السائل : عامر محمد الحيالي القادري – العراق / الموصل
كريم عبد الله – العراق
السؤال :
حلق اللحية من جهة واطالة شعر الرأس من جهة أخرى .. حقيقتهما .. واصلهما في الدين ..؟
الجواب :
فيما يتعلق باللحية ، لا يختلف اثنان في صحة الأحاديث الواردة بشأن إعفاءها وقص الشوارب(1) وإنما في حكم هذا الإعفاء وذاك القص ، فهل الإطلاق واجب والحلق محرم ام الإطلاق من سنن الفطرة والحلق مكروه ؟ هذا هو موطن الخلاف ، والأدلة على وجود هذا الخلاف وعدم قطعية الحرمة بالحلق كثيرة نذكر منها : · قال جمهور الشافعية : يكره حلق اللحية (2) وذا الرأي هو المعتمد عند الغزالي والقاضي زكريا الأنصاري وابن حجر في التحفة والرملي في الفتاوى المطبوعة بهامش فتاوى ابن حجر(3) والخطيب وغيرهم(4) , والقول بالكراهة لحلق اللحية صرح به في كتاب الشهادات البجيرمي في حاشيته على شرح الخطيب لمتن أبي شجاع في الفقه الشافعي. وتبعهم بعض المعاصرين كالدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي حيث ذهب إلى أوسط الأقوال في اللحية واقربها واعدلها كما يرى وهي القول « بالكراهة فإن الأمر لا يدل على الوجوب جزما وإن علل بمخالفة الكفار، وأقرب مثل على ذلك هو الأمر بصبغ الشيب مخالفة لليهود والنصارى، فإن بعض الصحابة لم يصبغوا، فدل على أن الأمر للاستحباب »(5). · قول بعض الحنفية المتأخرين باستحباب إعفاء اللحية وليس الوجوب وتبعهم عليه بعض المعاصرين كالشيخ جاد الحق – شيخ الأزهر السابق – الذي أكد على ان مسألة اللحية من المسائل الفقهية الفرعيَّة ، والحق عنده ان الأحاديث الشريفة التي وردت فيها دالة على الترغيب في الإبقاء عليها ، والعناية بنظافتها، وعدم حلْقها، كالأحاديث المُرغِّبة في السواك، وقصِّ الأظافر، واستنشاق الماء.. وقال « وممَّا اتفق الفقهاء عليه ـ أيضًاـ أن إعْفاء اللحية مَطلوب، لكنهم اختلفوا في تكييف هذا الإعفاء، هل يكون من الواجبات أو مِن المندوبات، وقد اختار فريق منهم الوجوب … وذهب فريقٌ آخر إلى القول بأن إعفاء اللحية سُنَّة يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، وحلْقها مَكروه، وليس بحرام، ولا يُعَدُّ مِن الكبائر »(6). · القاضي عياض من جهته وهو من أئمة المالكية، قال بكراهة حلق اللحية (7) وقد لخص الدكتور محمد سيد أحمد المسير-أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر هذه المسألة بقوله : اختلف العلماء في حكم إطلاق اللحية، والذي نراه ونطمئن إليه أنها سنة تُفعل عند المقدرة وعدم الموانع، ويستطيع كل إنسان أن ينوي إطلاقها إذا كان غير مطلقٍ لها، ويتخير الوقت المناسب لإطلاقها إذا كان يجد في مجتمعه أو بيئته بعض الموانع والمضار، وليس الأمر يتوقف على المظهر وحده إنما نحن في حاجة إلى مخبر ومظهر، وإلى عقيدة وسلوك ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الموضوعات المتعلقة باللحية أو الثوب القصير أو الإسبال مصادر خلافات ومنازعات، فإن قضايا الإسلام أعمق من ذلك كله، وهناك أولويات في فقه الدعوة يجب أن نراعيها حتى لا تتبدد الجهود ونستهلك الوقت والعقل فيما لا طائلة من ورائه . · الشيخ عبد الرزاق القطان -مقرِّر هيئة الفتوى والرقابة الشرعيَّة ببيت التمويل الكويتي-: اللحية معدودة في السنن المؤكدة عند جمهور العلماء، على خلاف في ذلك بين موجب وغير موجب، مع أنه لم ير بعض الفقهاء شيئاً في حلقها لغير عذر. وأما حلقها لعذر؛ سواء كان بدنياً من مرض حساسية مثلاً، أو غيره، أو كان عذراً عاماً: كمتطلبات مهنة، أو متطلبات أمن، فإن حالقها معذور. على أنه ينبغي التنبه إلي قضية هامة، وهي أنه لا يمكن إلزام جميع المسلمين بقول واحد في المسائل الخلافية، كما أنه لا يجوز أن يشنع المسلم على الآخرين إذا خالفوه في مسائل الخلاف. · الشيخ محمد الجزار أمين لجنة الفتوى بالأزهر قال : « أجمع العلماء على أن إطلاق اللحية سنة مؤكدة وليست فرضًا، وبالتالى حلق اللحية لا شىء فيه من الحرمة ، وإطلاق اللحية هو سنة من سنن الفطرة، وليست شرطًا من شروط الإسلام، والله تعالى أعلم »(8). · د. أحمد الحجي الكردي ، خبير في الموسوعة الفقهية، وعضو هيئة الإفتاء في دولة
الكويت : إعفاء اللحية للرجل سنة عند بعض الفقهاء وواجب عند البعض الآخر، وعليه فخلقها حرام عند بعض ومكروه عند البعض الآخر(9). ولو أردنا ذكر جميع الأقوال والآراء في اللحية فلسوف نجد ان العلماء اختلفوا قديماً وحديثاً في الأخذ من اللحية أو نتفها أو حلقها أو إطلاقها دون أخذ منها، وما بين منكر لنتفها أو حلقها وجعل ذلك بدعة محرمة وبين مجيز لذلك وجعله من سنن الفطرة التي هي من المستحبات أو المكروهات ومنهم من قال هي سنة واجبة ومنهم من جعلها سنة مؤكدة ومنهم من جعلها من المستحبات ومنهم من جعلها من سنن العادات- عادت القوم والبيئة- ومنهم من جعلها من خصائص النبي . وكل العلماء القائلون بتلك الآراء مجتهدون على مختلف العصور، ولم ينكر بعضهم على بعض اجتهادهم وإنما قبلوا هذا الاختلاف الذي هو نوع اختلاف التنوع وليس التضاد. لذلك يقول الشيخ محمود شلتوت : نخرج من هذا بأن اللحية أو حلقها من الأمور المختلف فيها- كما تقدم-ولذلك فمن أطلق لحيته أخذاً برأي من قال بوجوب إطلاقها- جزاه الله على فعله إحساناً ولكن لا يجوز له أن ينكر على من أخذ بالآراء الفقهية الأخرى أو رميه بالفسق أو الابتداع أو غيره لأنه يلزمه بذلك أن يرمى الصحابة والتابعين الذين أطالوا شواربهم أو حلقوها تماما أو تركوا الصبغ أو صلوا حفاة بأنهم مبتدعون أو واقعون في الحرام ، وهذا خطر عظيم يقع فيه من لم يحيطوا بعموم المسائل. ويقول: والحق أن أمر اللباس والهيئات الشخصية ومنها حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينـزل على استحسان البيئة فمن(وجدت) بيئته على استحسان شئ منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذاً عن البيئة . وعملا باجتهادات العلماء المختلفة يرى الشيخ محمد الكسنـزان : ان لا يقيد المريد نفسه بحكم محدد في هذه المسألة ، بمعنى انه لا إشكال في الإطلاق او الحلق حسب الزمان والمكان وما يكون فيه مصلحة الإرشاد والدعوة الى الله . وقول اهل الطريقة بذلك ليس بجديد فقد روى ابن كثير في تاريخه في فتح بيت المقدس أن صلاح الدين أمر جنوده أن يحلقوا لحاهم ويغيروا من ثيابهم وهيئتهم لخداع العدو ولمصلحة المسلمين ولم ينكر عليه أحد مع العلم بأن صلاح الدين كان عالماً محدثاً وكان في عصره مئات العلماء والأئمة ولم يؤثر عن أحدهم إنكار ذلك، بل ابن كثير يسوق هذا الخبر سياق المشيد بحكمة صلاح الدين وحسن تصرفه(10). واذا تمسك البعض بوجوب اطلاق اللحية فلماذا لا يتمسك بوجب إطالة شعر الرأس وهو مما ورد في صحيح السنة المطهرة بما لا يمكن إنكاره ، وبالتالي فالعجب ممن يعجب من إطالته . فقد روي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما انه قال : كان النبي ﷺ مربوعا بعيد ما بين المنكبين له شعر يبلغ شحمة اذنيه رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه . وقال يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه : إلى منكبيه (11). أي ان طول شعره ﷺ يصل إلى منكبيه او لا اقل من شحمة أذنيه الشريفين ، وفي رواية قتادة عن انس بن مالك رضي الله عنهما ان شعرهﷺ ليس بالسبط ولا الجعد بين أذنيه وعاتقه (12). وقد عبرت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن طول شعره ﷺ بلفظ آخر فقالت : « كان لهﷺ شعر فوق الجمة ودون الوفرة »(13) ، ومعنى الجمة هو الشعر النازل إلى المنكبين والوفرة ما بلغ شحمة الأذن ، أي ان شعره ﷺ كان بين الأذن والمنكبين . وفي رواية أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنهما انها قالت : « قدم رسول الله ﷺ مكة قَدْمة وله أربع غدائر »(14). وفي رواية ظفائر، وكل من الغديرة والظفيرة بمعنى الذؤابة وهي الخصلة من الشعر إذا كانت مرسلة . ومن الجدير بالذكر ان صفة تطويل حضرة الرسولr لشعره قد ورد ذكرها في المبشرات بظهوره في الكتب السماوية السابقة ومنها ما ذكره الحافظ الأصبهاني في كتابه دلائل النبوة (ص49) ما نصه: « هو نبي قد امرنا عيسى بأتباعه … ليس بالأبيض ولا بالادم ، يعفي شعره » أي يطلقه . فكل هذه الروايات تشير إلى جواز هذه الأوجه كلها من إطالته إلى الأذنين او المنكبين أو إلى حد ظفر الظفائر وغيرها . ولقد أمر رسول الله < بإكرام الشعر الطويل وترتيبه ففي الحديث الذي رواه النسائي في صحيحه عن أبي قتادة انه كان له جمة ضخمة – أي ان شعره نازل على منكبيه بكثافة – فسأل النبيr فأمره أن يحسن إليها وان يترجل كل يوم – أي يمشط شعره – وفي رواية : قلت: يا رسول الله : إن لي جمة ، أفأرجلها ؟ قال: نعم ، أكرمها . فكان قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من اجل قولهﷺ : أكرمها (15). وروي عن ابي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : ( من كان له شعر فليكرمه ) (16). وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال النبي ﷺ : ( الشعر الحسن من كسوة الله فأكرموه ) (17) وقال : (من اتخذ شعراً فليحسن ولايته) (18) . وعلى هذا فمن الناحية الشرعية لا شيء في إطلاق شعر الرأس وإطالته البتة ، وهو على اقل تقدير من المباحات في الشريعة الإسلامية كما قال العلامة محمد بن صالح العثيمين :« أنّنا لا نأمر النّاس باتّخاذ الشّعر، بل نقول إن اعتاده الناس و صار الناس يتخذون الشّعر ،فاتّخذه لئلا تشذ على العادة و إن كانوا لا يتخذونه كما هو معروف الآن في أهلنا فلا تتخذه و لهذا كان مشايخنا الكبار كالشيخ عبد الرحمن بن سعدي، و الشيخ محمد ابن إبراهيم و الشيخ عبد العزيز بن باز و غيرهم من العلماء لا يتخذون الشّعر لأنّه ليس بسنّة و لكنّه عادة ،والله الموفق »(19).و قال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني : كان لهﷺ شعر طويل تارة يبلغ شحمتي الأذنين، فإن طال بلغ رؤوس المنكبين، بل ثبت انّه ﷺ لما دخل مكة دخلها و له أربع غدائر ( ضفائر) هل هذه الإطالة للشَّعر أولا ثمَّ تضفيرها و جعلها غدائر . وهو ما دفع الألباني إلى الاستنتاج : ان إطالة الشعر ليس سنّة تعبدية و إنما هي سنة عادية(20). ويدعم ما سبق ايضا انه ورد عن حضرة الرسول الأعظم ﷺ انه رأى رجلاً أشعثاً فقال: ( أما يجد هذا ما يسكن به شعره ) ولم يأمره بالحلق ، بل بالغسل والترجيل والدهن ، فاعتنى هذا الرجل بشعر رأسه(21) .
وفي الخلاصة يمكن القول : اننا لو تمشينا مع تحريم حلق اللحية لمجرد المشابهة في كل ما عرف عن اليهود والنصارى من العادات والمظاهر الزمنية لوجب علينا الآن تحريم إعفاء اللحى لأن إطلاقها الآن هو شأن الرهبان في سائر الأمم التي تخالفنا في الدين . وكما هو معلوم في المسائل الخلافية يحق ترجيح احد الآراء بما يراح المرجح مناسبا ولا إشكال في ذلك .
الهوامش:
[1] – ومنها قوله < في الحديث المروي عن ن بن عمر ( رضي الله عنهما ) عن النبي قال : ( خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب ) ، صحيح البخاري – ج5 ص 2209 .
[2] – الفقه على المذاهب الأربعة – عبد الرحمن محمد الجزيري – تحقيق محمد رمضان – دار الأرقم – ط1- 2004 – ج2 ص 54 .
[3] – فتاوى الرملي – شهاب الدين احمد بن حمزة الانصاري الرملي الشافعي – باب العقيقة – ج5ص 218 .
[4] – تحفة الطالبين – شطا البكري الدمياطي – ج2 ص 386 . [5] – مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية – الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي – مؤسسة الرسالة بيروت – ط1 – 1993 – ص76 .
[6] – بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة – شيخ الأزهر السابق الشيخ جاد الحق على جاد الحق – الأزهر الشريف – القاهرة – 1995 – ج4 ص 221 .
[7] – ذكره النووي في ( الفتح ) شرح مسلم – دار احياء التراث العربي – بيروت – ط2 – 1392 هـ – ج3 ص 149
[8] – شبكة الفتاوي الفقهية – http://www.islamic-fatwa.com/index.php?module=fatwa&id=1342
[10] – انظر : البداية والنهاية – ابن كثير – مكتبة المعارف – بيروت – ج12 ص 412 .
[11] – صحيح البخاري – ج3 ص 1303 .
[12] – صحيح البخاري – ج5 ص 2211 .
[13] – سنن الترمذي – تحقيق احمد محمد شاكر – دار احياء التراث العربي – بيروت – ج4 ص 233 .
[14] – سنن ابن ماجه – تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي – دار الفكر – بيروت – ج2 ص 1199 .
[15] – موطأ مالك – تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي – دار احياء التراث العربي – مصر – ج2 ص 949 .
[16] – سنن ابي داود – تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد – دار الفكر – ج4 ص 76 .
[17]- الطبرسي – مكارم الاخلاق – ص70 .
[18]- المصدر السابق – ص69.
[19] – شرح رياض الصالحين – محمد بن صالح العثيمين – ج4 ص 188 .
[20] – شريط ( سنن العادة و العبادة ) – َ من تسجيلات سلسلة الهدى والنور – برقم 1367 .
[21] – انظر : المستدرك على الصحيحين – محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري – تحقيق مصطفى عبد الثادر عطا – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 – 1990 – ج4 ص 206 .