السائل : مرتضى عبد الباقي
البلد : العراق
السؤال :
بعد وفاة الرسول انقطع الوحي فكيف تصل التعليمات الى الشيخ ويستحدث تعاليم الصوفية ؟
الجواب :
بالنظر إلى أهمية وخطورة هذا السؤال ولحرصنا التام على الارتكاز في مثل هذه الأسئلة التشكيكية على أدلة شرعية ثابتة ومتفق عليها ، فلقد إرتئينا ان نحيل هذا السؤال إلى جواب اقتبسناه دون تصرف من فم قائله وهو من علماء الشريعة المعروفين على المستوى الإعلامي : لم يقل العلماء المعتدلون الذين اهتدوا بالكتاب والسنة بسد باب الإلهام والكشف ونور البصيرة ، وإنما أرادوا أن يقيدوه بالأصول والضوابط التي تمنع دخول الوهم والكذب والغلو فيه … هذا ما يراه الربانيون من علماء السنة ، فهم لا ينكرون أن يقذف الله في قلب عبد من عباده نوراً يكشف له بعض المستورات والحقائق ، ويهديه إلى الصواب في بعض المواقف والمضايق ، بدون اكتساب ولا استدلال ، بل هبة من الله تعالى وإلهام منه . ومن آمن بقدرة الله تعالى على كل شيء ، وآمن بأثر الإيمان والعبادة والمجاهدة في تفجير الطاقة الكامنة ، لم يستبعد أن يقع الكشف والإلهام من الله لبعض عباده المؤمنين الصادقين ، في بعض الأحوال والأوقات »(1) .
و« لا نزاع في أن الإيمان والعبادة والتقوى ، ومجاهدة النفس ، لها أثر في تنوير العقل ، وهداية القلب ، والتوفيق إلى إصابة الحق في الأقوال ، والسداد في الأعمال ، والخروج من مضايق الاشتباه إلى باحات الوضوح ومن اضطراب الشك إلى ثبات اليقين . ولا نزاع كذلك في أن يكشف الله لبعض عباده حقائق العلم ، وأنوار المعرفة ، في فهم كتابه أو سنة نبيه ، بمحض الفيض الإلهي والفتح الرباني ، ما يلهث كثيرون ليحصلوا عليه بالمذاكرة والتحصيل ، فلا يظفرون بما يدانيه … ولا نزاع كذلك في أن يوهب بعض الناس من صدق الفراسة وقوتها ما يستطيع به أن يكشف شخصية المرء يلقاه بنظرة إليه أو كلمة يسمعها منه ، او يقرأ أفكاره ، أو يعرف بعض ما يجول بنفسه . وهي موهبة فطرية لدى بعض الناس تقويها الرياضة والمجاهدة ، وتنميها تقوى الله تعالى ، ويصقلها الإيمان بالله تعالى وبالدار الآخرة ، حتى أن المؤمن لتصدق فراسته ، كأنما ينظر بنور الله ، وينطق بلسان القَدَر ، ويبصر الغيب من وراء ستر رقيق كما لا نزاع في الإلهام والكشف من باب الكرامات والخوارق التي يكرم الله بها بعض أوليائه المتقين ، فيقرب لهم البعيد ، أو يكثر على أيديهم القليل ، او يكشف لهم بعض المستور من غيوب المستقبل ، أو مكنونات الصدور ، أو خفايا الأمور ، او يذلل لهم بعض الصعاب ، بغير الطريق المعتاد ، إلى غير ذلك مما كثرت فيه الحكايات ، وتناقلته الروايات »(2) .
واذا أردتها من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ بقوله تعالى في حق العبد الصالح الذي اخبر عنه الحق تعالى قائلا : ( َوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ) (3) ، وقصته مع كليم الله تعالى معروفة مشهورة .
واما من سنة رسول الله ﷺ فمنها قوله ﷺ : ( قد كان فيما قبلكم من الامم ناس محدثون فان يكن في امتي احد فانه عمر ) (4).
ان الوحي الذي انقطع هو وحي الرسالة والتشريع ومن خالف هذا بالقول او الفعل فقد كفر ، وما وحي الإلهام والفهم والاجتهاد في طاعات الله والقربات فبابه باق إلى يوم الدين .
الهوامش:
[1] – د . يوسف القرضاوي – في الطريق إلى الله ( 1– الحياة الربانية والعلم ) – ص 157 .
[2] – د . يوسف القرضاوي – في الطريق إلى الله ( 1– الحياة الربانية والعلم ) – ص 158 .
[3] – الكهف : 65 .
[4] – صحيح البخاري – ج3 ص 1349.