قال الله تعالى: { َلقَدْ صَـدَقَ اللهُ رَسُـولَهُ الرؤيا } الأية . وقال تعالى { لقدْ رَأى مِنَ آيات رَبِهِ الكُبْرى} .
رأى في اللغة تنقسم إلى ثلاثة معاني ، تأتي بمعنى أبصر ، نحو رأيت زيدا ، وتنصب مفعولا واحدا وتسمى بصرية ،وتأتي بمعنى العلم وتتعدى إلى مفعولين تنصبهما ، نحو رأيت زيدا عالما ، وألحق العرب رأي الحلمية برأي العلمية في التعدي إلى مفعولين ،كقوله تعالى إِنّيَ أَرَانِيَ أَعْصِرُ خَمْرَا . وتأتي بمعنى الرأي أي المذهب كرأي أبو حنيفة حل كذا فمصدر البصرية الرؤية ، ومصدر الحلمية الرؤيا …الخ عبارة النحاة. وقد عرف الرؤيا العلامة الصوفي الشيخ أحمد زرُّوق شارح (الرسالة) بقوله :‹‹الرؤيا مثال يلقيه الله تعالى لعبده في منامه بواسطة ملك أو غيره ، وهي خواطر واعتقادات، وقيل هي رؤية القلب لأن القلب له عينان ينظر بهما ، وأذنان يسمع بهما››. وأخرج الطبرانى والضياء عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رؤيا المؤمن كلام يكلم به العبد ربه في المنام ) . حديث صحيح ذكره السيوطي في الجامع الصغير . وروى الإمام البخاري رضي الله عنه في كتاب التعبير عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( الرؤيا الحسنة ، أي الصادقة ، أو المبشرة ، من الرجل الصالح جزء من ست وأربعين جزءا من النبوة ) أي من علم النبوة .وفي صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (جزء من خمس وأربعين ) وقيل غير ذلك. وقال صلى الله عليه وسلمالرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان .الحديث رواه الشيخان وأبو داوود والترمذي .وإحترز بالرجل الصالح من غيره، فلا تكون رؤيا الفاسق جزءا من النبوة مطلقا ،لأن الحسنة من الله تعالى ، وغيرها الحلم من تهويل الشيطان وتخيله .وفي مستخرج أبي نعيم وإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث ثلاث مرات، ويتعوذ من شرها وفي مصباح السنة الرؤيا ثلاثة حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله .
‹‹فإذا علم ما تقدم فقد روينا في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي يقول : من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي .وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني واللفظ للبخاري رضي الله عنه .وقال الإمام أبو محمد ابن أبي جمرة في تعليقه على الأحاديث التي إنتقاها من البخاري :هذا الحديث يدل على أن من رآه صلى الله عليه وسلم في المنام فسيراه في اليقظة .وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته؟ أو هذا كان في حياته ؟وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن عليه الأهلية و الإتباع لسنته عليه السلام ؟اللفظ يعطي العموم ومن يدعى الخصوص فيه بغير تخصيص منه صلى الله عليه وسلم فمتعسف .وقد وقع من بعض الناس عدم التصديق لعمومه ،وقال على ما أعطاه عقله ، وكيف يكون من قد مات يراه الحي في عالم الشهادة؟وفي هذا القول من المحذور وجهان خطران، أحدهما عدم التصديق لقول الصادق عليه السلام الذي لا ينطق عن الهوى ،والثاني الجهل بقدرة القادر وتعجيزها ، كأنه لم يسمع في ‹‹سورة البقرة›› قصة البقرة ،وكيف قال الله تعالى : فاضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى، وقصة إبراهيم في الأربعة من الطيور ،وقصة عزير .
‹‹فالذي جعل ضرب الميت ببعض البقر سببا لحياته ، وجعل دعاء إبراهيم سببا لإحياء الطيور ،وجعل تعجب عزير سببا لموته وموت حماره ثم أحياهما بعد مائة سنة ،قادر على أن يجعل رؤيته صلى الله عليه وسلم في النوم سببا لرؤيته في اليقظة ›› .انتهى كلام ابن أبي جمرة بتصرف واختصار. وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولا يتمثل الشيطان بي ) هل هذا مختص بالنبي صلى الله عليه وســلم أم لا ؟ قال بعضهم رؤية الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام ورؤية الشمس والقمر والنجوم المضيئة والسحاب الذي فيه الغيم لا يتمثل الشيطان بشيء منها .وذكر المحققون أنه خاص به صلى الله عليه وسلم ›› أهـ من العزيز على الجامع الصغير، أهـ نقلا من القول المختار الجلي لسيدي محمد الرباطاني التجاني .
‹‹وممن صرح بأن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، والتلقي منه من كرامات الاولياء ، البارزي والسبكي واليافعي والقرطبي وابن أبي جمرة وصاحب المدخل ، وكثيرون أخيار أتقياء أبرار .ويا عجبا للمنكر كيف يأخـذ بقولهم في الأحكام الشرعية، ويعمل بها فيما بينه وبين الله تعالى، ويعتمد عليها في التحليل والتحريم ، ويتوقف في أخذ ذلك وأمثاله عنهم ، وهم المتضلعون من الكتاب والسنة ولا يخبرون إلا عن يقين في تلك المسألة المستـفيظة عن أولياء الله تعالى ؟ كيف ينكر ذلك ، والخبر إذا كان جائزا عقلا ، مؤيدا بظاهر النقل ،وأخبر بوقوعه عدول ،كمن ذكرنا ،فلا يمترى في تصديقه إلا حاسد أو مستعجز للقدرة الإلهية ؟
هذا وممن إجتمع به صلى الله عليه وسلم يقظة سيدي العلامة الشيخ جلال الدين السيوطي رضي الله عنه، وقال رحمه الله تعالى لشخص سأله الشفاعة عند السلطان قايتباى رحمه الله تعالى: (أعلم ياأخي أنني قد اجتمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتي هذا خمسا وسبعين مرة يقظة ومشافهة ، ولو لا خوفي من إحتجابه صلى الله عليه وسلم عني بسبب دخولي للولاة لطلعت القلعة وتشفعت فيك عند السلطان . وإني رجل من خدام حديثه صلى الله عليه وسلم وأحتاج إليه في تصحيح الأحاديث التي ضعفها المحدثون من طريقهم . ولا شك أن نفع ذلك أرجح من نفعك أنت يا أخي)اهـ. ولا تخفى مكانة الشيخ جلال الدين السيوطي عند ذوي العلم والمعرفـة وشهرته بين أهل المعرفـة تكفي .
‹‹ومنهم الأئمة الأربعة المجتـهدون ،ومنهم سيدي عبدالرحيم القناوي وسيدي أبو مدين المغربي ، وسيدي أبوالسعود ابن أبي العشائر، وسيدي القطب الشيخ إبراهيم الدسوقي ، وسيدي العلامة أبو الحسن الشاذلي ، وسيدي أبو العباس المرسي ، وسيدي إبراهيم المتبولي، وسيدي أحمد الزواوي،وسيدي محي الدين بن العربي (وكان يصحح عليه الأحاديث التي ضعفها العلماء ) وسيدي عبد القادر الجيلاني ( وقد تلقى عنه علوما وأسرارا ) وسيدي عبد العزيز الدباغ (وتلقى عنه علومـا وأسرارا) ، وسيدي محمد البكري ( وتلقى عنه عدة صلوات ) ،وسيدي أحمد إدريس المغربي (وأخذ عنه طريقة تسليكية وزاد الإستغفار الكبير .. الخ )، وسيدي أحمد العطاس اليمني ( وأخذ عنه جملة أحاديث مذكورة في كتاب ‹ جواهر البحار› لسيدي العلامة يوسف النبهاني رحمه الله تعالى ›› .
“ويطول بنا الحال لوعددنا أسماء العلماء الأتقياء الذين قالوا بامكانية الرؤية ، أو الذين قالوا : رأينا رسول لله صلىالله عليه وسلم في اليقظة .
وقد جمع الشاعر المفلق سيدي ادريس بن الحسن العلمي المغربي في قصيدته “الاعلام” بضعة وثلاثين عالما مصلحا ثبتا كلهم قالوا بجواز الرؤية النبوية . وهذه بعض أبيات منها :
والرؤية قد قالها الشعراني والشيخ نورالدين والشنوانـي والشيخ أحمد الزواوى،والعفيف اليافعي في الروض والشيخ الصفي إلى أن قال:
وغيرهم وغيرهم ممن غدا
بعلمـه وفضلـه ممجد ا
فهؤلاء علمــاء النخبـة
قالوا جميعا بثبوت الرؤية
‹‹وقد اجتمع به صلى الله عليه وسلم ، يقظة لا مناما، سيدنا وقدوتنا القطب شيخنا أحمد بن محمد التجاني الحسنى رضي الله عنه وأخذ عنه صلى الله عليه وسلم طريقته الموسومة بالطريقة التجانية . وقد رآه صلى الله عليه وسلم جماعة من اصحابه منهم سيدي علي حرازم ،وسيدي محمد العـــربي الدمراوي ، وسيدي القطب الشيخ سيدي الحاج علي التماسيني ، وسيدي محمد الحبيب نجل الشيخ سيدي أحمـد التجاني رضي الله عنهما ، وسيدي أحمد سكيرج ، وغيرهم وقد شاعت وذاعت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بين الاولياء . ولا تزال تحصل لبعض الخواص من أولياء الله تعالى إلى قيام الساعة تفضلا منه تعالى ، وهي من الكرامات والكرامات جائز وقوعها ، وهي ثابتة عقلا ونقلا ، كتابا وسنة وإجماعا›› ا هـ من القول المختار الجلي للشيخ محمد سعد الرباطاني التجاني باختصار .
فـصــل في الرد على من أنكر الاجتماع بالنبي عليه الصلاة والسلام يقظة والتلقي عنه
قال سيدي العارف بالله الشيخ محمد الحافظ التجاني رضي الله عنه في تعليقه على (الافادة الاحمدية ) :
‹‹أجمع علماء التزكية الروحية من المسلمين ، والمحققين من علماء المذاهب المختلفة ، أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة لمن شاء الله عز وجل جائزة بصورة لا يترتب عليها محال ›› .
وقال أيضا في موضع أخر من كتابه (علماء تزكية النفس ) : ‹‹رؤية اليقظة من الممكنات التي تدخل تحت القدرة الإلهية ، والقاعدة التي جرى عليها المحققون من علماء المذاهب المختلفة ان الممكن الذي يدخل تحت القدرة الإلهية لا يمكن إخراجه عن هذا الإمكان إلا بنص صريح . وقد أنكر بعض من تقيد بالحس الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة والتلقي عنه . وليس ثمة ما يحيل ذلك لا عقلا ولا شرعا ، ولا ريب أن الحقائق لا تزال حقائق ، وأهلها متمتعين بها رغم إنكار المنكر، وليس من لم ير بحجة على من رأى فلو شهد ألفا عدل أنهم لم يروا الهلال مثلا وشهد عدلان أنهما رأياه فهما الحجة على من لم ير، وتمضي أحكام رؤيتهما عليهم. ولم يختلف العلماء في أن رؤية المؤمن للنبي صلى الله عليه وسلم يقظة وهو في الدار الأخرة بوجه لا يترتب عليه محال يعد من الممكنات التي يجوز أن يتفضل الله بها على من يشاء من عباده .
_________________
المصدر : موقع الزاوية التجانية في الجزائر .
http://atijania.online.fr/modules.php?name=News&file=article&sid=42