وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم (31) مرة بمشتقاتها المختلفة ، منها قوله تعالى : والرُّجْزَ فاهْجُرْ .
ولقد قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي عن الهجرة : « قال بعضهم : المهاجر إلى الله : هو المنقطع إلى الله من غير الله » .
وعن هجر التأدب يقول الشيخ علي البندنيجي القادري : هجر التأدب : هو الهجر الذي يقع للسالكين بعد التمكن والإيقان .
وأما هجر التسلب : فهو الهجر الذي يقع للمجذوبين بعد العرفان .
وهجر التعتب : هو الهجر الذي يقع للمسلكين بعد شهود الحق بعين الجنان .
وهجر التقرب : هو الهجر الذي يقع للعالمين الواصلين بعدما انطوى عليهم الزمان والمكان .
وقال عن الهجر الجميل الإمام القشيري : « الهجر الجميل : هو أن تعاشرهم بظاهرك وتباينهم بسرك وقلبك .
ويقال : الهجر الجميل : ما يكون لحق ربك لا لحظ نفسك .
ويقال : الهجر الجميل : ألا تكلمهم وتكلمني لأجلهم بالدعاء لهم » .
وإن سيدنا الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني (قدس سره) يقول عن هجر المحبوب : « هجر المحبوب : هي نار يضرمها مالك الصدر في جهنم الوجد » .
وأما الهجرة في مفهومها العام فقد عبر عنها الشريف الجرجاني فقال : « الهجرة : هي ترك الوطن الذي بين الكفار والانتقال إلى دار الإسلام » .
وفي أقسام الهجرة يقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي : « الهجرة على قسمين : صورية وقد انقطع حكمها بفتح مكة .
ومعنوية : وهي السير عن موطن النفس إلى الله لفتح كعبة القلب ، وتخليصها من أصنام الشرك والهوى فيجري حكمها إلى يوم القيامة » .
وفي أنواع الهجرة يقول الشيخ أحمد بن عجيبة : « الهجرة … من وطن المعصية إلى وطن الطاعة ، ومن وطن الغفلة إلى وطن اليقظة ، ومن وطن عالم الأشباح إلى وطن عالم الأرواح ، ومن وطن الملك إلى وطن الملكوت ، أو من وطن الحس إلى وطن المعنى ، أو من وطن علم اليقين إلى وطن عين اليقين أو حق اليقين » .
وعن حكم الهجرة فيقول سيدنا الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) : « الهجرة قائمة على حدها الأول . ما كان لله في أهل الأرض حاجة من مستسر الإمَّة ومعلنها . لا يقع اسم الهجرة على أحد إلا بمعرفة الحجة في الأرض . فمن عرفها وأقر بها فهو مهاجر » .
ويقول الشيخ سهل بن عبد الله التستري : « الهجرة فرض إلى يوم القيامة : من الجهل إلى العلم ، ومن النسيان إلى الذكر ، ومن المعصية إلى الطاعة ، ومن الإصرار إلى التوبة » .
ويقول الشيخ عبد القادر الجزائري عن الهجرة القلبية : « الهجرة إلى الله قلبية ، وهي الأساس الأول … وهي بحصول الزاجر الإلهي ، والعزوف عما كان عليه من المخالفات للأوامر الإلهية .
والهجرة إلى رسوله : هي المقصد الثاني للدلالة ، وتعريف سلوك طرق المطلوب ، وهي هجرة جسمانية . وكما كانت الهجرة لرسول الله واجبة قبل الفتح ، فتح مكة ، فهي اليوم باقية لورثة أحواله وأسراره ، الدالين على الله تعالى ، الداعين إلى معرفته » .
وفي حقيقة الهجران يقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي : « حقيقة الهجران : هو نسيان المهجور » .
وفي تأويل العارفين لقوله تعالى : وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ يقول الشيخ نجم الدين الكبرى : « بالأبدان عما نهى الله عنه بالشريعة .
وهاجروا بالله بالقلوب عن الحظوظ الأخروية برعاية الطريقة .
وهاجروا إلى الله بالأرواح عن مقامات القربة ورؤية الكرامات بجذبات الحقيقة .
بل هاجروا عن الوجود المجازي مستهلكا في بحر الوجود الحقيقي ، حتى لم يبق لهم في الوجود سوى الله من بعد ما ردوا إلى أسفل السافلين ، لننزلنهم على أقرب القرب في حال حياتهم » .
وإن دار الهجرة عندهم كما يقول الشيخ عبد الغني النابلسي : « دار الهجرة [ عند الشيخ ابن الفارض ] كناية عن الحقيقة النورية الأصلية المحمدية ، التي خلق الله تعالى منها كل شيء بوجه الأمر الإلهي القائم به كل شيء » .
وأما داري الهجرتين فيقول عنها الشيخ النابلسي : داري الهجرتين [ عند الشيخ ابن الفارض ] : كناية عن الهجرتين اللتين كانتا للصحابة .
الهجرة الأولى : من مكة إلى بلاد الحبشة ، وهي الهجرة النفسانية خرج فيها من النفس التي هي القلب ، الذي هو بيت الرب ولكنه في جاهليته مملوء بأصنام الأغيار إلى بلاد حبشة الأكوان المكدرة بغيرية الأطوار .
ثم الهجرة الثانية : وفيها النورانية المحمدية من النفس المطمئنة : التي هي القلب أيضاً إلى المدينة المحمدية والحضرة الأحمدية .
ويقول الشيخ أحمد السرهندي : الهجرة الباطنية : هي أن يكون مع الناس في الظاهر ودونهم في الباطن .
المصدر : موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه أهل التصوف والعرفان للسيد الشيخ محمد الكسنزان