بسم الله الرحمن الرحيم
الَّلهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الوَصفِ وَٱلوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَالحِكْمَةِ وَعَلى آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلِّمْ تَسليماً
إعداد علاء الكاتب
بيتي وبيت فاطمة وعلي
( قالوا : حين بنى رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم)، بنى حوله عشرة بيوت ، تسعة منها لأزواجه ، وعاشرها لعلي وفاطمة ، وكان في وسط البيوت ، وكان يسكنه مدة وجوده في المدينة ، ثم سكنه من بعده أولاده وأحفاده إلى أيام عبد الملك بن مروان ، وأراد أن يهدمه ، وكان فيه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، فقال : لا اخرج ولا أمكن من هدمه ، فضُرب بالسياط وأخرج قهراً عنه وهدم الدار ، وزيد في المسجد . وقالوا : في هذا المكان وهذا البيت المتواضع الذي أكثر أثاثه من الخزف ، كان يبتهج الرسول ويغتبط ، ويفيض من قلبه الحب الأبوي والحنان على بضعته فاطمة ، وريحانتيه من الدنيا الحسن والحسين وعلي أخيه وصهره ، في هذا البيت كان يجلس رب العائلة سيدنا محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) مع عائلته ، عليٌ عن يمينه وفاطمة عن يساره والحسن والحسين في حجره ، يُقبل هذا مرة وذاك أخرى ، يباركهم ويدعو لهم ويسأل الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا ، ومن هذا البيت كان يخرج النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) إلى السفر ، وبه يبدأ إذا عاد . في البيت الفقير سبّحت الزهراء وبعلها وبنوها بالغدو والآصال . قال أنس : قرأ رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم): {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }([1]) فقام إليه رجل ، وقال : أي بيوت هذه يا رسول الله ؟ فقال (صلى الله تعالى عليه وسلم): بيوت الأنبياء فقام إليه أبو بكر وقال : يا رسول الله هذا البيت منها ، وأشار إلى بيت علي وفاطمة ، فقال (صلى الله تعالى عليه وسلم): نعم ، من أفضلها . وفي ذات يوم دخل هذا البيت رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم)على عادته فوجد علياً وفاطمة يطحنان بالجاروش ، فقال (صلى الله تعالى عليه وسلم): أيكما أعيا أي : تعب ، قال علي عليه السلام : فاطمة يا رسول الله ، فقال لها (صلى الله تعالى عليه وسلم): قومي يا بنية فقامت وجلس يطحن مع علي . عاشت فاطمة عند علي كرم الله وجهه وهو لا يملك إلا قلبه وسيفه وعلمه وإيمانه ، وكان يسكن في بيت متواضع ، طحنت فيه فاطمة بالرحى حتى تورمت كفها ، واستقت بالقربة حتى اسود صدرها ، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها )([2]) . هذا البيت الطاهر الذي طهره الله في محكم كتابه الكريم ، كان على جانب عظيم من الشفقة والحنان ، فقد كان أهل هذا البيت يعطفون جد العطف على الفقراء والمعوزين ، يرأفون بهم ، ويقدمونهم على أنفسهم ، ويبذلون لهم ما بأيديهم ولو كان بهم خصاصة .
الصلوات على السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام
( وعلى الجوهَرِ القدسية في تَعَيُنِ الإنسية ، صُورةِ النفس الكُلية ، حواءِ العالَمِ العقلية ، بُضِعتَهِ الحقيقةِ النبوية ، مطلع الأنوار العلوية ، عَينِ عيونِ الأسرارِ الفاطمية ، الناجيةِ المُنجِيةِ لِمُحبها عن النار ، ثمرةَ شجرةِ اليقينِ ، سيدة نساءِ العالمين ، المعروفة بالِقَدرِ والمجهولةِ بالقبر ، قرةُ عَيِنِ الرسول ، الزهراء البتول صلوات الله وسلامه عليها )([3]) .
فاطمة العابدة الذاكرة
يقول الإمام الحسن بن علي عليهما السلام : رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء . وفي سيرتها إنها كانت تخصص الساعة الأخيرة من نهار الجمعة للدعاء . وإنها في العشر الأخير من شهر رمضان المبارك لا تنام الليل وتُحرِّض جميع من في بيتها بإحياءِ الليل بالعبادة . وإنها كانت تشكو من تورم في قدميها لكثرة وقوفها بين يدي ربها خاشعة ومتهجدة . وهل خرجت عليها السلام في حياتها كلها عن المحراب ، وهل كانت حياتها كلها إلا السجود الدائم ، فهي في البيت تعبد الله في حسن التبعل ، وفي تربية أولادها ، حيث أن مسجد المرأة بيتها ، وهي في قيامها بالخدمات العامة كانت تطيع الله وتعبده في خلقه الذين كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله . وهي في مواساتها للفقراء وللمتعبين والمعذبين كانت تقوم بعبادة الله بنفسها وبأهل بيتها ، حيث أنهم كانوا حسب نقل القرآن الكريم : وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ([4]) حين كانوا : وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ([5]) والغاية على لسانهم وفي قلوبهم : إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً ([6]) صفحة في حياتها وركعة من صلاتها .
سيدة نساء الأمة
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ (صلى الله تعالى عليه وسلم) فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله تعالى عليه وسلم صلى الله تعالى عليه وسلم)فَقَالَ : مَرْحَبًا بِابْنَتِي . فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَاطِمَةُ ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضًا فَقُلْتُ لَهَا مَا يُبْكِيكِ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله تعالى عليه وسلم) فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ أَخَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله تعالى عليه وسلم) بِحَدِيثِهِ دُونَنَا ثُمَّ تَبْكِينَ وَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله تعالى عليه وسلم) حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَلَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ . وما رُؤيت ضاحكة بعد انتقال رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم)حتى لحقت بالله عز وجل ووَجِدَت([7]) عليه وجداً عظيماً . وقالوا إنها عليها السلام أخذت قبضة من تراب القبر المعطر فوضعته على عينيها وبكت وأنشأت تقول :
ماذا على من شمّ تربة أحمد
أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صُبت عليّ مصائب لو أنها
صُبّت على الأيام عُدن لياليا
( وقالت عليها السلام :
واغبَرَّ آفاقُ السماءِ وكُوِّرَت
شمسُ النهارِ وأظلَمَ العَصرانِ
فالأرض من بَعدِ النبيِّ كئيبةٌ
أسفاً عليهِ كثيرةُ الرَّجفانِ
فلتبكهِ شرقُ البلادِ وغَربِها
ولتبكهِ مُضرٌ وكُلُّ يماني
وليبكهِ الطَّودُ المُعظَّمُ جودُهُ
والبيتُ ذو الأستارِ والأركانِ
يا خاتمَ الرُّسُلِ المُبارك ضَوئُهُ
صلى عليكَ مُنَزّلُ القَرآن ِ)([8])
إني مقبوضةٌ الساعة
( عن سلمى أمرأة أبي رافع قالت : مرضت فاطمةُ بنت رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم)عندنا ، فلما كان اليوم الذي توفيت فيه خرج عليٌ ، قالت لي : يا أُمَّه اسكُبي لي غُسلاً ، فسكبت لها ، فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسلُ ، ثم قالت : ائتيني بثيابي الجُدُدِ ، فآتيتها بها ، فلبستها ثم قالت : اجعلي فراشي وَسطَ البيت ، فجعلتهُ ، فاضطجعت عليه واستقبلت القبلة ، ثم قالت لي : يا أُمَّه ، إني مقبوضةٌ الساعةَ ، وقد اغتَسَلتُ فلا يكشفن لي كنفاً ، ثم رقدت وأغمضت عينيها وارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ سعيدة ، ثم أغمضت عينيها وأسلمت روحها الطاهرة إلى بارئها . فجاء عليٌ فأخبرتهُ ، فقال : لا واللهِ لا يَكشف لها أَحدٌ كنِفاً ، فاحتملها فدفنها بغُسلها ذلك )([9]) . انتقلت عليها السلام إلى الرفيق الأعلى بعد رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) بستة أشهر ، في ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة أحدى عشرة وهي ابنة تسعٍ وعشرين سنة أو نحوها هذا اصح ما قيل .
… ثم ماذا ؟ ثم مسك الختام ، عن سيدي علي عليه السلام وكرم الله وجهه انه قال : سمعت رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم)يقول : إذا كان يوم القيامة ، نادى مناد من وراء الحجاب : يا أهل الجمع .. غُضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد حتى تمر . انحناءة إجلال بين يديك يا سيدتي ، يا بضعة النبي … وطأطأة للرأس تجاه مقامك الشامخ ، يا أم الحسنين وحبيبة رسول الله ، عليك مني السلام وعلى أبيك صلوات الله تعالى عليه وسلم وعلى زوجك وولديك وعلى ذريتك الطاهرين المهديين . وهناك قصيدة رائعة بحق فاطمة الزهراء عليها السلام للمفكر والشاعر الإسلامي الدكتور محمد إقبال حيث يقول فيها.
الـمـجـد يـشــرق مـــن ثـــلاث مـطـالـع
فــــي مــهــد فـاطـمــة فــمــا أعلاها
هي بنت من هي زوج من هي أم من
مـــن ذا يـدانــي فـــي الـفـخــار أباها
هي ومضـة مـن نـور عيـن المصطفـى
هـــادي الـشـعـوب إذا تــــروم هــداهــا
هـــو رحــمــة للعـالـمـيـن وكـعـبــة الآ
مــــال فــــي الـدنـيــا وفــــي أخراها
مـــن أيقظ الـفـطـر الـنـيــام بــروحــه
وكـــأنـــه بـــعـــد الــبــلـــى أحياها
وأعـــــاد تــاريـــخ الــحــيــاة جـــديـــدة
مـثــل الـعـرائـس فـــي جـديــد حــلاهــا
ولـزوج فاطـمـة بـسـورة (هــل أتى )
تــاج يـفـوق الـشـمـس عـنــد ضـحـاهـا
أســـد بـحـصـن الله يــرمــي الـمـشـكـلات
بصـقـيـل يـمـحــو ســطــور دجــاهــا
إيوانه كــــــوخ وكـــنــــز ثـــرائــــه
ســـيـــف غــــــدى بـيـمـيـنــه تــيــاهـــا
فــي روض فاطـمـة نـمـا غصـنـان لـــم
ينجـبـهـمـا فـــــي الـنــيــرات ســواهـــا
فأمير قـافـلــة الـجـهــاد وقــطـــب دا
ئـــــرة الــوئـــام والاتـــحـــاد ابــنــاهــا
حَـسـنُ الــذي صــان الجمـاعـة بعـدمـا
أمسى تـفـرقـهــا يـــحـــل عـــراهـــا
تــرك الخـلافـة ثــم أصبح فــي
الـديــا ر إمام الـفـتـهـا وحُــســـنُ عــلاهـــا
وحُسَـيـنُ فــي الأبرار والأحرار
مـــا أزكى شـمـائــلــه ومــــــا أنداها
فتعلـمـوا ديــن اليقـيـن مـــن الحُـسَـيـن
إذا الـــحـــوادث أظـــمــــأت بـلــظــاهــا
وتـعـلـمــوا حــريـــة الإيمان مــــــن
صـبــر الحـسـيـن وقـــد أجاب نـداهــا
الأمــهــات يــلــدن لـلـشـمـس الـضــيــاء
ولـلـجـواهــر حـسـنـهــا وصــفــاهــا
مـــــا ســيـــرة الأبناء إلا الأمـــهـــا ت
فــهــم إذا بـلـغــوا الــرقــي صــداهــا
هـــــي أسوة للأمهات وقــــــدوة
يـتــرســم الـقــمــر الـمـنـيــر خـطــاهــا
لـمـا شـكــا المـحـتـاج خـلــف رحـابـهـا
رقـــت لـتـلـك الـنـفـس فـــي شـكـواهــا
جـــــادت لـتـنـقــذه بــرهـــن خـمــارهــا
يــا سُـحـبُ أين نـــداك مـــن جـدواهــا
نـــور تــهــاب الــنــار قــــدس جــلالــه
زمـنــى الـكـواكـب أن تــنــال ضـيـاهــا
جعـلـت مــن الصـبـر الجمـيـل غـذائـهـا
ورأت رضــا الــزوج الكـريـم رضـاهــا
فــمــهــا يُـــرتـــل آي ربــــــك بـيـنــمــا
يـدهــا تـديــر عـلــى الشـعـيـر رحـاهــا
بــلـــت وســادتــهــا لآلــــــئُ دمــعــهــا
مـــن طـــول خشيـتـهـا ومـــن تـقـواهـا
جبـريـل نـحـو الـعــرش يـرفــع دمـعـهـا
كـالـطـل يـــروي فـــي الـجـنـان ربـاهــا
لــولا وقـوفـي عـنــد أمـــر المصـطـفـى
وحُــــدود شـرعــتــه ونــحـــن فــداهـــا
لمـضـيـت للـتـطـواف حـــول ضريـحـهـا
وغــمــرتُ بـالـقـبـلات طــيــب ثــراهــا
اللهم ارحمنا بجاههم ونور قلوبنا وأبصارنا اللهم آمين والحمد لله رب العالمين . وصَلِّ الَّلهُمَّ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الوَصفِ وَٱلوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَالحِكْمَةِ وَعَلى آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلِّمْ تَسليماً .
___________
الهوامش
[1] – النور 36 .
[2] – محمود شلبي – حياة فاطمة ص173 – 176 .
[3] – مخطوطة دار المخطوطات العراقية برقم 33099 ورقة 2 .
[4] – الإنسان 8 .
[5] – الحشر 9 .
[6] – الإنسان 9 .
[7] – وجدت : حزنت .
[8] – محمد كامل حسن – عظماء الإسلام / فاطمة الزهراء ص 126 . [9] – أخرجه ابن سعد في الطبقات .