عقد مؤتمر عن العلاج الصوفي والروحي ( في جامعة Renison التابعة لجامعة waterloo في كندا بتاريخ 22/6/ 2019 بمشاركة دكتور هاوارد هول والأستاذ عبد المجيد حميد ).
تحدث الدكتور هول عن الشفاء الروحي لما يقوم به مريدي الطريقة العلية القادرية الكسنزانية من فعاليات الضرب بالدرباشة وغيرها وقام بشرح الفرق بين ما يقوم به البوذيين والهنود من فعاليات مشابهة من استخدام الآلات الحادة مثل السيف وغيرها وأوضح الدكتور هول بأن من يقوم بهذه الأعمال منهم من يكتسبها عن طريق التدريب المتواصل لتحمل الألم المعتمد على تقنيات اليوغا من التدريب المتواصل لمدة سنوات ، بينما يكون عند المريد والصوفية في الطريقة الكسنزانية في الفعاليات الخارقة للعادات وهي بالشفاء الروحي (Spiritual healing) باستخدام الطاقة الروحية الناتجة عن الكرامة في الطريقة الكسنزانية وعرض صور وأفلام عما قام به هو من فعاليات الضرب بآلة حادة .
محاضرة الخليفة عبد المجيد حميد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً أزلياً بأبديته أبدياً بأزليته سرمداً بإطلاقه متجلياً في مرايا آفاقه حمد الحامدين ودهر الداهرين .
اللهم صل على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
اللهم صل على سيدنا محمد الوصف الاعظم المتميز بحلته النورانية وكمالات نعوته الانسانية , وصل اللهم على سيدنا محمد الذي استحق الوحي لكمال الصدق والصديقية , وصل اللهم على سيدنا محمد الذي قام بالرسالة قيام حصيف حكيم , وصل اللهم على سيدنا محمد الحكمة البالغة الذي أحاطه مولاه بسياج من التوفيقات النورانية الإلهية , وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين طهرهم المولى في محكم التنزيل (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) وعلى صحابته الغر الميامين الذين كانوا (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه) .
وعن التابعين وتابعيهم الى يوم الدين وارض اللهم عنا وعنهم برحمتك يا أرحم الراحمين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يطيب لي أن أستهل حديثي هذا بتعريف التصوف وأركانه :
(أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
هذا هو الركن الأساسي الذي يمثل الطريقة
والتصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى ملك الملوك وتنقية البواطن من الرذائل والشوائب وتحليتها بأنواع الفضائل وهو أوله علم وأوسطه عمل وآخره موهبة .
واختلاف تعريف التصوف أتى من اختلاف منازل الرجال في معارج السلوك فكل شيخ من مشايخ التصوف في مقامه فهو لا يعارض أبداً مقام غيره ، فهو بستان جامع وكل شيخ من شيوخه تحت شجرة من هذا البستان فوصفها,فمنها اختلفت التعريفات فأنها تعبر عن رتبته من التزكي والتقوى فكل التعاريف للتصوف هو واحد يكمل بعضه بعضاً.
أما مصادر التصوف فأولها القرآن الكريم المنزل على سيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) والقرآن الكريم قد نظم المعاملات المادية والمعنوية والروحية لمن أراد السعادة في الدنيا والاخرة .
أما المصدر الثاني فهو كل ما ورد عن رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) من أقوال وأفعال وأحوال والتي كانت جميعاً ترجمة لحقيقة التصوف الداعية الى وجوب ترقي الانسان عبر السلوك الى ملك الملوك كي يسمو الانسان ليصل الى مقام المراقبة والمشاهدة ليأنس بجمال الحق جل وعلا .
وكوني انتسب إلى طريقة صوفية هي الطريقة العلية القادرية الكسنزانية يسرني أن أنقل إليكم ما قاله رئيس الطريقة العلية القادرية الكسنزانية حضرة السيد الشيخ محمد المحمد الكسنزاني القادري الحسيني (قدست أسراره)عن التصوف ليكون منهجاً جديداً لما يهدف اليه التصوف .
يقول سماحته :
إن جوهر التصوف هو الدين الواسع كونه يرسخ كل الثوابت الدينية التي جاء بها الأنبياء والرسل من سيدنا آدم (عليه السلام) إلى خاتم الأنبياء رسول الله سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام والتي يتفق عليها جلّ بني البشر, فالتصوف دعوة للحق بمعناه الواسع وبخاصة حب الخالق ليس طمعاً في جنة ولا خوفاً من نار وحب البشر جميعاً وحب كل ما يمكن أن تحب من الحيوان والجماد والنبات الى غير ذلك ورفع المرأة في المجتمعات الى مقام راقي ونبذ كل ما من شأنه أن يحط من قدر المرأة ويجعلها دونية القدر والمقام .
ويقول سماحته وفي ضل عقيدة الحب هذه يزدهر السماح والسماحة والتآخي والاخاء والتساوي والمساواة وهذا كله يفضي الى السلم والسلام وبذلك يكون الهدف النهائي الذي يهدف اليه التصوف ملتصقاً مع الهدف الذي نلتقي عليه جميعاً محققين بذلك مراد الله تعالى. إذ قال جل وعلا ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ).
أما أهم مدارس التصوف :
مدرسة الزهد الصوفية : من رجال هذه المدرسة الامام جعفر الصادق (عليه السلام) والامام الشافعي والامام مالك والفضيل بن عياض وغيرهم ومن رجالات التصوف.
ومن اركان مدرسة الزهد ملخصه ان تكون الدنيا في يدك لا في قلبك وجعل الدنيا وسيلة للأخرة كما كان حال إبراهيم بن ادهم حيث كان اميراً وكما كان حال الامام مالك حيث كان واسع الثراء فأمثال هؤلاء رحمهم الله كانت الدنيا بأيديهم لا في قلوبهم وقد الف الكثير من المشايخ كتباً عن هذه المدرسة تحت عنوان الزهد ومن هؤلاء الامام احمد بن حنبل والامام البيهقي رحمهم الله تعالى.
اما المدرسة الثانية فهي مدرسة التصوف المنظم ونستطيع ان نسميها مدرسة تصوف الجمهور التي نعيش رحابها الان في عصرنا هذا وبقيت مستمرة منذ ان بدأت وهي المدرسة الغالبة السمة على التصوف المعاصر, ومن رجال هذه المدرسة هو الامام الغزالي الذي بدأ هذه المدرسة وكذلك ينتمي الى هذه المدرسة مجموعة كبيرة من المشايخ منهم أبو طالب المكي صاحب قوت القلوب وأبو القاسم القشيري صاحب كتاب الرسالة القشيرية وقد برز في هذه المدرسة ونظم احوالها وافاقها وانتهت اليه صدارة هذه المدرسة السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره الذي اتفق عليه اهل الشرق والغرب بعلو كعبه ورسوخ قدمه في التصوف فقد اقام في بغداد وذاع صيته وشهرته في كل الارجاء وله من الكرامات ما لا يحصرها حد ولا يعدها عد , ولازالت الطريقة القادرية الى يومنا هذا تمثل الصدارة والطليعة من المناهج الصوفية ومما تجدر الإشارة اليه ان سلسلة مشايخ الطريقة القادرية لا زالت حية ومستمرة إلى يومنا هذا إذ تصدر إلى رتبة الارشاد في هذه الطريقة المشايخ المأذون لهم بتربية المريدين , وأود أن أذكر أن الطريقة القادرية الكسنزانية هي الامتداد الحي والطبيعي للطريقة القادرية لذلك سميت الطريقة الكسنزانية اختصاراً ولكن اسمها الصريح هو الطريقة العلية القادرية الكسنزانية فتسميتها بالعلية نسبة إلى الإمام علي كرم الله وجهه باب علم مدينة رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم). قال (صلى الله تعالى عليه وسلم): (انا مدينة العلم وعلي بابها ) وبالقادرية نسبة الى السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره وبالكسنزانية نسبة إلى السيد الشيخ عبد الكريم الأول شاه الكسنزان الجد الأكبر لسماحة رئيس الطريقة العلية القادرية الكسنزانية السيد الشيخ محمد الشيخ عبد الكريم القادري الكسنزاني الذي لم يدخر جهداً لنشر الطريقة الكسنزانية وتربية المريدين روحياً ولهذا الشيخ الجليل مؤلفات كثيرة وكبيرة منها الانوار الرحمانية , والطريقة العلية القادرية الكسنزانية, وجلاء الخاطر من كلام الشيخ عبد القادر كتاب محقق , وموسوعة الكسنزان فيما اتفق عليه اهل التصوف والعرفان , هذه الموسوعة في أربعة وعشرين مجلداً . كما أنشأ المركز العالمي للتصوف والدراسات الروحية وكذلك أنشأ كلية جامعة في بغداد واصدر مجلة صوفية اسمها مجلة الكسنزان .
المدرسة الثالثة التصوف الفطري أو التصوف الفلسفي ويمثل هذه المدرسة الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي والتلمساني وعبد الكريم الجيلي وابن سبعين وغيرهم من الافاضل , وألف هؤلاء كتب في هذا الباب ربما سببت إشكالا للكثير من القراء لما ورد فيها من مسائل أعيت العقول أن تدرك ما يريد أصحابها لذلك قال مؤلفوها كتبنا حرام على غيرنا لأنها مكتوبة بطريقة لا يفهما لا من عاناها وتذوقها وكابدها لذلك فأن من يقرؤها من غير مفتاح لهذه الكتب يظن ظنوناً باطلة ويعتقد بعقائد منحرفة , والسؤال هنا يطرح نفسه لما كانت هذه الكتب التي تفضي إلى الشك والعقائد المنحرفة لماذا كتبت إذا كانت تفضي إلى هذه الشكوك والعقائد المنحرفة ؟ والجواب على ذلك هو لكثرة توارد المعارف على قلب العارف ولعجز اللغة عن وصف هذه الأحوال والمواجيد, لذلك نرى الشيخ محي الدين بن عربي قد راعى هذه المسألة عندما كتب (الفتوحات المكية ) قدم في بداية كتابه بكتاب اسمه المفتاح ليكون تفسيراً لكل الكلمات التي ربما تسبب إشكالاً وتفضي بالقارئ إلى الشك والريبة ، وربما تأخذه إلى تأويل بعض هذه المصطلحات التي أراد بها المشايخ ربما إلى طريق يجافي جادة الإيمان وجادة الصواب , لذلك كتب (المفتاح) في بداية الفتوحات المكية ليكون للقارئ مرجعاً في فهم الكتاب وكذلك فهماً للمصطلحات التي تسبب للقارئ تشوشاً عقائدياً وتخرجه عن جادة الصواب. إذاً نحن الآن بصدد التصوف المنظم هذا التصوف الذي أجمع عليه القدماء والذي جاءنا منظماً عبر مدرسة الشيخ عبد القادر الجيلاني (قدس الله سره العزيز) وصولا إلى مدرسة الطريقة الكسنزانية التي يتصدر الآن رئاستها السيد الشيخ محمد المحمد الكسنزاني القادري الحسيني .
الاسئلة
سؤال :
دائماً يتهم الصوفية بالشرك في بعض الإستمدادات من الصالحين أو من سيدنا الرسول محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) أو من الإمام علي (عليه السلام) أو من شيوخ الطريقة ودائماً توجد بعض الشكوك في هذه المسألة في حين أن النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) قال (وإني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ، ولكن أخاف أن تنافسوا فيها) .
الجواب :
سؤال جدير بالاهتمام , الصوفية كل أورادهم ترديد لفظ الجلالة (الله) , لو نعود إلى عبادات الصوفية هم دائماً يسعون إلى التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى فنرى دائماً أورادهم ووظائفهم التعبدية, والورد في الصوفية هو الوظيفة , وظيفة المريد هو الذكر لتوحيد الله سبحانه وتعالى فتبدأ بلا إله إلا الله ثم الله ثم ورد يا هو ثم ورد يا حي وهكذا إلى بقية الأوراد ولا مراد إلا الله ولا مقصود إلا الله ولا موجود إلا الله , فكلها أوراد تؤدي بالسالك إلى أن يوحد الله تعالى توحيداً خالصاً لا لبس فيه ولا شك فيه , ولكن الجهل المركب عند البعض يقودهم إلى هذه الاستنتاجات , ما هو الاستنتاج عندما نقول يا رسول الله , فكأن من يقول يا رسول كأنما أشرك يريدون أن نقول فقط يا الله بينما من مسلّم الثبوت عند العلماء أن كل ياء هي نداء وكل نداء دعاء وليست كل ياء عبادة , هنالك ياء دعاء ونداء وعبادة عندما نقول يا الله هذه الياء في لفظ الجلالة عندما تنادي يا الله , هي نداء ودعاء وعبادة أما عندما نقول يا رسول الله هذه الياء هي نداء ودعاء وليست عبادة ونحملها على التعبير المجازي وكأن القائل عندما يقول يا الله اريد منك العون تحديداً أريد منك الغوث تحديداً أريد منك أن تساعدني في مهمتي في شدتي هذه الياء نداء ودعاء وعبادة ، ولكن عندما نقول يا رسول الله هي نداء ودعاء وليست عبادة وكأن قصدنا يا رسول الله بجاه الله أن تدعو لنا الله سبحانه وتعالى على أن يخلصنا أو ينجينا. إذاً يا رسول الله أو يا شيخ فلان هي تحمل على التعبير المجازي وليس على التعبير الحقيقي . وعندنا علماء الأصول دائماً يقولون عند التكفير نبحث عن التأويل يجب أن لا نكفر الناس ، يجب أن نجد حجة إلى الناس في كلامهم ، لكي لا يوضعوا في دائرة الشرك أو في دائرة الكفر , لذلك قال علماء الأصول ثلاثة أشياء :عند الحقوق نبحث عن الإثبات ، وعند الحدود نبحث عن الإسقاط ، وعند التكفير نبحث عن التأويل , فينبغي لهؤلاء الذين يمتازون بالجهل المركب أن يبحثوا عن تأويل لهذه المفردات التي ينطق بها الناس وكما أشرت أن الرسول rقال :(وإني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ، ولكن أخاف أن تنافسوا فيها), إذاً الشرك انتفى , وخلص الناس إلى معرفتهم أن الله واحد وأن الله سبحانه وتعالى هو الفاعل المؤثر في الوجود ولا مؤثر غير الله سبحانه وتعالى ، ولكن هنالك أولياء والولي بمعنى القريب من الله إذا دعوا الله إذا طلبوا من الله سبحانه وتعالى فإن الله يجيبهم والحديث القدسي صريح في ذلك (ما يزال العبد يتهجد إلي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته اجتبيته فإن اجتبيته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه وإن استعاذ بي لأعيذنه) فهؤلاء مجابين الدعوة عند الله سبحانه وتعالى ونجعلهم وسائل لنا إلى دعائنا إلى طلباتنا .
سؤال:
كلما دخلنا في تعمق في التصوف وهذا التعمق في الحب يوصلنا إلى العشق الإلهي مثل ما نسمع في التصوف .
جواب:
التصوف هو مدرسة للحب ، التصوف أن ننتزع من أنفسنا ومن ذواتنا كل ما من شأنه أن يجعلنا نكره الآخر . المتصوف يجب أن يصل إلى حقيقة الحب ويحب كل شيء . الشيخ محيي الدين بن عربي وصل بكلامه أن يقول :
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة
فمرعىً لغزلانٍ ودير لرهبانِ
وبيتٌ لأوثانٍ وكعبة طائفٍ
وألواح توراةٍ ومصحف قرآنِ
أدين بدين الحب أنَّى توجهتْ
ركائبه فالحب ديني وإيماني
فالمحبة لمن عرف ربه وفعلاً هو التصوف مدرسة للحب .
مراحل الفناء هي ثلاثة الفناء في الشيخ والفناء في الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) والفناء في الله تعالى .
ما المقصود بالفناء في الشيخ , ربما اللغة لا تسعف السامع قد يعتقد الفناء في الشيخ أنه يعبد الشيخ ، طبعاً لا , الفناء في الشيخ يعني الاتباع المطلق للشيخ لأن الشيخ دائماً أفعاله أفضل من أفعالنا ,فكأنما هو موجه لنا ونحن نسير بعد خطى الشيخ فالفناء في الشيخ هو الاتباع المطلق للشيخ وبعد أن نتدرج في هذا الفناء نستطيع أن نتبع الرسول عليه الصلاة السلام ؛ لأن مشايخ الطريقة يقولون الطرق كلها مسدودة عن الخلائق إلا من اقتفى أثر الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) . ( إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) فهو هذا الفناء بحضرة النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم), وبعدها تصل إلى حالة المراقبة وحالة التسامي وربما حالة جمع الجمع , لن تبقَ للأنا وجود بل الحق سبحانه وتعالى هو الموجود فالمريد يصبح متسامياً متجرداً من جوارحه متجرداً عن كل ما يجعله متعلقاً في الدنيا ، وتتسامى روح المريد إلى أن تسبح وتحلق في فضاء المراقبة والمشاهدة ، وهذه الحالة الثالثة هي الفناء في الله سبحانه وتعالى . إذاً مراحل السلوك أولاً الفناء في الشيخ أي الإتباع المطلق للشيخ , ثانياً الفناء في الرسول rأي الإتباع المطلق لحضرة الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) , الثالثة حالة الفناء المطلق , لم يبق للأنا وجود بل الحق هو الموجود كله . وهو بيت القصيد وهو الهدف الرئيسي الذي يطمح المريد أن يصل إليه .
سؤال:
هل يمكن أن تبين لنا الفرق بين الطريقة الصوفية الحية والطريقة الصوفية غير الحية .
جواب :
قال المشايخ بأن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق يعني لا تحد ولا تعد, ولكن يجب أن نميز بين الطريق الذي يوصل إلى الحقيقة والطريق الذي لا يوصل إلى الحقيقة لذلك قبل قليل أشرت أن الجنيد البغدادي قدس الله سره يقول : الطرق كلها مسدودة عن الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) , فينبغي أن يكون هنالك خط متصل من الشيخ الحاضر إلى حضرة الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) عبر المشايخ , الآن هذا المصباح يعطينا الضوء ، هذا الضوء إن لم يكن المصباح متصل بسلك إلى مصدر الكهرباء لا يمكن أن يعطينا الضوء ,لذلك أي قطع خلال هذا الطريق سيؤدي إلى عدم الإضاءة وبالتالي الطريقة الحية تمتاز بثلاث مميزات :
أولاً يجب أن يكون هنالك شيخ كامل ، ويجب أن يكون عالماً وليس كل عالم يجب أن يكون شيخاً يتصدر للإرشاد , لأن الشيخ الكامل هو طبيب روحي حكيم حاذق , يستطيع أن يعالج ما تعاني منه من أمراض روحية وأمراض نفسية ممكن أن يجتث هذه الأمراض ويجعل تربة قلبك صالحة ويجعل تربة قلب هشة إذا ما نزل عليها ماء الذكر وحقيقة الذكر ستنبت من كل زوج بهيج .
والشرط الثاني : فالشيخ الكامل يجب أن يتصل بسلسلة الطريقة هذه السلسلة يجب أن لا تكون منقطعة ، وهذا الشيخ متصل عبر هذه السلسلة ليصل إلى حضرة الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم).
والشرط الثالث في الطريقة الحية يجب أن تكون هنالك لمسة روحية ، وهي أن يضع الشيخ يده بيد المريد ، وعندما يردد أصول الطريقة وأصول إعطاء البيعة , قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) . فإعطاء البيعة هي اللمسة الروحية والشيخ يردد وأنت تردد كي تقبل منهج الشيخ , وإذا التزمت به سوف تصل إن شاء الله تعالى بعد الالتزام بأورادك وأذكارك ويحقق لك رطوبة الذكر في اللسان ثم تنقل أنوار هذا الذكر إلى القلب وإلى الروح وإلى الجوارح ، ومثال الطريقة الحية هي الطريقة العلية القادرية الكسنزانية هي طريقة حية تحقق هذه الشروط ، ففيها الشيخ الكامل وهو الشيخ محمد المحمد الكسنزان ، وهذا الشيخ متصل عبر سلسلة المشايخ إلى حضرة الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) ، وهذا مثال على الطريقة الحية ، وهناك طرق كثيرة موجودة في العالم وفي الأدب الصوفي ، ولكن لم يكن لها حضور الآن ، ونسميها طرق منقطعة وإن كانت صحيحة ، ولكن لا يتحصل الإنسان إذا أراد أن يعبد الله في تلك الطرق على ما يتحصل عليه من التعبد وفق الطريقة الحية .
وبارك الله فيكم .