السائل : منيرة
البلد : الكويت
السؤال
ما هو الفرق بين التصوف وباقي المذاهب الاسلامية وبماذا يتميز عن غيره من الناحية العبادية ؟
الجواب
رغم تعدد الفرق والمذاهب الإسلامية وتنوعها وظهور المذاهب الفقهية والتي هي أيضا عبارة عن مدارس تتخصص بالجانب الفقهي والشرعي فان مدارس اهل التصوف حافظت على هويتها كمدارس روحية في الاعتناء بالنفس والقلب والروح ، وما الاختلاف بينها ما هو الا اختلاف في المنهج أو الأسلوب والممارسة والتدرج ، فالمعرفة الروحية التي هي مكملة للمعرفة الفقهية حتى يتخرج إنسانا متكاملا من النواحي الإسلامية. فلايجوز ان يكون الفقيه بعيدا عن التصوف ولا الصوفي جاهلا في الفقه
كما يقول الامام مالك : ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق ) .
ان المدارس والطرق الصوفية هي مدارس روحية ولم تبتدع عبادة لم يفعلها الصحابة والتابعون، وكيف ذلك في الوقت الذي تستمد الطرق الصوفية والمدارس الروحية مصداقيتها من الصحابة والتابعين.
ومن يتتبع سير أهل العلم من الفقهاء والمؤرخين يجد أن لمعظمهم صلة بالسادة الصوفية، وبعضهم يعتبرون رمزا للتصوف.
اما نشأة الصوفية لا تختلف عن نشأة المذاهب الفقهية في الفكر الإسلامي؛ فقد كانت المعارف الإسلامية في صدر الإسلام عبارة عن كتلة موحدة، ولم تعرف هذه التقسيمات النظرية التي تعبر عن التخصصات؛ فالفقيه كان محدثا، والمحدث كان فقيها، والفقيه كان صوفيا .
ومن امثلة من جمعوا بينها الكثير من العلماء مثل الشيخ الجنيد البغدادي والنوري والقشيري والكلاباذي والعز بن عبد السلام والغزالي والشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره فكانوا يعلِّمون الناس من أدنى العلوم الى أعلاها ،ابتداءاً من الطهارة والوضوء مرورا بعلم السلوك ووصولاً الى الحضرة الإلهية ، وينهل من بحر علومهم الجهلاء والعلماء ، كل يأخذ ما يحتاج اليه منهم .
ثم جاء ما يمكن تسميته بالتخصصات أو تشعب المعارف الإسلامية، فوجد من العلماء من اتجه إلى الحديث وما يتعلق به من إسناد ورجال وجرح وتعديل وعنعنات؛ فسموا المحدثين، ووجد من اتجه إلى الفقه والاستنباطات والاستدلالات وإقامة الموازنات بين الأدلة؛ فسموا الفقهاء، ووجد من تخصص في اللغة والنحو والأدب؛ فسموا نحاة وأدباء.
وكذلك وجد من العلماء من تخصص واعتنى في تهذيب النفوس والأخلاق وعلوم التزكية بعدما علموا انها المقصد والغاية من الرسالة المحمدية من قوله تعالى : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وكان لابد من رجال كانوا أساتذة وذوي اختصاص فيها لما تحتاجه من قدم راسخة في علوم الشريعة وهمم لا تنثني في سلوك الطريقة واجتباء رباني واصطفاء علوي ليكونوا من رجال الحقيقة كما قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) فرجال هذه المدرسة هم يربون الناس ويدلوهم طريق الإحسان ، الوارد عن ابن عمر عن أبيه قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : ( الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) .
قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ ؟
قَالَ ﷺ : ( أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ) .
قَالَ صَدَقْتَ ، قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ ؟
قَالَﷺ : ( أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) ( رواه مسلم )
فأهل التصوف اجتهدوا في العبادة واسهروا العيون واتلفوا المهج واضنوا الأجسام تقربا من الله تعالى فازدانوا حبا له فأحبهم واجتباهم وقربهم منه بعدما امتحن صدقهم وصبرهم وسلامة مقصدهم ونيتهم فما عبدوه طمعا بالجنة ولا خوفاً من النار ولكنهم وجدوه اهلا لان يعبد ، ولم يدعوا بابا يمكن ان يقربهم من باريهم الا وطرقوه وما برحوا منه الا وفتح لهم ونالوا منه مرادهم .
إذاً ان التصوف يقف على رأس العلوم ، وأن العالم المعاصر بحاجة ماسة إلى أكثر من وقفة لتهذيب الأخلاق وتزكية النفوس، وكل المدارس الاسلامية هي بحاجة الى ان تتوج علومها العقلية والشرعية بعلوم التصوف الذي يحوي كنوز غالية في التربية والسلوك والترقي .