شيخهم في الخرقة والطريقة وأستاذهم في البيعة والوثيقة الإمام الورع الزاهد السيد السند البطل المجاهد الشجاع، ومقتدى أكابر أهل الله العارفين، المرشد الأكمل شيخ الكل في الكل رئيس الطوائف إمام كل عارف خليفة ابن عم النبي القرشي ووارث مضمر العلم إمام العلماء الصوفية سيدنا أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار بن مطهر بن غاضرة بن قرهد وقيل فرهد (بالفاء) العوفي البصري والده أبو الحسن يسار من سبي ميسان وهي كورة واسعة عظيمة القرى والنخل بين البصرة وواسط من ارض العراق، سكن المدينة المنورة وكان مملوكا فأُعتِقَ وبقي في المدينة، وتزوج فيها وذلك في خلافة عمر .
ولادته ونشاته
ولد الحسن في المدينة، لسنتين بقيتا من خلافة عمر ،واصبح إماما في الفقه والحديث والتفسير وعلوم القرآن واللغة والأدب والبلاغة والتصوف. لبس الخرقة من الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه كما صحح ذلك الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله.
وقد أطبق القوم على أن إمام طريق التصوف من التابعين الحسن البصري ، وقد انتهت إليه أسانيد الصوفية على الغالب.
قال محمد بن الحسن: كان الحسن البصري قدوة وإماما في الشريعة والطريقة والسنة.
وقال غيره: من أحب اتباع سنة رسول والعمل بما كان عليه أصحابه فليقتدِ بالحسن.
وقد صحح الجلال السيوطي ثبوت اجتماع الحسن البصري بسيدنا الإمام علي وتلقيه عنه وأخذه منه في كتابه المسمى (رفوا الخرقة).
من مواعظه
كتب الحسن قدس الله سره إلى عمر بن عبد العزيز: (إعلم أنّ التفكر يدعو إلى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه، وليس ما يفنى وإن كان كثيرا يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزا، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة الخاتلة التي قد تزينت بخدعها وغرت بغرورها وقتلت أهلها بأملها وتشوفت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلوة، العيون إليها ناظرة، والنفوس لها عاشقة، والقلوب إليها والهة ولألبابها دامغة وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي مُعتبر، ولا الآخر بما رأى من الأول مُزدجر، ولا اللبيب بكثرة التجارب منتفع .
فاحذرها الحذر كله فإنها مثل الحية لين ملمسها وسمها يقتل، فاعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما عانيت من فجائعها، وأيقنت به من فراقها، وشدد ما اشتد منها الرخاء ما يصيبك، وكن ما تكون فيها احذر ما تكون لها فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور له، أشخصته عنها بمكروه، وكلما ظفر بشيء منها وثنى رجلا عليه انقلبت به، فالسار فيها غار، والنافع فيها غدا خار، وصل الرخاء فيها بالبلاء، وجعل البقاء فيها إلى فناء، سرورها مشوب بالحزن، وءاخر الحياة فيها الضعف والوهن، فانظر اليها نظر الزاهد المفارق ولا تنظر نظر العاشق الوامق، واعلم أنها تزيل الثاوي الساكن وتفجع الغرور الآمن، لا يرجع ما تولى منها فأدبر ولا يدري ما هو ءات فيها ينتظر ) .
وقال قدس الله سره : ( ان الدنيا دار عمل من صحبها بالنقص لها والزهادة فيها سعد بها نفعته صحبتها، ومن صحبها على الرغبة فيها والمحبة لها شقي بها وأسلمته إلى ما لا صبر له عليه ولا طاقة له به من عذاب الله، فأمرها صغير ومتاعها قليل، والفناء عليها مكتوب، والله تعالى ولي ميراثها، وأهلها محولون عنها إلى منازل ومنها يخرجون، فاحذروا ذلك الموطن وأكثروا ذلك المنفلت، واقطع يا ابن ءادم من الدنيا أكثر همك، ولا تميل إلى الدنيا فترديك منازل سوء مفضية بأهلها إلى ندامة طويلة وعذاب شديد، فلا تكونن يا ابن ءادم مغترا، ولا تأمن ما لم يأتك الأمن منه فان الهول الأعظم ومفظعات الأمور أمامك لم تخلص منها حتى الآن، ولا بد من ذلك المسلك وحضور تلك الأمور إما يعافيك من شرها وينجيك من أهوالها، وإما الهلكة وهي منازل مخوفة محذورة مفزعة للقلوب، فلذلك فاعدد ومن شرها فاهرب، ولا يلهينك المتاع القليل الفاني، ولا تربص بنفسك فهي سريعة الانتقام من عمرك فبادر أجلك، ولا تقل غدا غدا فإنك لا تدري متى إلى الله تصير فان الحجة لله بالغة، والعذر بارز، وكل مواف الله عمله، ثم يكون القضاء من الله في عباده على أحد أمرين: فمقضي له رحمته وثوابه فيا لها نعمة وكرامة، ومقضي سخطه وعقوبته فيا لها من حسرة وندامة، ولكن حق على من جاءه البيان من الله بأن هذا أمره هو واقع أن يصغر في عينيه ما هو عند الله صغير، وأن يعظم في نفسه ما هو عند الله عظيم ) .
من كلماته
ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت.
وكان الحسن يقول : ( من لبس الصوف تواضعا لله زاده الله نورا في بصره وقلبه، ومن لبسه إظهارا للزهد في الدنيا والتكبر به على الإخوان في نفسه، كُوِّرَ في جهنم مع الشياطين ) .
وكان يقول: ما كل الناس يصلح للبس الصوف لأنه يطلب صفاءً ومراقبة لله عزوجل.
وقيل مرة: ما سبب لباسك الصوف فسكت
فقيل له : ألا تجيب؟
فقال: إن قلتُ زهدا في الدنيا زكيتُ نفسي.
ومن اقواله : ( يا ابن آدم إنك ناظر إلى عملك غدا ،يوزن خيره وشره، فلا تحقرن من الخير شيئا و إن صغر، فإنك إذا رأيته سرك مكانه .
ولا تحقرن من الشر شيئا، فإنك إذا رأيته ساءك مكانه، فإياك و محقرات الذنوب.
ومن اقواله : هيهات .. هيهات، ذهبت الدنيا بحال بالها، وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم .
وكان الحسن يقول : إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها : صدق الحديث، ووفاء بالعهد، و صلة الرحم، و رحمة الضعفاء، وقلة المباهاة للناس، و حسن الخلق، وسعة الخلق فيما يقرب إلى الله .
وفاته
وتوفي قدس الله سره بالبصرة مستهل رجب سنة عشر ومائة وكانت جنازته مشهودة
وأغمي على الحسن عند موته ثم أفاق .
فقال : لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم.
وقال رجل قبل موت الحسن لابن سيرين رأيت كأن طائرا أخذ أحسن حصاة بالمسجد .
فقال : إن صدقت رؤياك مات الحسن فلم يكن إلا قليلا حتى مات الحسن.
المصادر :
– اعلام الاسلام – ص182 .
– اعلام اللتصوف .