قال تعالى : (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) ( الرحمن 29 ) ، إنها الحقيقة المطلقة بصور منسقة أبدعتها مشيئة الحق سبحانه الفعالة والمطلقة التي أوجدت الوجود أشياء بأزدواجيتها مثقلة ومرهقة : (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ( الذاريات 49 ) ، أرواح ( ذوات ) مختلفة متجاذبة ومتنافرة ولكل ذات موضوع ( هيكل ) متشابه ومشتبه فانفعلت الذوات بفعل ذات الحق جل شأنه وبتأثير مواضيعها فكانت مسيرة ومخيرة .
وعجزت العقول عن إدراك الذوات بالضوء والإبصار فتقيدت بقياس مواضيعها الأفكار وتفرق الخلق إلى أخيار وأشرار بحسب المصالح والشهوة والاستئثار ( 1 ) وتفاوتت الفهوم فكانت الأبحاث والعلوم وبمقتضاها تكونت الجماعات ما بين أعداء وأنصار
لتستمر الحياة بتلاقح الأفكار وظن العقل أن الطبيعة هي الواقع المرئي المقترن بالتكرار بعد أن أدرك الأبعاد الثلاثة للأشياء التي هي الطول والعرض والارتفاع ( 2 ) .
وبفعل نشوء المدنية وظهور النظريات كان الإبداع والاختراع وانحازت العقول إلى التعاون أو النزاع ولم تنتبه لازدواجية طبيعة الأشياء والتي هي طبيعة ذاتية عن الأبصار محجوبة وغير مرئية وطبيعة موضوعية ظاهرة وأخرى مخفية وكذلك غفلت العقول عن ثبوت الزمان الذي هو البعد الرابع الذي أحاط بفضاء المكان والأكوان باتجاه الماضي والحاضر والمستقبل الذي قدر فيه الحق آجال الذوات ونتائج انفعالاتها بالإرادة العلية الربانية فأنقسمت العلوم إلى علوم مادية تأخذ بالكتب والدراسة لأنها علوم نقلية وعقلية وعلوم روحية اصطلح عليها بالعلوم الغيبية اختصت بالجانب الروحي للأشياء يهبها الحق جل شأنه للأنبياء والرسل والأولياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام . فكانت العلم الأكبر ( 3 ) .
الذي استوعب حركة الأشياء وإبصارها شكلاً ومنظر وأدرك ذواتها وماهياتها والجوهر بالبصيرة والنور بعيداً عن تقلب الرغبات ومنهجية الشهوات والهوى والغرور
التي صيرت الكفر والفاحشة والفجور والظلم والفسوق والجور لترتقي البشرية إلى الخير والفضيلة بالرحمة والعناية الإلهية وينتشلها من مستنقع الأنانية الذي أوصل إبليس الملعون إلى الاستكبار والعصيان وأعقب ذلك بالغواية والبهتان وأستدرج آدم عليه السلام إلى الخطيئة لقلة عزمه والنسيان فكانت الشقاوة والخذلان صفة لأهل الكفر والتكبر والمنكر والطغيان .
وصفة الخير والفضيلة والإحسان لأهل الأيمان الذين تنورت قلوبهم وزكت أنفسهم وطهرت عقولهم بنور الرحمن .
والحمد لله رب العالمين وصل اللهم على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
_________
الهوامش :
1 – انظر كتاب مهزلة العقل البشري للدكتور علي الوردي ص 109 .
2 – نفس المصدر ص 169 .
3- انظر مجلة الكسنزان العدد الخامس ص 128 .