السائل : ضي محمد عبد القادر
البلد : الجزائر
السؤال :
هل ان معجزات الرسول ﷺ موجودة حتى يومنا هذا بعد انتقاله ﷺ اي منه مباشرة ام هي فقط متمثلة بكرامات أولياء امته ؟ تفسيركم لطفا؟
الجواب :
إلى الأخت السائلة والى كافة المهتمين بهذا الموضوع نقول : إن الإعجاز هو إعجاز ، وهو لم يستحق هذه التسمية الا لكونه يتحدى العقول والقوانين ويتخطى الأماكن ويتجاوز على الازمان ، وإذا كان لكل نبيٍ إعجازه الخاص الذي يتحدى به جبابرة قومه ويستميل به قلوب محبيه ، وان هذا الإعجاز ينتهي بانتهاء حياه هذا النبي أو على أعلى تقدير بنهاية المهمة المنوطة برسالته فأن معجزاته باقية ما بقت رسالته على وجه هذه الأرض وبما ان رسالته العالمية كتب لها البقاء حتى نهاية الدنيا ، اذا فمعجزاته باقية مستمرة سواء فاضت منه مباشرة عن طريق الرؤى الصادقة والإشارات الروحية الخفية او تجلت على يد أوليائه والقائمين على دينه من البررة والصالحين .
روي عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معد يكرب سنان قال : قال رسول الله ﷺ ( الا اني أوتيت الكتاب ومثله معه الا اني أوتيت القرآن ومثله معه ) (1) وقد اختلف العلماء في المراد بقوله ( ومثله معه ) فمنهم من ذهب إلى ان المقصود به هو الوحي وهو مثل الظاهر المتلو ، ومنهم قال : البيان الذي يوضح به القرآن وغيرها من الأقوال(2). والذي نراه ان معنى عبارة ( ومثله معه ) جاءت بصيغة الإطلاق ، أي انها تحتمل كل الأوجه خاصة وان هذه الأوجه غير متعارضة ، ولما كان الإعجاز القرآني وخلوده إحدى الصفات القرآنية المجمع عليها من قبل علماء الأمة ، فان لرسول الله ﷺمثل هذا الإعجاز الخالد في حياته وبعد انتقاله إلى العالم الآخر بلا فرق خاصة وان رسول الله ﷺأنبأ الأمة بأنه لا ينقطع عنها وعن أعمالها وانه في كل الأحوال يستغفر لها كما روى البزار بإسناد صحيح عن ابن مسعود عن النبي ﷺ انه قال : ( حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت لكم ) (3).
ورد في تفسير ابن كثير ان جماعة منهم الشيخ ابو منصور الصباغ في كتابه
( الشامل ) عن العتبي قال : كنت جالسا عند قبر النبي ﷺ فجاء اعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (4)وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم انشد يقول :
يا خير من دفنت بالقاع اعظمه
فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الاعرابي ، فغلبتني عيني فرأيت النبي ﷺ في النوم فقال : ( الحق بالاعرابي فبشره ان الله قد غفر له ) (5).
وقد جاء في تفسير القرطبي ما نصه : روى ابو صالح عن علي قال : قدم علينا اعرابي بعدما دفنا رسول الله ﷺ بثلاثة ايام ، فرمى بنفسه على قبر رسول الله < وحثا على على رأسه من ترابه فقال : قلت يا رسول الله فسمعنا قولك ووعيت عن الله فوعينا منك وكان فيما انزل الله عليك( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (6) وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي . فنودي من القبر : أنه قد غفر لك (7).
ومما ذكر عن عن ابي الجوزاء انه قال : قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت انظروا روضة النبي ﷺ فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا فمطرنا حتى نبت العشب وسمنت الإبل (8).
وقال الحافظ أبو بكر ابن المقري في مسند اصبهان : كنا انا والطبراني وابو ايوب الشيخ في مدينة النبيﷺ فضاق بنا الوقت فواصلنا ذلك اليوم فلما كان وقت العشاء اتيت إلى الروضة الشريفة وقلت : يا رسول الله الجوع .
فقال لي الطبراني : اجلس فاما ان يكون الرزق أو الموت ، فقمت انا وأبو أيوب الشيخ فحضر الباب علوي ففتحنا له فاذا معه غلامان بزنبيلين فيهما شيء كثير فقال :
يا قوم شكوتم إلى النبي ﷺ ؟ فأني رأيته فأمرني بحمل شيء إليكم (9).
إلى غير ذلك من الشواهد التي تؤكد ان استغفاره ودعاء للأمة بعد انتقاله ، وظهور آثار هذا الاستغفار والدعاء بشكل مباشر او عن طريق الرؤيا ان دل على شيء فانما على خلود الإعجاز المحمدي المماثل لخلود الإعجاز القرآني والذي أكرمه الحق تعالى به لأفضليته على العالمين .
من جهة ثانية أشار رسول الله ﷺ إلى أنه سيبقى حاضرا في أمته وبقاءه هذا يستلزم استمرار معجزاته ﷺ ، وهذه الاشارة وردت في احاديث عديدة منها :
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي ) (10).
قال الحافظ جلال الدين السيوطي في تعليقه على هذا الحديث الشريف : ذكر عن بعض السلف والخلف وهلم جرا ممن كانوا رأوه ﷺ في النوم وكانوا ممن يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على الوجوه التي منها يكون فرجها فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص .
ونقل كلاما لأبن ابي جمره قال فيه : والمنكر لهذا لا يخلو إما أن يصدق بكرامات الأولياء أو يكذب بها فإن كان ممن يكذب بها فقد سقط البحث معه فإنه يكذب ما أثبتته السنة بالدلائل الواضحة وإن كان مصدقا بها فهذه من ذلك القبيل لأن الأولياء يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالمين العلوي والسفلي عديدة فلا ينكر هذا مع التصديق بذلك .
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد الكبرى وقال ابن الحاج في المدخل: رؤية النبي ﷺ في اليقظة باب ضيق وقل من يقع له ذلك إلا من كان على صفة عزيز وجودها في هذا الزمان بل عدمت غالبا مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الأكابر الذين حفظهم الله في ظواهرهم وبواطنهم .
وقد ساق الشيخ سراج الدين بن الملقن في طبقات الأولياء مثالا يوضح فيه ما ذهب اليه القائلين بامكانية رؤية النبي ﷺ يقظة والأخذ منه فقال : قال الشيخ عبد القادر الكيلاني رأيت رسول الله ﷺ قبل الظهر فقال لي : يا بني لم لا تتكلم ؟
قلت : يا أبتاه أنا رجل أعجمي كيف أتكلم على فصحاء بغداد ؟
فقال : افتح فاك ، ففتحته فتفل فيه سبعا وقال : تكلم على الناس وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة . فصليت الظهر وجلست وحضرني خلق كثير فارتج عليّ فرأيت عليا قائما بأزائي في المجلس فقال لي : يا بني لم لا تتكلم ؟
قلت : يا أبتاه قد ارتج علي ؟
فقال : افتح فاك ففتحته فتفل فيه ستا . فقلت :لم لا تكملها سبعا ؟
قال : أدبا مع رسول الله ﷺ ، ثم توارى عني .
فقلت : غواص الفكر يغوص في بحر القلب على درر المعارف فيستخرجها إلى ساحل الصدر فينادي عليها ترجمان اللسان فتشترى بنفائس أثمان حسن الطاعة في بيوت أذن الله أن ترفع .
ونقل السيوطي انه في بعض المجاميع حج سيدي أحمد الرفاعي فلما وقف تجاه الحجرة الشريفة أنشد :
في حالة البعد روحي كنت أرسلها
تقبل الأرض عني فهي نائبتي
وهذه نوبة الأشباح قد حضرت
فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فخرجت اليد الشريفة من القبر الشريف فقبلها. وقال في الوحيد أيضا كان للشيخ أبي العباس المرسي وصلة بالنبي ﷺ إذا سلم على النبي ﷺ رد عليه السلام ويجاوبه إذا تحدث معه .
وفي معجم الشيخ برهان الدين البقاعي حدثني الإمام أبو الفضل ابن أبي الفضل النويري أن السيد نور الدين الأيجي والد الشريف عفيف الدين لما ورد إلى الروضة الشريفة وقال : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . سمع من كان بحضرته قائلا من القبر يقول : وعليك السلام يا ولدي.
وقال الحافظ محب الدين بن النجار في تاريخه أخبرني أبو أحمد داود بن علي بن هبة الله بن المسلمة أنا أبو الفرج المبارك بن عبد الله بن محمد بن النقور قال حكى شيخنا أبو نصر عبد الواحد بن عبد الملك بن محمد بن أبي سعد الصوفي الكرخي قال حججت وزرت النبي صلى الله عليه وسلم فبينا أنا جالس عند الحجرة إذ دخل الشيخ أبو بكر الديار بكري ووقف بإزاء وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : السلام عليك يا رسول الله . فسمعت صوتا من داخل الحجرة : وعليك السلام يا أبا بكر وسمعه من حضر.
فحصل من مجموع هذا النقول والأحاديث أن النبي ﷺ حي بجسده وروحه وأنه يتصرف ويسير حيث شاء في أقطار الأرض وفي الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل منه شيء وأنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم فإذا أراد الله رفع الحجاب عمن أراد إكرامه برؤيته رآه على هيئته التي هو عليها لا مانع من ذلك ولا داعي إلى التخصيص برؤية المثال(11).
وعلى هذا نقول : ان معجزات رسول الله ﷺ مستمرة حتى بعد انتقاله ﷺ إلى العالم الآخر وذلك من خلال دعاءه ﷺ او إعانته الروحية لمن يتوسل به إلى الله تعالى ومن خلال تجليها في كرامات الأولياء التي تعتبر امتداد حي لمعجزاته ﷺ .
الهوامش :
[1] – مسند أحمد – مؤسسة قرطبة – مصر – ج 4 ص 130
[2] – انظر : تفسير القرطبي -دار الشعب – القاهرة – ط2- 1372- ج1 ص 38
[3] – مسند البزاز – مؤسسة علوم القرآن – ط1- بيروت – 1409هـ – ج5 ص 308
[4] – النساء : 64 .
[5] – تفسير ابن كثير – ج1 ص 643 .
[6] – النساء : 64 .
[7] – تفسير القرطبي – ج5 ص 265 .
[8] – حقيقة التوسل والوسيلة – موسى محمد علي – ص 49 -50 .
[9] – اتحاف الاذكياء بجواز التوسل بالانبياء والأولياء – ص 41 .
[10] – وأخرج الطبراني مثله من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي ومن حديث أبي بكرة وأخرج الدارمي مثله من حديث أبي قتادة
[11] – أنظر : تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك – جلال الدين السيوطي – دار الكتب العلمية – بيروت .