السائل : ود النور
البلد : السودان
السؤال :
هل للولي الكامل تصرف يكرمه به الله تعالى في الدنيا فقط ام في الدنيا والآخرة ؟
الجواب :
يطلق الصوفية على كرامات التحريك او التأثير في الأشياء الكونية مصطلح (التصريف) او ( التصرف ) بلا فرق ، وهي كرامات معروفة شهد لها القرآن الكريم كما في قصة نقل عرش بلقيس من سبأ إلى فلسطين في اقل من طرفة عين ، وكما في طراوة جذع النخلة للصديقة مريم عليها السلام حين هزته فتساقط عليها رطبا جنيا في غير أوانه وما إلى ذلك من كرامات كثيرة ..
وقال ابن الأثير في كتاب أسد الغابة , روى محمد بن المنكدر عن سفينة مولى رسول انه قال : ركبت سفينة فانكسرت فركبت لوحاً منها فطرحني إلى الساحل فلقيني أسد فقلت يا أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله قال فطأطأ رأسه وجعل يدفعني بجنبه أو بكتفيه حتى وقفني على الطريق فلما وقفني على الطريق همهم ففهمت انه يودعني (1).
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال : رأيت من العلاء بن الحضرمي أشياء لا أزال أحبه أبدا , رأيته قطع البحر على فرسه يوم دارين , وقدم من المدينه يريد البحرين , فلما كانوا بالدهناء نفد ماؤهم فدعا الله فنبع لهم من تحته رملة فارتووا وارتحلوا , ونسي رجل منهم بعض متاعه فرجع فأخذه ولم يجد الماء . وخرجت معه من البحرين الى صف البصرة فلما كنا بلياس مات ونحن بغير ماء فأبدى الله لنا سحابة فمطرنا فغسلناه وحفرنا له بسيوفنا ولم نلحد له ودفناه ومضينا فقال رجل من أصحاب رسول الله ﷺ دفناه ولم نلحد له فرجعنا لنلحد له فلم نجد موضع قبره (2).
وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه : أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما كانا عند رسول الله ﷺ: في حاجة حتى إذا ذهبت من الليل ساعة وهي ليلة شديدة الظلمة , خرجا وبيد كل واحد منهما عصا , فأضاءت لهما عصا أحدهما فمشيا في ضوئها حتى اذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه , فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله (3).
ومما حكي عن التصرف عند الصوفية ما نقل أن العز بن عبد السلام قال في حروب المسلمين مع الفرنجة يا ريح خذيهم فأخذتهم الريح حتى قيل أن الله لم يزل يكرم هذه الأمة حتى كان منها من سخرت له الريح (4).
إن كرامات الأولياء إنما هي تصرف بإذن الله تعالى ، لا بتأثير مؤثر ، ولا بقوة أخرى مودعة ، وإذا كانت كذلك لا تتغير بموتهم بل هي بعد الحياة أولى منها ، لأن النفس أصفى ، والروح أنقى ، وإظهارها أحوج ، وكم رُئِيَت لكثير من المستورين كرامات لم تظهر إلا بعد انقضاء حياتهم ، وبعضهم ظهرت قبيل موتهم بعد أن كان سرهم مع الله تعالى ، فلما أظهرها اختاروا لقاءه كتماناً للسر ، ثم إنه لا ينعزل الولي عن ولايته بالموت ، ولا يخرج منها كالأنبياء في نبوتهم ، لأن الاختصاص باقٍ كحال الحياة ، وليس معلقاً بها الحاجة ، بل اختار الله تعالى من شاء من خلقه لولايته امتياز باق ما بقي على العهد ، لا فرق بين حياة وممات أو إقامة وانتقال ، أو ظعن وسفر (5) ، ولهذا يقول الحافظ جلال الدين السيوطي : ان تصريف كل وليّ حيا وميتا على مقتضى القدرة الأزلية والعلم القديم ، انما هو تابع لتصريف المصطفى وبأذنه وهو بأذن الله (6) ، أي ان تصرف الأولياء يأتي وفق الإرادة والمشيئة الإلهية كما يقول الشيخ محمد أبو المواهب الشاذلي : « التصريف : ان يعطى للكامل إذنه فيما قل وجل من المضار والمنافع ، ومن دونه يتصرف بالإذن بحسب النوازل والوقائع . ومن أعطى التصريف لا يخرج عن مشيئة الفاعل بالاختيار، ومن زعم غير ذلك حجبت عنه المعارف والأنوار »(7) .
ان هذه المرتبة التي يبلغها الولي انما هي ثمرة الطاعة التامة والمحبة الخالصة لله تعالى والتي اذا وصلها اطاعته الاشياء لطاعته التامة لله تعالى وقد جاء في الأثر : « ياعبدى أنا أقول للشىء كن فيكون أطعنى أجعلك تقول للشىء كن فيكون » وقد عقب ابن تيميه في فتاواه على هذا النص بقوله : « وهذه غاية ليس وراءها مرمى كيف لا وهو بالله يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشى فلا يقوم لقوته قوة »(8).
الهوامش:
[1] – اخرجه الحاكم ( 3 / 606 ) وقال : صحيح على شرط مسلم , ووافقه الذهبي , وابن الجوزي في صفة الصفوة ( 1 / 671 ) وابو نعيم في الحلية ( 1 / 368 ) .
[2] – الطبقات الكبرى ج: 4 ص: 362 ، سير أعلام النبلاء ج: 1 ص: 265
[3] – صحيح ابن حبان ج: 5 ص: 378
[4] – طبقات الشافعية – الطبقة الثانية .
[5] – أبو محمد الخلال –كرامات الأولياء ص 14 – 15 .
[6] – الشيخ محمد بن يحيى التادفي – قلائد الجواهر – ص 94 .
[7] – الشيخ محمد الطاهر المجذوب – الوسيلة إلى المطلوب في بعض ما اشتهر من مناقب الشيخ محمد المجذوب – ص 131 .
[8] – كتاب مجموع الفتاوى، الجزء 4، صفحة 377