بقلم : الخليفة الاستاذ مجيد حميد الشكر
ساداتُ برزنجةَ هم أَحفاد السيد عيسى البرزنجي الذي ينتمي الى الشجرةِ المحمدية المصطفوية التي أَصلها ثابتٌ وفرعها في السماء تُؤتيَ أُكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربها ، ويرتفع نَسبه الى الدوحةِ المحمدية العليَّةِ من سلالةِ الامام الحسين السبط
( عليه السلام ) فهو السيد عيسى ابن السيد بابا علي الهمداني ابن السيد يوسف ابن السيد محمد المنصور ابن السيد عبد العزيز ابن السيد عبد الله ابن السيد إسماعيل المحدث ابن الامام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ابن الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ابن الامام محمد الباقر ( عليه السلام ) ابن الامام علي زين العابدين ( عليه السلام ) ابن الامام الحسين السبط ( عليه السلام ) ابن الامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) وفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بنتِ رسول الله سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم .
أما لقبُ البرزنجي فقد اقترن باسم السيد عيسى نسبةً الى مدينةِ ( برزنجة ) التي قصدها السيد عيسى برفقةِ أخيهِ السيد موسى بإشارةٍ من جدِّهما حضرةِ المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم حيثُ أَقاما هناكَ بعدَ أنْ تركا همدان .
وتذكر المصدر التأريخية الموثوقة أَنَّ السيد موسى تُوفيَ ولم يُعَقِّبْ ، وأَنَّ كلَّ أولادِ السادةِ البرزنجيةِ الموجودينَ في العراق وتركيا وسوريا والحجاز والهند ينحدرون من السيد بابا رسول الكبير الذي يمثل الجيلَ التاسعَ ابتداءً من السيد عيسى ، وقد رُزِقَ السيد بابا رسول بثمانيةَ عشرَ ابناً وتسعِ بناتٍ ولكنْ لم يُعَقِّبْ من أبنائِهِ المذكورين غيرُ ستةٍ .
ومن الجديرِ بالذكر أنَّ السيد الشيخ بابا رسول الكبير كانَ عالماً مشهوراً اشتهرَ بالشجاعةِ والقوةِ والمنعةِ وكانَ يحكمُ منطقةِ برزنجةَ وشهرزور ( الاسم القديم للسليمانية وما جاورها ) ، كما أنَّ معظمَ فروع السادات البرزنجية في كردستان تعودُ الى أولادهِ ( رحمه الله ) ولم ينقطع تواجد وحضور السادة البرزنجية في هذه المناطق منذ أنْ حَلَّ فيها جَدَّهم الأكبر الشيخ عيسى ( رحمه الله ) بل كانوا وما زالوا أعلامَ هذهِ الديار ورموزَها وشخصياتها على مَرِّ السنين المنصرمةِ حتى يومنا هذا .
اِنَّ الله سبحانَهُ وتعالى قَدْ خَصَّ ذُريَّةَ السيد بابا رسول بالعنايةِ واللطفِ والحفاوةِ والتكريمِ فقد جَعَلَ منهم أولياءَ سادةً ، للسَّماءِ أقطاباً وعماداً ، وللأرضِ والجبالِ أعلاماً وأوتاداً ، وصيَّرهم للخلق غوثاً وإمداداً ، فهذا الشيخُ الربانيُّ والإمامُ المقدَّمُ سيدي إسماعيلُ الولياني ( قُدِسَ سرّهُ ) من تلك الذريَّةِ التي عَمَّ ضياءُ أنوارها الأرجاءَ وجاوزَ سنا بريقها الآفاق فهو صاحبُ الأحوال السنيةِ والكراماتِ الجلية ، نَذَر نفسه لإرشاد العباد وخدمةِ دينِ جَدَّه المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم فذاعَ صيتُهُ في النواحي والبلدان وكان عالماً كبيراً ومرشداً ربانياً وشيخاً للطريقةِ القادرية وله الكثير الكثير من الأتباعِ والمريدينَ ، وتوفى ( قُدِسَ سرّهُ ) عام 1158 هجري ، وله مرقدٌ ومزارٌ عامر في قرية ( روفيا ) القريبة من منطقةِ (عقرة ) وقدد جَدَّد السيد الشيخ محمد الكسنـزان الحسيني ( قُدِسَ سرّهُ ) مَرقَدَ جَدِّهِ السيد إسماعيل الولياني ( قُدِسَ سرّهُ ) بضريحٍ ذهبي غايةً في الفنِّ والجمال وكانَ هذا سنة ( 1481 ميلادي محمدي – 1427 هجري ) .
تنحدر العائلةُ الكسنـزانيةُ من نسلهِ المبارك ، ويرأسُ هذهِ العائلةَ السيد الشيخ الغوث عبد الكريم شاه الكسنـزان ( قُدِسَ سرّهُ ) الذي عرِفَ بزهدهِ وتقواهُ ومجاهداتِهِ وكراماتِهِ الباهرات فكان بحقٍ قطبَ زمانِهِ ووحيدَ عصرهِ وفريدَ دهرهِ وقد سار على خطاهُ ونهجهِ أَبناؤُهُ وأحفادُهُ من بعدهِ الذين تصدَّروا للإرشادِ ومشيخة الطريقة القادرية نخص منهم بالذكر :
السيد الشيخ الغوث عبد القادر الكسنـزان المهاجر ( قُدِسَ سرّهُ )
السيد الشيخ الغوث حسين الكسنـزان المهاجر ( قُدِسَ سرّهُ )
السيد الشيخ الغوث عبد الكريم الكسنـزان المهاجر ( قُدِسَ سرّهُ )
والسيد الشيخ محمد الكسنـزان الحسيني ( قُدِسَ سرّهُ ) الرئيس الحاضر للطريقة العلية القادرية الكسنـزانية في العالم الذي هو بحقٍ علم من أعلام العراق والعالم الإسلامي ونجمٌ لامع من نجوم سماءِ أهل الفكر والمعرفة لا لكونه شيخ طريقة صوفية فحسب بل لما يمتلكه من مؤهلاتٍ ذاتيةٍ هيأتهُ لأن يكونَ ذا صدارةٍ في كل المجلات وهيأتهُ كي يخلفَ والدَهُ السيد الشيخ عبد الكريم الكسنـزان الحسيني لمشيخةِ الطريقة القادرية ورعاية المريدينَ والأتباع ، وقد انتشرت الطريقة القادرية الكسنـزانية في عهدهِ في جميع أنحاء العراق فلا تكادُ تجدُ مدينةٍ أو قريةً إلّا ولهُ تكيةٌ يقصدها المريدونَ والأتباع بل جاوز ذلك البلدان الأخرى كإيران وتركيا والجمهوريات القوقازية والهند والباكستان وأمريكا وبعض دول أوربا ، مما يدلّ على باعِ الشيخ الطويل في المعرفةِ والتربيةِ والإرشادِ ، كما أنَّ للشيخِ محمد الكسنـزان ( قُدِسَ سرّهُ ) تصانيف ومؤلفات كثيرةِ منها : موسوعة الكسنـزان فيما اصطلح عليه أهل التصوف والعرفان وكتاب الطريقة العلية القادرية الكسنـزانية وكتاب الأنوار الرحمانية وكتاب جلاء الخاطر من كلام الشيخ عبد القادر وكتاب الصلوت الكسنـزانية وغيرها من المطبوعات ، وله أيضاً عدد آخر من الكتب والرسائل تحت الطبع ، وأما على مستوى الإنجازات العلمية فقد قام بتأسيس كلية الشيخ محمد الكسنـزان الجامعة والتي هي بمثابة نواة لجامعة أكاديمية مستقبلية ، وتأسيسه المجلس المركزي للطرق الصوفية وكذلك المركز العالمي للتصوف والدراسات الروحية إلى غير ذلك من الإنجازات .
ومما تجدرُ الإشارةُ إليهِ إنَّ السادةَ البرزنجية كان لهم حضور متميزٌ في بلاد الحجاز وخصوصاً في المدينة المنورةِ حيث هاجرَ بعضُ أبناء السيد الشيخ بابا رسول الكبير إلى المدينةِ المنورةِ طلباً للعلمِ وطلباً لمجاورةِ الحبيب الطبيب سيد الكائنات وفخرها سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، ومنهم السيد محمد المدني ابن السيد بابا رسول ، وقد ولد بشهرزور سنة 1040 هجري ولازم الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني لتلقي العلوم والمعارف الدينية والأدبية ودخل همدان وبغداد والقسطنطينية ومصر ، ثم توطَّنَ المدينة المنورةَ وتصَّدر للتدريس والإفتاء فيها ، وألَّفَ تصانيفَ كثيرةً وكانت وفاتهُ ( رحمه الله ) سنة 1103 هجري وَوُرِيَ الثرى بالمدينة المنورةِ ، وهو صاحبَ الأبياتِ الشعريةِ التي يُدَوَّنُ فيها كرامةَ امتدادِ الجذعِ في أيادي جَدِّهِ السيد عيسى وأخيهِ السيد موسى بَعَد أنْ أرادا أن يضعاهُ لسقفِ مسجد برزنجة الذي أسَّساهُ وعَمَّراهُ ، ولكَنَّّ الجذع كانَ قصيراً لا يلائم السقف ، فَسحَبَهُ كلٌّ من جهتهِ فامتدَ لهما بإذنِ الله تعالى في يديهما ، حيث يقول في ذلك :
جْذعانِ فَخري يَشهَدَانِ بِمجدي
جذعٌ هنا قََدْ كانَ حَنَّ لِجَدِّي
ثانٍ بِبَرزِنجا بمسجدِهــا الذي
مُوسى وعيسى أَسَّسَاهُ بِجِـدِّ
جَدِّي وعَمِّي امتدَّ في أَيديهـما
أَعظِمْ بِخَارِقِ جذعِنا الممتـدِّ
مَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فلَيس مِنِ اهلنـا
مِنْ أَهلِ بَلدتِنا فيكسبُ وِدِّي
وقَدْ سكنت ذرّيةُ السيد محمد المدني ( رحمه الله ) المدينةَ المنورةَ مع بعض العوائلِ البرزنجية ولا تزال محلتُهم قائمةً واسمها ( محلةُ البرزنجيين ) ، وقد أصبحَ بعضُهم مفتي الشافعيةِ في المدينةِ المنورةِ مثل : السيد جعفر ابن السيد حسن ابن السيد عبد الكريم ابن السيد محمد المدني ، وقد توفي ( رحمه الله ) بالمدينةِ سنة 1177 هجري ، ومن أحفادهِ السيد أحمد البرزنجي الذي ولد في المدينةِ المنورةِ وتعلم فيها وفي مصر وكانَ من مدرسي الحرم بالمدينة وتولّى إفتاءَ الشافعيةِ فيها ، وانتُخب نائباً عن المدينةِ المنورةِ في مجلس النواب العثماني بإسطنبول واستقر في دمشق أيام الحرب العالميةِ الأولى وتُوفي بها عام 1337 هجري وَوُرِيَ الثرى بالصالحيةِ ، وله مؤلفات منها :- مقاصد الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ، والمناقب الصديقية ، ومناقب عمر بن الخطاب ، والنظم البديع في مناقب أهل البقيع ، والنصيحة العامة لموك الإسلام والعامة ، فتكةُ البراض بالتركزي المعترض على القاضي عِياض ، وجواهر الإكليل .
إنَّ هذا العرضَ الموجزَ والذي أَردنا به أنْ نُذَكَِّرَ بهؤلاءِ الأعلامِ الذينَ غَصَّت كتبُ التراجمِ بِمناقِبِهم لا يمثل إلّا غيضاً من فيض .