
- لإيصال تأثير الذكر إلى القلب وسائر الجسد
قال بعض المشايخ : « إن القوة الشديدة شرط في الذكر ، ومقدار القوة ما يصل أثر قوة ( إلا الله ) من القلب إلى سائر الجسد ، لأن مشاهدة ذلك التأثير في الجسد مطلوب في الذكر . كما قال بعضهم : والرجل هو الذي إذا قال ( الله ) اهتز من فوق رأسه إلى إصبع قدمه ، وإن لم يهتز فليس برجل »(9) .
- لتنشيط الجسم لذكر الله تعالى .
ثالثاً : الحركة في أذكار الطريقة الكسنـزانية
لكل ذكر من الأذكار في الطريقة الكسنـزانية حركات خاصة به ، ويمكن تقسيم الحركات في الأذكار إلى قسمين رئيسيين :
الأول : الحركات المصاحبة للأوراد اليومية كالورد بعد صلاة الصبح أو ورد العصر أو الورد بعد صلاة العشاء ، وكذلك بالنسبة إلى الأوراد الدائمية في حالة أراد المريد ذلك . والحركة الرئيسية في هذه الأذكار تتمثل بسحب الرأس من منطقة أسفل أيسر الحجاب الحاجز للبطن ، وتعرف بمنطقة ( سر الأسرار ) ثم رفعه نحو الكتف الأيمن ، ومن ثم سحبه يساراً نحو القلب . إن هذه الحركة تشبه عملية ( الضرب بالمطرقة على الصخر ) وهذا تشبيه يقصد من ورائه التأكيد على القسوة التي يتميز بها القلب البشري نتيجة لما ران عليه من صدأ الغفلة عن ذكر الله I حتى فارق معدنه الأصلي ، والذي هو الرقة والرهافة والشفافية ، فأضحى كالحجارة أو اشد قسوة مما يستدعي استعمال هذه الصورة للمطرقة ، التي يمثلها ذكر الله ، وهي تهوي على صخر القلب إلى سابق سيرته الأولى بعد نفضه لما ران عليه من حجارة .
الثاني : الحركات المصاحبة للذكر الرسمي الذي يقام في التكايا الكسنـزانية ليلتي
( الاثنين – الثلاثاء ) و ( الخميس – الجمعة ) من كل أسبوع بعد صلاة العشاء ، حيث يقف المريدون بشكل حلقات ، ويقف مسؤول الحلقة في وسطها ويستعد الجميع بتركيز تام لإستحضار معاني الذكر ورابطة روحية مع الشيخ . وفي حلقات الذكر هذه المشار إليها في قوله بـ رياض الجنة (10) عدة أنواع من الحركات ، بحسب فقرات الذكر ، ويمكن حصرها في النقاط التالية :
1 . من بداية ورد ( الله استغفر الله دائم استغفر الله ) إلى نهاية ورد ( يا هادي أنت الهادي ليس الهادي إلا الله ) .
يكون المريد واقفاً مغمض العينين متكتفاً ، ويردد ألفاظ الأوراد وهو يحرك رأسه بنفس الطريقة التي سبق شرحها في الأوراد اليومية . أي أنه : يسحب الرأس من منطقة أسفل الحجاب الحاجز للبطن ، ثم يرفعه نحو الكتف الأيمن ، ومن ثم سحبه يساراً نحو القلب .
2 . بعد أن يدعو مسؤول الحلقة بهذا الدعاء : ( اللهم يا حي يا قيوم …. الخ ) يردد الجميع ( يا الله ) وهم ينحنون إجلالاً وتعظيماً لله سبحانه وتعالى ، خافضين اليد اليمنى وفاتحين كفها بهيئة السؤال ، ثم يعتدلون رافعين الأيدي مشيرين بها إلى القلب ، وكأن أحدهم يغترف شيئاً ليضعه في قلبه ، وليس إلا نور المعرفة الربانية المشار إليه في الدعاء راجين من المولى تعالى أن يحيي بذلك قلوبهم وأرواحهم فيبقون خالدين بنوره تعالى أبداً دائماً. وهكذا لعدة مرات حتى يشير مسؤول الحلقة بالانتقال إلى الأذكار التالية وهي : يا الله دائم الله . يا دائم الله دائم .
- ثم ينتقل الجميع إلى الحركة الأولى عند الانتقال إلى الأذكار التالية : ( الله الله ، الله هو هو ، هو الله هو ). وتلفظ كلمة ( هو ) الأخيرة بصوت مرتفع . وكلتا الكلمتين الأخيرتين يكون محل ضربهما في القلب ، وكأن الذاكر بحركة رأسه الضاربة كالمطرقة على القلب وبصوته المرتفع يريد أن يثبّت لفظ الجلالة المبارك والضمير الدال عليه في قلبه تثبيتاً قوياً ، بما تشتمل عليه هاتين اللفظتين من أنوار وأسرار وخواص وبركات روحية لا حصر لها .
- ثم يعود الذاكرين إلى الانحناء تذللاً وخشوعاً أمام الحضرة الإلهية ، بنفس طريقة الانحناء السابقة وهم يرددون ورد ( يا كريم ) بصوت منخفض ، وكأن الذاكر يستجدي من ربه ما سأله وما يريد ..
- ثم ينادي مسؤول الحلقة ( يا الله ) وتردد الجموع عبارة ( حي الله ، الله ) وهم يحركون رؤوسهم حركة الأوراد الاعتيادية . وهكذا ينادي المسؤول ببقية الأسماء الواردة في الذكر ، و بعد كل اسم يردد الذاكرون نفس العبارة ، إلى أن يصل إلى لفظ الجلالة (يا الله) فحينها يستمر الذاكرون بترديد ( حي الله ، الله ) .
- ثم ينتقل المسؤول إلى ورد آخر وهو قراءة ( سورة الإخلاص ) ثلاث مرات جماعية وبصوت جهوري ، وهذا الورد غير مصحوب بأي حركة ، ثم تسكن الجموع ويسود الهدوء ، فيتقدم مسؤول الحلقة لطلب الإمداد .
- يبدأ الاستمداد بحمد الله والثناء عليه وطلب المدد منه I ، ويقوم المريدون بالانحناء تدريجياً مع صيغة الاستمداد تعظيماً للمولى جل وعلا ، ثم ينادي الجميع وبصوت مرتفع ( مدد ) وهم يرفعون رؤوسهم ، فمنهم من يرفع كفة اليمنى ليمسح بها على قلبه ، ومنهم يمسح بها صدره ومنهم يمسح بها وجهه ، كما يُفعل بعد قراءة سورة الفاتحة .
- ثم ينتقل المسؤول إلى الصلاة على حضرة الرسول الأعظم ، ذاكراً خلالها بعض الصفات الكمالية لحقيقته المطلقة ، وبنفس الطريقة ينحني الذاكرون شكراً لله تعالى على نعمة الإيجاد في أمة النبي الأعظم ، سائلين الله تعالى في قلوبهم بجاه نبيهم العظيم أن يفيض عليهم بواسطته ، البركة والرحمة التي أرسل بها للعالمين ، وعلى هذا ينادي الجميع ( مدد ) .
- ثم ينتقل المسؤول إلى باب مدينة العلم المحمدي ، الإمام علي بن أبى طالب فيذكر بعض صفاته ومراتبه الروحية عند أهل الطريقة ، ثم ينحني المريدون لله تعالى سائليه بحضرة الإمام أن يفتح في وجوههم وقلوبهم مغاليق أبواب السماوات والأرض ، وهم ينادون ( مدد ) .
هكذا يستمر الاستمداد من سلسلة مشايخ الطريقة إلى أن يصل إلى أستاذ الطريقة الحاضر ، ثم يقول مسؤول الحلقة (كلكم عون وغوث ومدد) أي: كلكم بالله تعالى عون وغوث ومدد لنا إذ أن رجال الله تعالى الذين فنوا في محبته سبحانه يغيثون عباد الله بالله وذلك واضح في الحديث القدسي الذي يقول تعالى فيه:ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه(11) .
10 . وبعد أن ينتهي الاستمداد يشير مسؤول الحلقة إلى ضاربي الطبلة والدفوف ، فتضرب بحركة متوسطة بين السرعة والبطء ، وتردد الجموع بصوت واحد ذكر ( حي الله … حي الله ) الجهري مع تحريك الرأس يميناً وشمالاً .
- إلى أن يشير مسؤول الحلقة إلى الانتقال إلى ذكر آخر هو ذكر ( حي الله … حي الله ) المخفي وهو ذكر سيدنا الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني ، وحركته تشبه حركة الذكر الأول مع انحناء بسيط إلى الإمام لله تعالى .
12 . ثم ينتقل إلى ذكر آخر وهو ( حي ، حي ، حي الله … حي ، حي ، حي الله ) الجهري ، وحركته كالتالي :
( حي ) الأولى مصحوبة بحركة الرأس يميناً ، ( حي الثانية ) مصحوبة بحركة الرأس شمالاً ، و ( حي الله ) الأخيرة مصحوبة الرأس يميناً مع مد صوت لفظ الجلالة ( الله ) . وعند تكرار هذا الذكر مرة ثانية تكون الحركات بالاتجاه المعاكس .
- وتستمر الجموع على هذا الذكر إلى ان يتم الانتقال إلى ذكر ( دائم ، دائم ) ، وتصبح فيه حركة الرأس إلى اليمين وإلى الشمال بصورة مستمرة ، وفي هذا الذكر تسرع ضربات الطبلة و يسمع دوي الذكر من الذاكرين أشبه بصوت منشار ينشر الخشب .
14 . ثم يشير مسؤول الحلقة إلى الانتقال إلى ذكر آخر هو ذكر ( حي ، حي ، حي الله ) وهو ذكر السيد الشيخ أحمد الرفاعي الكبير ، وتُخفف ضربات الطبلة .
- ثم يُنتقل إلى ذكر آخر ، هو ذكر ( دائم ، دائم ) .
- بعدها يشير مسؤول الحلقة إلى جلوس الذاكرين فمنهم من يجلس متكئاً على يده اليمنى ، ومنهم من ينطرح قليلاً على جنبه متكئاً على يده اليمنى ، مع ترديدهم الذكر وأدائهم الحركة نفسها.
- بعدها تختم حلقة الذكر ويُشار إلى إيقاف الطبلة ويردد الجميع ذكر ( يا الله يا حي يا قيوم ) بعدد خمسين مرة ، ثم تُقرأ ( الفاتحة ) .
أهمية حركات الذكر وبعض فوائدها الروحية في طريقتنا
إن لحركات الذكر أهمية كبيرة في طريقتنا ، فهي تعدّ جزءاً رئيسياً من الذكر نفسه ، كحركات الصلاة من سجود وركوع وغيرها من الحركات التي تعدّ عناصر أساسية من الصلاة نفسها .
الفوائدها الروحية فلا يمكن حصرها ، ومنها
– إنها تطبيق عملي لقوله تعالى :الَّذينَ يَذْكُرونَ اللَّهَ قياماً وَقُعوداً وَعَلى جُنوبِهِمْ(12). فحلقات الذكر الكسنـزاني وأوراد الطريقة تشتمل على هذه الأنواع الثلاثة .
– إن حركات الذكر وخاصة في ذكر ( دائم ، دائم ) المصحوب بصوت الدف والطبلة تشارك كل خلايا جسم الذاكر ، ومن فائدة ذلك أنها توجب البركة لكل خلية من خلايا الجسم ، فتتنور كلها بنور ذكر الله تعالى ، بخلاف ذكر اللسان الذي يكون مقصوراً على جارحة واحدة أو ذكر القلب الذي يكون مقصوراً على جانحة واحدة . فحركة الجسم في الذكر تعني أن الجسم كله يشارك في الذكر وهذا يعني أن الفوائد الروحية للذكر تعم كل ذرة من ذراته وبذلك تتحقق الفائدة العظمى من الذكر .
– في حلقة الذكر الرسمي وعندما يكون الذاكر في وضع القيام وهو مستغرق بذكر الله تعالى ، ويسمع مسؤول الحلقة ينادي بالجلوس ، فإنه يهوي إلى الأرض بين يدي ربه خاضعاً متذللاً تاركاً كل شهوات النفس وآمال الدنيا وراءه راجياً من ربه أن يقبله عبداً بين عبيده ، فهو بانطراحه على التراب كأنه يتنازل عن كل علوه وكبرياءه في الأرض ، محاولاً التحقق بقوله تعالى :مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفيها نُعيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى(13) .
_______________________________
الهوامش:
[1] – آل عمران : 191 .
[2] – النحل : 48 .
[3] – ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – ج 4 ص 494 .
[4] – الشيخ عبد الرحمن بن أبي بكر القادري – مخطوطة تحفة العبّاد وادلة الورّاد – ورقة 45 أ .
[5] – الإمام القشيري – الرسالة القشيرية – ص 52 .
[6] – الشيخ عبد الرحمن بن أبي بكر القادري – مخطوطة تحفة العبّاد وأدلة الورّاد – ورقة 45 ب .
[7] – المصدر نفسه – ورقة 45 أ .
[8] – المصدر نفسه – ورقة 47 أ – 47 ب .
[9] – الشيخ عبد الرحمن بن أبي بكر القادري – مخطوطة تحفة العبّاد وأدلة الورّاد – ورقة 45 أ .
[10] – مجمع الزوائد ج: 4 ص: 6 .
[11] – صحيح البخاري ج: 5 ص: 2384 برقم 6137 .
[12] – آل عمران : 191 .
[13] – طه : 55 .
المصدر : السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني – موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه اهل التصوف والعرفان – ج5- مادة (ذ ك ر) .