وردت كلمة الذكر في القران الكريم على عدة معان حسب ورودها في الايات الكريمة فقد وردت بمعنى القران لقوله : (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)(1) .
ووردت بمعنى صلاة الجماعة في قوله تعالى : (يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله)(2) .
وجاءت الكلمة بمعنى العلم في قوله تعالى : (فسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون)(3)
وفي معظم الايات القرانية الاخرى وردت اللفظة واريد بها الذكر الله سبحانه وتعالى في بضع وثلاثين اية تقريبا قال تعالى : (فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)(4) , في هذه الاية الكريمة جعل الله سبحانه وتعالى ذكر العبد له من اجل ذكر الله تعالى للعبد ,ويقول الامام جعفر الصادق عليه السلام : (وجعل ذكر الله تعالى من اجل ذكره تعالى اياك فانه ذكرك وهو غني عنك ,فذكره لك اجل واشرف واسنى واتم من ذكرك له )(5) .
وقال سيدنا الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره في تفسيره هذه الاية الكريمة : ( اذكروني بالشوق والمحبة اذكركم بالوصل والقربى وقيل اذكروني بالحمد والثناء اذكركم بالمن والجزاء , وقيل اذكروني بالتوبة اذكركم بغفران الحرية ,اذكروني بالدعاء اذكركم بالعطاء ,اذكروني بالسؤال اذكركم بالمعذرة اذكركم بالنوال ,اذكروني بلا غفلة اذكركم بلا مهلة , اذكرني بالندم اذكركم بالكرم , اذكرني بالمعذرة اذكركم بالمغفرة … اذكروني بالقلوب اذكركم بكشف الكروب , اذكروني بلا نسيان اذكركم بالامان ,اذكروني بالافتقار اذكركم بالاقتدار , اذكروني بالقلب اذكركم بكشف الحجب ,اذكروني ذكرا فانيا اذكركم ذكرا باقيا , اذكروني بالصدق اذكركم بالرفق , اذكروني بالتعظيم اذكركم بالتكريم ,اذكروني من حيث انتم اذكركم من حيث انا , ولذكر الله اكبر )(6) .
ولقد عاتب الله سبحانه وتعالى المؤمنين حينما استبطا خشوعهم لذكر الله وما نزل من الحق بالاية الكريمة : (الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)(7) , كما بشر الله سبحانه وتعالى المختبين أي المطمئنين بذكر الله بقوله تعالى : (وبشر المختبين . الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم)(8) , أي خـافت هيــبة الله سبـحانه وتعـالى , وقـال تعالى : (واذكـروه كمـا هداكـم)(9) , أي اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة فالله سبحانه وتعالى ذكر عباده بمنته عليهم عندما هداهم إلى النور بعد الظلمة والصراط المستقيم بعد الضلال , افلا يحق للعباد ان يذكروا صاحب الفضل والهداية عليهم ؟
وثمة ايات تحث المؤمنين على ذكر الكثير , والكثرة هنا غير محددة بعدد ولا كم ولا بصيغة او كيفية وقد وضع المشايخ الكرام اصول ونظام الذكر وكيفيته .
قال تعالى : (واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار)(10) .
وقال تعالى : (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما)(11) .
وقال تعالى : (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا)(12) .
وقال تعالى : (يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) (13) .
وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام : (كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا)(14).
وقال تعالى : (يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)(15) .
وكذلك وردت الاية الكريمة لتبين ان الذكر لا يكون في وضع محدد للذاكر قال تعالى : (فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم)(16) , فيحق للذاكر ان يذكر الله وهو قائم او قاعداو مضطجع على جنبه .
كما تبين الايات القرانية الاتية بان ليس ثمة وقت محدد للذكر فامر الله تعالى بالذكر في اوقات مختلفة في الغدو والاصال ,بالعشي والابكار ,بكرة واصيلا .
قال تعالى : (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين)(17) .
وقال تعالى : (واذكر اسم ربك بكرة واصيلا)(18) .
وقال تعالى : (في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال . رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)(19) .
وقال تعالى : (واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار)(20)
وقال تعالى : (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن اناء الليل فسبح واطراف النهار لعلك ترضى)(21) .
وهناك من ادعى بان الذكر يكون في دبر الصلاة ويقتصر على ذكر محدد كما ورد في الحديث النبوي الشريف فنقول بان الذكر ورد في الايات الكريمة قبل الصلاة
وفي ايات اخرى بعد الصلاة بل وفي الصلاة لكون الصلاة تشتمل على الاذكار قال تعالى : (انني انا الله لا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري)(22) أي لتذكرني فيها . وقال تعالى : (قد افلح من تزكى . وذكر اسم ربه فصلى)(23) أي ان الذكر قبيل الصلاة ولان افتتاح الصلاة كذلك جائز بكل اسم من اسمائه عز وجل . وقال تعالى : (فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله)(24) .
وهناك ايات واجب فيها الباري عز وجل الذكر في مواضع محددة وصيغة محددة اوضحتها السنة النبوية الالشريفة .
قال تعالى : (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معدودات)(25) .
وقال تعالى : (والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا الذنوبهم)(26) .
قال تعالى : (فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اباءكم او اشد ذكرا)(27) , أي فاذا فرغتم من عباداتكم في الحج وتفرغتم من عباداتكم في الحج وتفرغتم فاكثروا من ذكر الله وبالغوا فيه كما تفعلون في ذكر ابائكم ومفاخرهم . وقال تعالى : (واذكروا الله في ايام معدودات)(28) , أي ايام التشويق وعند الجمار وقد وردت ايات قرانية في الوعيد لمن لم يذكر الله تعالى والتحذير للعباد من النسيان او اللهو عن ذكر الله .
قال تعالى : (ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا)(29) .
وقال تعالى : (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهوله قرين)(30).
وقال تعالى : (انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والمسير ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون)(31) .
وقال تعالى : (يا ايها الذين امنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يغفل ذلك فاولئك هم الخاسرون)(32 ).
وقال تعالى : (ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا)(33) .
وقال تعالى : (ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم واذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا)(34) .
وقال تعالى : (ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى)(35) , أي ضيقا قال ابن جبير : يسلبه القناعة فعيشه ضنك وحاله مظلمة كما قال : بعض المتصوفة لا يعرض احدكم عن ذكر الله الا اظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه (36) وليس هناك خير من ان نختم بالاية الكريمة وان لم نكن قد اتينا عليها جميعا بقوله تعالى وهو خير القائلين : (الا بذكر الله تطمئن القلوب)(37) .
الهوامش :
(1) الحجر : 9 .
(2) الجمعة : 9 .
(3) النحل : 43 .
(4) البقرة : 152 .
(5) عادل خير البدين العالم – الفكري للامام جعفر الصادق – ص139 .
(6) الشيخ الكيلاني – الغنية لطالبي طريق الحق –ج2- ص909 .
(7) الحديد : 16 .
(8) الحج : 35,34 .
(9) البقرة : 198 .
(10) ال عمران : 41 .
(11) الاحزاب : 35 .
(12) الاحزاب : 21 .
(13) الاحزاب : 41 .
(14) طه : 35,34 .
(15) الانفال : 45 .
(16) النساء : 103 .
(17) الاعراف : 205 .
(18) الإنسان : 25 .
(19) النور 37,36 .
(20) ال عمران : 41 .
(21) طه : 130 .
(22) طه : 14 .
(23) الاعلى : 14,13 .
(24) النساء : 103 .
(25) الحج : 28 .
(26) ال عمران : 135 .
(27) البقرة : 200 .
(28) البقرة : 203 .
(29) الجن : 17 .
(30) الزخرف : 36 .
(31) المائدة: 91 .
(32) المنافقون : 9 .
(33) الكهف : 28 .
(34) النساء : 142 .
(35) طه : 142 .
(36) تفسير النسفي –ج2- ص68 .
(37) الرعد : 28 .
المصدر : السيد الشيخ محمد الكسنزان – كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية – ص300-304 .