المهندس عمر الحريري
1/ أصحاب الدرجات
وقد رفعنا بعضكم فوق بعض درجات قدم نيوتن نظريته في الحركة الأرضية وحركة الأجرام السماوية ..وذلك قبل 300 عام أو اكثر ..واضعا القوانين الكونية الثلاثة والمتعلقة بالحركة .. ولم يستطع أحد أن يعدل على هذه القوانين لـ 300 سنة أخرى!..وذلك بظن العلماء الفيزيائيين أنها القوانين العامة الناظمة للكون والطبيعة …ثم جاء آينشتاين في اوائل القرن الماضي ليضع نظريته النسبية … نظرية أينشتاين تلك تناقضت بشكل كلّي مع استنتاجات “إسحاق نيوتن”…وأثبت آينشتاين ان سرعة الضوء ثابتة وليست بعلاقة مع تغير المراقب ..وهنا يصبح الزمان بعدا رابعاً ….وتبين ان قوانين نيوتن هي حالة خاصة من قانون عام أشمل وأكبر ناظم للكون …والان حديثا تطور النظرية الدودية والتي تقول أنه ربما هناك احد عشر بعدا للكون وربما أكثر …وستحاول هذه النظرية فهم الكون بشكل اشمل …وعندها ستكون نظرية الكم والنظرية النسبية حالات خاصة ….. ونعود هنا للآية الكريمة المذكورة في البداية حيث ان رب العالمين يخبرنا أنه قد ميز مخلوقاته عن بعضها البعض …وهذا التمييز يشمل الإيمان والإحسان ..فالمولى الجليل يرفع من كانت له خصوصية الايمان …ويعطيه الولاية ..وهذه الولاية على درجات …والدرجة ليست بالحظوة والمكانة فقط ..وإنما الدرجة أيضا بالعلم ..وانا هنا أريد أن أربط العلم الرباني بالعلم الإنساني الظاهري ولو ببعض النقاط البسيطة … …فعلم الله واحد ….وخلق رب العالمين واحد ..والقانون الناظم للكون واحد..وبالتالي فإن هناك رابطا خفيا للعلم الباطني والظاهري ..وهذا الرابط بشكل كامل هو حكر على اصحاب الدرجات ….وبما ان المولى الجليل قد جعل تلك الدرجات للتمييز ..فهذا يعني انه جل جلاله قد خص كل درجة اعلى بشيء لم يخص به الدرجة الأدنى …وانا هنا اريدان انوه لنقطة مهمة وهو انه لو اطلع اهل الدرجة الدنيا على ما يملك اهل الدرجة العليا ..لم يفهموه ولوجدوه سخفا او جنونا أو زورا ..لأن عقولهم لا تدرك ما انعم الله على من فوقهم … و أعود هنا لنقطة الربط في علم الله بين الباطن والظاهر …..حيث دوما وجد الإنسان انه خلال تاريخ البشرية ان العلوم تتطور غير متوقع ..وما يراه الانسان في بعض الأزمنة سخفا ..وجنونا ..وتخلفا أحيانا… يظهر في زمان آخر أنه الحقيقة …وهذا تابع لمبدأ الدرجات …فالمولى الجليل يخص البشرية في كل مرحلة ليرفع مداركهم …حيث يقول السيد الشيخ محمدالكسنزان قدس الله سره العزيز : (علوم الله سبحانه وتعالى موجودة منذ الأزل و لكنه سبحانه وتعالى يظهر منها مايشاء اظهاره على يد من يشاء ,وما الاكتشافات التي تتم على ايدي العلماء إلا أشياء كانت منذ القدم في علم الله سبحانه وتعالى وكان العالم سببا في تركيبها وليس خلقها واظهارها كان لفائدة تعم البشر ) ويقول تعالى :وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون .
الدماغ :
كم يستخدم الانسان العادي من دماغه ….هذا سؤال مهم ؟؟….وقد لا يبدو للوهلة الأولى ان له علاقة مهمة بما تحدثنا عنه سابقا ..ولكن اذا أخذنا الدماغ علميا ..نجد أنه يتكون من شبكة معقدة من الخلايا والجذور والفروع المتعددة الوظائف . ويحوي الدماغ على مئات البلايين من الخلايا العصبية التي يطلق عليها اسم النيورون والتي ترتبط مع بعضها بعلاقة شد وجذب عبر نهايات دقيقة تبدو كالجذور وتسمى المحاور والاستطالات العصبية . ورغم ان المحاور العصبية تميل الى الاقتراب الى اقصى حد ممكن من الاستطالات فانها تحتفظ بمسافة فاصلة عنها ولا تمسها على الاطلاق . ولهذا فان على الذاكرة والافكار الاخرى ان تتخطى الفجوات المشبكية Synaptic gaps كما يركض الرياضي في سباق ا لحوا جز .
ويمكن ان تتحول هذه الفجوات المشبكية المكرسكوبية الى وديان طبيعية هائلة الحجم لو انعدمت فيها المواد المرسلة العصبية.وتعجز حينها المعلومات عن التنقل من مكان الى اخر وبلوغ المناطق المعنية في الدماغ وهذا يعني ، ببساطة ، ان الانسان عاجز عن بلوغ المعلومات المطلوبة (الذاكرة ) رغم انها محفوظة داخل دماغه . وبالتالي فإن دماغ الإنسان يستطيع استيعاب معلومات هائلة جدا لو كتبت لملأت 90 مليون مجلد ضخم، ولو وضعت هذه المجلدات واحدا جنب الاخر، لامتدت لمسافة 450 كيلومترا!!!…وذلك يشكل حجما هائلا من المعلومات والتي يمكن لإنسان ما ان يتذكره وان يحفظه وأن يعالجه …. وهذا أحد الأدلة على أن هناك من البشر من خصه الله بحجم هائل من المعلومات والتي يمكن لدماغه ان يتذكرها وان يتفكر بها…فالمولى الجليل لا يخلق عضوا للإنسان عبثا وهدرا لأنه جل جلاله منزه عن ذلك ….. فهذا اذا يدعونا هنا للاستنتاج الأول :
1- هناك من البشر من جعلهم الله قادرون على الاستخدام الأمثل و الكامل لدماغهم ..أي مئة بالمئة من قدرات الدماغ في حجم التفكير والمعلومات وسرعة الاستجابة … وهنا نقف بين يدي حضرة الشيخ محمد الكسنزان قدس الله سره العزيز حيث يقول :
العلوم على نوعين :
أ- علوم ظاهرية و تشتمل جميع العلوم الدينية التي يمكن ان تدرس وتعلًم في الكتب ,اضافة الى العلوم الأخرى كالطب والرياضيات والطبيعيات وعلم الاجتماع وعلم النفس والعلوم الفضائية .
ب- علوم الطريقة : وهي العلوم الروحية التي لا يمكن ان تكتسب ولا تدرس في الكتب إلا عن طريق المصاحبة للشيوخ والعارفين والسلوك على ايديهم ))
اذا نستطيع ان نخمن ان علوم الطريقة والتي تنتج عن مصاحبة العارفين والمشايخ …هي التي تفعل ذلك القسم المهدور من دماغ الإنسان وفق درجات معينة بحسب السلوك والتعلق بالمشايخ الكرام وبالرسول الأعظم .
نسبية الزمان والمكان :
ان النظرية النسبية الخاصة دحضت بشكل قطعي ثبات المسافة ..وجعلت الزمان مختلف من نقطة الى نقطة في الكون …وحتى امكانية السفر رجوعا في الزمان (الثقوب الدودية :
الثقوب الدودية هي في الحقيقة ممرات دودية تخيلية موجودة داخل الثقوب السوداء لكنها حتى الآن أسيرة الرياضيات فهي لم ترصد بأي طريقة وذلك لصعوبة الكشف عن ما يحويه الثقب الأسود.
و كما أتى في النظرية التي طرحتها فهي قد تسمح للمسافر في أحدها بأن يخرج الى كون آخر أو زمن آخر فهي ممرات كونزمنية وربما تتصل بالثقوب البيضاء من الطرف الاخر منها.
وهي اصبحت حقيقة نظرية مؤكدة ومستحيلة علميا ..وطبعا مستحيلة علميا وفق منظور العلم الإنساني الظاهري المكشوف حتى الآن لعامة البشر ..فبالتالي لا بد للمنطق العاقل الروحي للإنسان أن يؤكد ان مقيدات الزمان والمكان المعروفة لدى عامة البشر هي مقيدات تنطبق على البشر .وهذا يقود للإستناج التالي :
2-هناك من البشر من خصه المولى الجليل بميزة الانفلات من حدود الزمان والمكان ….وهذا دليل آخر على قدرة اولياء الله عز وجل …
البركة الإلهية :
الطاقة كمفهوم علمي لا يمكن ان تخلق من العدم وانما تنتقل من شكل الى آخر ..وهذا الانتقال هو الذي يسمح لنا بالاستفادة منها لتسهيل حياة البشر ..فانتقال الطاقة عند احتراق الوقود بشكل حراري الى العنفات الميانيكية يؤدي لتوليد طاقة كهربائية ..الخ …وكل أشكال الطاقة المعروفة للإنسان علميا قادر على استغلالها ودراستها كميا .إلا انه حتى الان عاجز عن فهم فلسفتها ..فالعلم يقول انها على شكل كمات (حبات )صغيرة ..فالضوء هو فوتونات (كمات من الضوء )…والحرارة ايضا كمات من الطاقة ..ولكن ما هي تلك الكمات لا يعرف ..مما تتكون ؟؟ كيف نشات كل الطاقة عند البداية بما انها لاتنشا من العدم ؟؟وانما قادر على وصفها وتحديد اتجاها وكميتها وعددها …وبالتالي فإن العلم الظاهري إن لم يكن قادرا على فهم فلسفة الطاقات المعروفة فإنه لا يستطيع تأكيد نفي وجود الطاقة الإلهية والتي نطلق عليها اسم البركة .
وان هذه الطاقة الإلهية غير قادرون على رصدها بأجهزة علمية حديثة ..إلا انها بالمنطق الروحي المؤمن العاقل يجب ان تكون موجودة ..لانها مثلها مثل اي طاقة أخرى …غير قادرون على تحديد فلسفتها غير أننا قادرون على رؤية أثرها ..فأولياء الله واصحاب درجاته يملكونها ويستخدمونها عند الحاجة …حيث ان الله جل جلاله اختص بعض الأشخاص بطاقة عالية خاصة , لا تتعلق بوجودهم في مكان محدد مثل المسجد الحرام أو المسجد الاقصى كما هو الحال مع عامة الناس ذوي الطاقة العادية , بل هم ذوو طاقة عالية مباركة أينما كانوا , فالقرآن الكريم يؤكد ذلك على لسان سيدنا عيسى بن مريم : قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ (30 -31) مريم 0
وهذا يقودنا الى الاستناج الثالث :
3 – هناك من البشر من خصه الله جل جلاله بميزة الطاقة العالية والتي يوزعها بحسب امر الله …وهذا مخصوص لأولياءه واصحاب درجاته …
وموضوع البركة والطاقة سيكون احد المواضيع القادمة المفصلة في هذا البحث ان شاء الله تعالى .
النموذج الهولوغرافي للكون :
ما هو الهولوغرام؟الهولوغرافيا هي أسلوب تصوير يشبه الفوتوغرافيا كثيرا، إلا أن صورة الشيء تكون ثلاثية الأبعاد في الهولوغرافيا، والأداة الرئيسية وراء ذلك هي ضوء الليزر. هيا نرى كيف نحصل على هولوغرام لزهرة؛ لكي نحقق ذلك يجب فصل شعاع الليزر إلى شعاعين عن طريق فاصل للأشعة، ثم يسقط أحد الشعاعين مباشرة على فيلم حساس للضوء، بينما ينعكس الشعاع الآخر من الزهرة ثم يسطع على نفس الفيلم، وعندما يتداخل هذان الشعاعان سوف يشكلان نمطا متداخلا على الفيلم وهو ما يسمى بـ”الهولوغرام”. وهذا النمط -الذي يشبه التموّجات التي تشكلها قطرات المطر على بركة من الماء- من الممكن رؤيته فور تحميض الفيلم، وتظهر صورة ثلاثية الأبعاد للزهرة بمجرد أن يُضاء الهولوغرام بضوء ليزر آخر، وذلك لأن الرسالة الكلية لجميع الجوانب البصرية للزهرة ملفوفة على سطح الفيلم ثنائي الأبعاد، وما يحدث في الحقيقة هو إظهار معلومات الزهرة كما هي مخزنة في النمط المتداخل.
إن النموذج الهولوغرافي يأتي من النظرية الخيطية للكون ..حيث بالاستناج من هذه النظرية أن كل نقطة في الكون تحتوي على الكون بأكمله في ذاتها، وكل حبة رمل ترتبط بكل كوكب في الكون، تماما كما تتضمن الجزيئات الأصغر من الذرة شبكة من الترابطات تصبح بها متشابكة مع الخلية البشرية. و”ديفيد بوم” هو أحد علماء القرن العشرين المعروفين بإدراك هذه الكلية في الطبيعة. وقد جاء تفسير “بوم” للكون كهولوغرام في شرحه لتجربة عام 1982 قام بها “ألاين أسبيكت” وفريقه، والتي كشفت مدى سرعة تواصل الجزيئات الأصغر من الذرة مع بعضها البعض. وفي الحقيقة أنه قد اكتُشف أن هذا الاتصال سريع للغاية، وأنه أسرع حتى من سرعة الضوء، كما لو كانت الجزيئات “تعرف مصائر بعضها”. وقد أشار بوم إلى أن الجزيئات ليست في حاجة إلى أية إشارة من أجل التواصل مع بعضها، هذا ببساطة لأن الانفصال بينها هو مجرد وهم. والانفصال الظاهر هو تصور من مستوى أعلى للحقيقة، وهو ما يسميه النظام المتضمَّن، حيث كل شيء مرتبط، وتتصرف الجزيئة كما لو كانت تعرف مصير الجزيئة الأخرى؛ وذلك لأن لديها المعلومات الخاصة بالجزيئة الأخرى داخلها.وهنا أريد ان اضيف تساؤلا بسيطا من هذا الكلام …بمأ ان العلم قد اشار الى الترابط الحقيقي ..والى الارتباط المطلق لكل شيء ببعضه ..هذا يقودنا الى استناجين مهمين لغاية :
4- بما ان الشيء الواحد من الممكن ان ينفصل ويبقى كل جزء يحوي على نفس الكينونة …اذا من الممكن للشخص الواحد ان يتواجد باكثر من مكان في نفس الوقت وربما من الممكن ان ينشطر لأربعين شخصا في اربعين مكان مختلف مثلا …وهذا لربما يخصه الله لأوليائه واصحاب درجاته !!!!!!
5- ان ذلك يشكل دليلا على فناء مخلوقات الله سبحانه وتعالى في الذات الإلهية …..فالكل هو واحد ….والكل مشتق من كله …وربما الله عز وجل جعل هذا الاتحاد على درجات ..
وكل فناء يوصلك الى فناء آخر ….
يقول الشيخ القطب محمد الكسنزان قدس الله سره العزيز :
إن الفناء متفاوت في المراتب إلى أن يصل المريد إلى الفناء الأعظم قال تعالى كل شيء هالك إلا وجههو قد بين مشايخ الطريقة مدارج الفناء لسالكي الطريقة وهي :
الفناء في الشيخ يتتحول بدوره الى الفناء بالرسول الأعظم صلى الله سبحانه وتعالى عليه وسلم ..والذي يتحول بدوره الى الفناء في الله تعالى .
يتبع بإذن الله
اللهم صل على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما