يقول الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي :
« قال بعضهم : الإيمان … أولاً : الشرح والتنوير لقوله : أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ (1) ثم الامتحان بقوله : أولَئِكَ الَّذينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلوبَهُمْ (2) ، ثم التحبيب والتزيين بقوله : حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان وَزَيَّنَهُ في قُلوبِكُمْ (3) ، والكتبة والتطهير بقوله : كَتَبَ في قُلوبِهِمُ الإيمان (4) …
بعد ذلك : معرفة بإثباته ، وأنه واحد ،لم يزل ، ولا يزال ، و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (5) …
بعده : التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، والعمل بالجوارح ، والاستقامة »(6)
ويقول الشيخ نجم الدين الكبرى :
« مرتبة العوام في الإيمان : ما قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار والقدر خيره وشره (7) ، وهو إيمان غيـبي …
ومرتبة الخواص في الإيمان : هو إيمان عياني : وكان ذلك بأن الله إذا تجلى لعبده بصفة من صفاته خضع له جميع أجزاء وجوده ، وآمن بالكلية عياناً بعدما كان يؤمن قلبه بالغيب ونفسه تكفر بما آمن به قلبه إذا كانت النفس عن تنسم روائح الغيب بمعزل ، فلما تجلى الحق للجبل جعله دكاً وخر موسى النفس صعقاً ، فالنفس في هذا المقام تكون بمنـزلة موسى : فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (8).
ومرتبة الأخص في الإيمان : هو إيمان عياني : وذلك بعد رفع حجب الأنانية بسطوات تجلي صفة الجلال ، فإذا أفناه عنه بصفة الجلال يبقيه به بصفة الجمال ، فلم يبق له الأين وبقي في العين ، فيكون إيماناً عينياً كما كان حال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة المعراج ، فلما بلغ قاب قوسين كان في حيز أين ، فلما جذبته العناية من كينونته إلى عينونة : أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (9) : آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ (10) ، أي : من صفات ربه ، فآمنت صفاته بصفاته تعالى ، وذاته بذاته ، فصار كل وجوده مؤمناً بالله إيماناً عينياً ذاته وصفاته »(11) .
ويقول الشيخ سعيد النورسي :
« الإيمان لا ينحصر في تصديق إجمالي وتقليدي وحده ، بل له انجلاء ومراتب كثيرة جداً كالمراتب الموجودة بين البذرة النامية إلى الشجرة الباسقة … فضلا عن ذلك فإن للأيمان حقائق غزيرة جداً ترتبط بحقيقة الكون كله ، إذ تتجلى في جميع أجزائه أنوار ألف اسم واسم من الأسماء الحسنى مثلما تتوضح بها سائر أركان الإيمان ، حتى اتفق أهل الحقيقة على أن : أجل العلوم قاطبة وقمة المعرفة وذروة الكمال الإنساني : إنما هو في الإيمان والمعرفة القدسية السامية المفصلة ، والمبرهنة النابعة من الإيمان التحقيقي »(12) .
____________________________________
الهوامش : ـ
(1) – الزمر : 22 .
(2) – الحجرات : 3 .
(3) – الحجرات : 7 .
(4) – المجادلة : 22 .
(5) – الشورى : 11 .
(6) – الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي – حقائق التفسير – ص 1191 – 1192 .
(7) – انظر فهرس الأحاديث .
(8) – الأعراف : 143 .
(9) – النجم : 9 ، 10 .
(10) – البقرة : 285 .
(11) – الشيخ إسماعيل حقي البروسوي – تفسير روح البيان – ج 2 ص 303 .
(12) – الشيخ سعيد النورسي – أنوار الحقيقة – ص 123 .