الشيخ عبد الكريم الجيلي
في ذكر حقيقة الباء وتجليات الحق فيها بغير حلول اعلم ان حقيقة الباء عبارة عن الروح الإضافية وهي المسمى بالروح الإلهية التي أضافها الحق تعالى إلى نفسه وهي المعبر عنها في اصطلاح الإلهيين بالنفس الكلية والحق تعالى متجلٍ بتجليات القدس المشار إليه بالربوبية فالربوبية صحبة النفس الكلية ولهذا لا تكاد النفوس الجزئية الحجر عن نفسها وعصت وأكلت الشجرة وقد أخبرت انها إذا أكلت الشجرة كانت من الخاسرين أي موتاً تموت ومع ذلك أكلت وما توقت ربوبيته فقالت ومن أنا فادخلها الله بحر الجوع واوقفها فيه ألف سنة ثم أخرجها منه فقال لها من أنا فقالت ومن أنا ثم ادخلها باباً هكذا ثلاث مرات حتى أقرت بعد الثلاث بالربوبية وكل ذلك من سر الربوبية الذي جعلها الله مظهراً للنفوس مجبولة على الرئاسة مفطورة عليها ولولا ذلك لكان الإنسان كغيره من الحيوانات لا تعرف إلا الأكل والشرب والنكاح ولأجل ذلك ما ملك العالم وتحكم غيره فملوك العالم مجبولون مفطورون على أحوالهم ورئاستهم وإقامة ناموسهم وشوكتهم لأنهم مخلوقون من الأنوار الذاتية وكل ما يفعل في طلب الرئاسة والترقي فهو بحكم مقتضي فحسده الذي خلقت نفسه منه وكل ما يطلبه من الشهوات وغيرها فهو بحكم ما اقتضى جسمه وهيكله الحيواني البهيمي وكلما تسفلت نفسه ولم يتعاطى طلب الرئاسة فهو أحد رجلين أما رجل غلبت عليه أحكام حيوانية فاشتغل بمهمات مقتضياتها من الأكل والشرب وغير ذلك وأما رجل ترك الرئاسة الفانية بحصول الرئاسة الباقية كما يفعله أهل الله من الاتراح والتذلل والافتقار وكل ذلك على الحقيقة لوجود كمال الرئاسة على ما هو عليه ولو خلص العبد نيته فإخلاصه معلول وعلة إخلاصه هو قصد العمل الذي يكون به سعادته وخلاصه من الشرك المخفي فيه وكل ذلك راجع إلى مصلحة نفسه ولو قصد العبودية المحضة فإنما قصده في الحقيقة تنويه بعلة كامنة في النفس وهو طلبها للسعادة الكبرى ومن ثم قال أحد العلماء ان العبد لا يتخلص بمال فلا خلاص له ما دام باقياً فإذا فني خلص ولا كلام على من لا وجود له لكنا نقدم هذه المقدمة مطلقاً حتى إذا بقي ببقاء الله تحققت أنه مخلص لله من العلل كلها فإنه من وصل إلى الله تعالى آمنه الله من معلولات النفوس وقد علمت لما ذكرناه ان النفس الكلية هي حقيقة الباء وإن الله تعالى متجلٍ فيها بالذات والنقطة التي تحت الباء إشارة إلى ذلك التجلي الذاتي ولهذا لما سئل أحد العلماء عن نفسه قال أنا النقطة التي تحت الباء يعني ان الذات الإلهية المنزهة عن العالم وغيره إجلالاً وإكراماً ومآلاً .