اعترض البعض بحجج واهية على السبحة ، وفيما يلي خلاصتها والرد عليها :
الشبهة الأولى
قالوا : إن الرسول ﷺ كان يعقد التسبيح أي يعده على أصابعه لتشهد له فإنهن – أي الأصابع – مسؤولات مستنطقات واستدلوا بروايتين : إحداهما لأبى داود قال فيها : ( يعقد التسبيح بيمينه ) والثانية للترمذي قال فيها : « يعقد التسبيح بيده » (1) .
رد الشبهة
إن القول بأن الرسول عقد التسبيح بيده ، فالحق أنه وإن عقد التسبيح بيده لم ينكر على من سبحوا بالنواة أو الحصى أو غيرها ، علما بأن اليد التي تعقد التسبيح دون واسطة هي ذات اليد التي تعقد بواسطة السبحة ومن ثم فإن السبحة لا تمنع استنطاق الأنامل ومسؤوليتها ولا تحرمها من النور الذي يفاض عليها من جراء التسبيح .
وإننا نرى مع السيوطي « أن المسبح إن أمن الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أولى »(2) .
الشبهة الثانية
زعموا أن في اتخاذ السبحة شبهة الرياء والسمعة ، وعلى هذا فإن تركها عندهم أفضل وأسلم للدين .
رد الشبهة
إن شبهة الرياء والسمعة كما تقال عن السبحة تقال أيضاً عن كل عبادة ، فهل نترك كل العبادات لاحتمال مظنة الرياء والسمعة فيها ؟
الشبهة الثالثة
قالوا : إنها بدعة لم يتخذها رسول الله ﷺ ولم يتخذها الصحابة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
رد الشبهة
جاء عن رسول الله ﷺ : ( من سنة سنة حســنة فله أجرها وأجـــر من عــمل بها إلى يوم القيامة )(3) ، ولهذا أفتى العلماء بخطأ التعميم في الحكم على كل المحدثات بأنها ضلالة ، وقالوا :
إن في البدع أو المحدثات ما هو واجب كوضع علم العربية وتعليمه .
ومنها ما هو مندوب كإقامة المدارس .
ومنها ما هو محرم كتلحين القرآن الكريم بما يخرج بألفاظه عن وضعه العربي .
ومنها ما هو مباح كوضع الأطعمة على الموائد .
وقد جاء في شرح المشكاة لإبن حجر ما يأتي : « ويستفاد من الأمر بالعقد ندب اتخاذ السبحة وزعم أنها بدعة غير صحيح » (4) .
الشبهة الرابعة
قالوا : قد حكم أن مطلق العدد بدعة فما بالك بالعد بالسبحة ؟
رد الشبهة
يكفي للرد على منكري العدد أن نرجعهم إلى الأحاديث والآثار التي نصت على أن بعض الصحابة كان له ورد معين كأن يكون إثني عشر ألف تسبيحة كورد أبي هريرة ، أو أربعين ألف تسبيحة كورد خالد بن سعدان ، أو مائة ألف تسبيحة كأبي الدرداء ، وسبق أن ذكرنا كذلك كان ورد بعض التابعين ثلاثين ألفا ، وكان ورد بعضهم في الركعات ثلاثمائة ركعة وورد آخرين ستمائة إلى ألف ركعة (5) .
وأما من السنة المطهرة فالأحاديث التي سنت تسابيح وصلوات بأعداد مخصوصة أوضح من أن تذكر كصلاة التسابيح التي حددت بـ( 300 ) تسبيحة و كالتسابيح دبر كل صلاة المحددة بـ( 99 ) تسبيحة ، والاستغفار المحدد بمئة أو سبعين يومياً وغيرها مما لا يدع لمشكك بالعدد سبيل ، وبهذا تسقط شبهة ذم السبحة لأجل العدد .
ومن الجدير بالذكر هنا ما ذكره السيوطي بهذا الشأن حيث قال : ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة ، بل كان أكثرهم يعدون بها ولا يرون ذلك مكروهاً ، وقد رؤي بعضهم يعد تسبيحاً فقيل له : أتعد على الله ! فقال : لا ولكنني أعد له . والمقصود أن أكثر الذكر المعدود الذي جاءت به السنة الشريفة لا ينحصر بالأنامل غالباً ، ولو أمكن حصره لكان الاشتغال بذلك يذهب الخشوع(6) .
الهوامش:
[1] ابن الجزري – الحصن الحصين ( بهامش خزينة الأسرار ) – ص 12 .
[2] الشيخ جلال الدين السيوطي – مخطوطة المنحة في السبحة – ص4 .
[3] ورد بصيغة اخرى في صحيح مسلم ج: 4 ص: 2059 ، انظر فهرس الاحاديث .
[4] انظر : السبحة . مشروعيتها – أدلتها – د . حسن الشيخ الفاتح – ص16 .
[5] الشيخ ابو طالب المكي – قوت القلوب – ج1- ص40-41 وأبو حامد الغزالي – إحياء علوم الدين – ج4 ص35 .
[6] الشيخ جلال الدين السيوطي – مخطوطة المنحة في السبحة –ص9 .
المصدر :
السيد الشيخ محمد الكسنزان – موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه اهل التصوفو العرفان ج11 مادة(س ب ح).