إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
اللهم صلِ على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
إعداد علاء محسن
إلى سيد الكائنات والبشر جميعاً ، إلى النور الأعظم ، إلى سبب وجودنا ، ألف ألف صلاة عليك كما ينبغي لمقامك وعظيم شأنك ، يا حبيب قلوب الوالهين ، هل من شربة من يديك لا نظمأ بعدها أبداً
نحمدك اللهم يا من صلى على محمد بفيض ذاته فكان مجلي له في جميع تجلياته فهو روح الله المنفوخ في صورة آدم وطامة الحقائق الكبرى لسائر العالم فلا يصل واصل إلا إليه ولا يهتدي حائر إلا به .
الصلاة والتسليم عليه رحمة بعباده لتفريج الكروب وشرح القلوب ، وتيسير الأمور .
وكيف لا يكون؟ وهذا كله ثمرة من يصلي على رسول الله ،والله عز وجل يصلي على نبيه . فقد روي أن رسول الله ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) ، جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه ، فقال : إنه جاءني جبريل عليه السلام . فقال : إن ربك يقول لك: أما يرضيك يا محمد ألا يصلي عليك أحد من أمتك مرة إلا صليت عليه عشراً ، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشراً .
قال النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) : ما من عبد صلى عليَّ إلاَّ خرجت الصلاة مسرعة من فيهِ فلا يبقى برٌّ ولا بحرٌ ولا شرق ولا غرب إلاَّ وتمرُّ به وتقول: أنا صلاةُ فلان بن فلان، صلَّى على محمد المختار خير خلق الله فلا يبقى شيءٌ إلاَّ وصلَّى عليه، ويخلق من تلك الصلاة طائرٌ له سبعون ألف جناح، في كل جناح سبعون ألف ريشةٍ، في كلّ ريشة سبعون ألف وجهٍ، في كل وجهٍ سبعون ألف فم، في كلّ فم سبعون ألف لسان، كل لسان يسبح الله تعالى بسبعين ألف لغة، ويكتب الله له ثواب ذلك كُلِّه .
وعن الإمام علي كرم الله وجهه قال : أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم ، وحب أهل بيته ، وقراءة القرآن .
وقال أبو سليمان الداراني : من أراد أن يسأل الله حاجته ، فليكثر من الصلاة على النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) ، ثم يسأل حاجته ، وليختم بالصلاة على النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) فإن الله يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما .
روي عن ابن عمر أنهم جاءوا برجل إلى النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) شهدوا عليه أنه سرق ناقة لهم ، فأمر النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) بقطعه . فانصرف الرجل وهو يقول 🙁 اللهم صلِ على سيدنا محمد حتى لا يبقى من صلاتك شيء ، وسلم على سيدنا محمد حتى لا يبقى من سلامك شيء ، وبارك على سيدنا محمد حتى لا يبقى من بركاتك شيء ) . ثم ما لبث أن ظهرت براءته ، فأرسل النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) في إحضاره ، ثم سأله : يا هذا ما قلت آنفاً وأنت مدبر ؟ فأخبره بما قال ، فقال ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) : لذلك نظرت إلى الملائكة محدقين سكك المدينة حتى كادوا يحولون بيني وبينك . ثم قال له ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) : لتردن علي الصراط ووجهك أضوء من القمر ليلة البدر .
لا يؤمن المرء حتى يحب رسول الله ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) ، ويبلغ به الحب أن يكون ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) أحب إليه من أمه وأبيه وأولاده وأهله ، بل وأحب إليه من نفسه . ومن بلغ به الحب هذا المدى ، يشتاق إلى رؤيته ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) ولو كلفه هذا أن يقدم في سبيله كل ما يملك من مال ونفس .
وورد في القرآن الكريم صيغ عبودية بين الله وعباده ولم تكن بصفة العبودية الخاصة كقوله تعالى : عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا [ الكهف : 65 ] فمقام العبودية يعتبر أعلى مقام لأنه يدل بشكل مباشر على فناء العبد في مولاه وتندرج جميع الاعتبارات بعد ذلك تحت هذا المقام . ورسول الله ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) هو العبد الأول وفي أعلى مقام العبودية .
وبالعودة إلى الآية الكريمة المتعلقة بالصلاة على محمد وآله الأطهار .. إذا ما أمعنّا النظر في هذه الآية نلاحظ عدة أفعال وتكاليف :
الأول : فعل صادر من الله تعالى وهو الصلاة على النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) .
الثاني : فعل صادر من الملائكة وهو الصلاة على النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) .
الثالث: تكليف إلى الذين آمنوا بالصلاة على النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) .
الرابع : تكليف إلى الذين آمنوا بالتسليم على النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) .
الخامس : تكليف بالاجتهاد للوصول إلى ذروة التسليم أي التسليم المطلق .
أولاً : الصلاة من الله تعالى صادرة بمقتضى الرحمة الإلهية الأزلية السارية في القابليات وفي الوجود ، ولأن الله تعالى أبى أن تجري الأمور إلا بأسبابها ولأنه فياض ورحيم وحنان مطلق أفاض الوجود على الموجودات منذ الأزل ، والسبب في سريان هذه الرحمة هو الإنسان الكامل ولتربُع النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) على صدارة الموجودات والخلق كان سبباً في هذه الرحمة ودلت الصلاة على مكنون الفيض الإلهي منذ الأزل ، ولأن للموجودات حظاً في تلقي هذه الرحمة كُلاً بحسب قابليته كانت الصلاة على النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) القناة والسبب في وصول الرحمة إلى باقي الموجودات .
ثانياً : الصلاة من الملائكة على النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) تأتي من نوع آخر وهي اندراج الملائكة رتبياً تحت رتبة النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) لذلك كانت الصلاة منهم بمثابة الطاعة والخضوع للسبب الأول ومجرى الرحمة الإلهية على المستوى التكويني والتشريعي ومن المعروف أن العرش الإلهي الكوني الظاهري مليء بالأسباب الإلهية الظاهرة وهذه الأسباب تتجلى بالملائكة من أعلى ذروة عالم الجبروت إلى أدنى مراتب عالم الناسوت وهذه الأسباب تساعد جميع الموجودات في هدفها من تحقق الوجود والوصول إلى كمال الوجود ولأن المساعد في هذا الهدف يجب أن تأتي من أبوابها ومن السبب الأول كانت الصلاة على النبي وآله تأتي لتبرز مكنون الملائكة في الانصياع والطاعة للسبب الأول في الوجود .
ثالثاً : ( رأس الأعمال معرفة الله ) . إن هدف البشر أولاً هو المعرفة الحقيقية الدالة على الإرادة الإلهية ثم التحقق بهذه المعرفة بحيث تصبح المعرفة أولاً وتخرج من مقام العلم إلى مقام الفعل فإذا علم البشر حقيقة الوجود وجب أن يكونوا صورة عن المولى جل وعلا ( خلق الله آدم على صورته ) .
فتحققت فيهم صورة الصلاة على النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) وليس بنحو الفيض كما الحال في الصلاة الصادرة من الذات الإلهية وإنما من باب تقبل الفيض الإلهي والإعلان عن تقبل الفيض الإلهي يكون بالصلاة على النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) .
رابعاً : إن الصلاة وتقبل الفيض لا يأتي مع وجود العلائق والعوائق فلا بد من إزالة وإزاحة جميع الصور والرواسب في طريق تقبل الفيض بحيث يكون الإنسان عندها مثالاً لمعنى الإنسانية فيأتي التسليم وهو إزالة كل العوائق في مقام تحقق الإرادة الإلهية .
خامساً : لكن أي نوع من أنواع التسليم الذي يأخذ الإنسان إلى صدارة الوجود ؟ إنه التسليم المطلق والاجتهاد بالتسليم بحيث تصبح إرادة النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) الدالة على إرادة الله تعالى هي السارية في الوجود ويتحقق في الإنسان صورة الإنسان الكامل وهي الصورة الإلهية التي أرادها الله تعالى وهي السعادة المطلقة . لذلك كان النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) قدوة للجميع لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وأراد النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) للبشر أن يصلوا إلى هذا المقام إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وما هو مقام الحب الإلهي ؟ ( ما زال يتقرب إلي عبدي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به وسمعه الذي يسمع به ويده التي يبطش بها ) فتحققت في هذا الإنسان جميع الصفات الإلهية ويصبح صورة عن الكمال المطلق .
وإذا ما لاحظنا بين جميع الأعمال العبادية والتكليفية أن الأمر المشترك بين جميع الموجودات هو الصلاة على محمد وآله الأطهار ، لاشتمال جميع الموجودات الأخرى تحت الذين آمنوا لأنه ما من موجود إلا وهو مؤمن تكوينياً وإن من حيث تحقق وجوده وإن من حيث إدراكه بالوجود . فتكون الصلاة بمثابة الطاقة والروح الذي يغذي الوجود من أعلاه إلى أدناه .
وتقسم هذه الصلاة إلى :
1 . الصلاة التكوينية : وهي الصلاة التي تصدر من الرحمانية الإلهية والتي ينبسط فيها الوجود وتشمل جميع الملائكة من عالم الجبروت وعالم الملكوت نزولاً إلى عالم الناسوت والهيولي بحيث تتخذ الأعيان الثابتة مكانها وينفخ في القابليات أشكالها وسعتها فتصبح ظاهرة بالمظاهر الإلهية ببركة الصلاة على محمد وآله الأطهار .
2 . الصلاة التشريعية : وهي الصلاة التي تصدر من الرحيمية الإلهية التي تجذب الإنسان والموجودات جميعاً إلى كمال الوجود وتشتمل جميع المؤمنين والسالكين ، بحيث ينجذب كل مؤمن بحسب درجته نحو المصدر الحقيقي للوجود ويتجلى فيه الإيمان أكثر بحسب تسليمه للنبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) الذي هو عين التسليم لله تعالى .
ومن جهة ثانية فإن للصلاة فائدة عظيمة للإنسان وذلك مما ورد على لسان العارفين في فضل بيان الصلاة للعباد كونها ( طيباً لخلقنا ، وطهارة لأنفسنا ، وتزكية لنا ، وكفارة لذنوبنا ) وإذا ما أردنا تفسيراً أعمق وفيه الكثير من الإشارات والأسرار ، علينا أن نفهم أن الصلاة هي الدعاء وأفضل الدعاء هو الدعاء للغير وأفضل الغير هو الإنسان وأفضل إنسان هو الإنسان الكامل وأفضل إنسان كامل هو النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) وأفضل صلاة هي الصادرة من الله تعالى ، لذلك تكون الصلاة أفضل الأعمال كما ورد في الرواية الشريفة .
وقال تعالى : هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ والنور حقيقة محمد ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) فما في الوجود إلا آله وهم مظاهر حقيقته الجامعة فالصلاة على آله لكشف الوصلة التامة به ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) ولذلك انتسب إليه آدم عليه السلام فقال: أنت ابن جثمانيتي ووالد روحانيتي، فبنوا آدم مندرجون في آدم والكل مندرجون في محمد ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) ومن اندرج به فهو من آله ولذا قال : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة فيوم القيامة كلهم يلوذون بهذا السيد فمنهم المدعو ومنهم المتطفل على الكرم : كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً ، والحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .