السائل : ميس فخري
البلد : العراق
السؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم ورد في الذكر الحكيم : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) (1). هنا نكاد نفهم ان هناك تمايزا واضحا بين حال التزكية وتعليم الكتاب للصحابة فما هي التزكية بنظر السادة الصوفية رضوان الله عليهم ؟
الجواب :
التزكية في الاصطلاح الصوفي : هي تطهير النفس من الحرص على الأمور الدنيوية والأخلاق الذميمة ، وتطهير القلب عن رؤية الأعمال السيئة ، وترك مطالبة ما سوى الله (2) .
وعند الصوفية هناك فرق كبير بين علم التزكية – وهو الأحكام الشرعية – وحالة التزكية ، وهو كالفرق بين علم الصحبة وحالة الصحبة ، والجمع بينهما هو الكمال .
فعلم التزكية يشمل كل ما علم حضرة الرسول الأعظم ﷺ صحابته الكرام أحكام تطهرهم من الذنوب وتقربهم من ربهم تعالى ، كالعبادات من صلاة وصيام وغيرها ، ومسالك الآداب من ورع وزهد وحلم وغيرها .
وأما حالة التزكية فهي كل ما حل على الصحب الكرام رضي الله عنهم من صفات طيبة وأحوال روحية تزكي أنفسهم ، وذلك اكتساباً من الصفات الزكية لأستاذهم حضرة الرسول الأعظم ﷺ . فعلم التزكية هو نصيب العقل من الصحبة ، أما حالة التزكية فهي نصيب القلب أو الروح من الصحبة .
وعلى هذا فأن الآية الكريمة تنص على أن قراءة القرآن الكريم والقيام بباقي العبادات ولو ظاهراً وباطناً ، لا تغني المسلم عن الصحبة لمصدر القوة الروحية كي يتزود منه بالشحنات ( الأحوال ) التي تكون سبباً للترقي الروحي تدريجياً وصولاً إلى مرتبة اليقين .
إن ( علم التزكية ) لم يكن حصراً على الذين مَن عليهم الله تعالى بفضل خاص فجعلهم قريبين مكانياً من حضرة الرسول الأعظم ﷺ وانما وصل إلى كل مسلم طلب هذا العلم بالنقل من طريق الصحبة مثلاً .
وكذلك ( حالة التزكية ) التي حلت بركاتها على كل مسلم مخلص صاحب حضرة الرسول الأعظم ، فالتأثير الروحي لا علاقة له بالمسافات المكانية ، لأن الحب هو واسطة انتقال التأثيرات الروحية ، والحب حالة تتجاوز الحواجز المكانية ولا تعتمد على ما يصل الحواس من أمر الحبيب .
الهوامش:
[1] – البقرة : 129 .
[2] – الشيخ إسماعيل حقي البروسوي – تفسير روح البيان – ج 1 ص 122 .