الشكر وهو الاعتراف بالنعمة والامتنان للمنعم , وهو فرح القلب بحصول النعمة مع صرف الجوارح في طاعة المنعم والاعتراف به , والشكر خوص القلب في محبة المنعم وجريان اللسان بذكره والثناء عليه , أي رؤية المنعم لا رؤية النعمة ومحبتها .
وبالشكر يتنافى الوجود الانساني ويتجلى الوجود الالهي اذ ان الشاكر يرى ان شكره هذا من الله ونعمته هذه من الله وهو لله فيكون قد ادى لله حقه في الشكر وهو فرض من الله تعالى على العباد قال تعالى : ( فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون )(1),وقال درجات الشكر ان لا تستعين بنعمة الله على ارتكاب معاصيه فلا تسخر الاموا والقوة والذكاء في اتجاهات لا يرضاها الله سبحانه وتعالى . ولسيد الشاكرين سيدنا محمد ﷺ احاديث كثيرة نورد منها :
قال: ﷺ ( الطاعم الشاكر بمنزله الصائم الصابر).
وقالﷺ : ( اول ما يدعى الى الجنة الحامدون لله على كل حال ) , وقيل ان داود عليه السلام قال الهي كيف اشكرك وشكري لك نعمة من عندك فاوحى الله تعالى اليه الان قد شكرتني .
وعن الامام الحسين عليه السلام قال من سجد سجدة ليشكر نعمة وهو متوضيء كتب الله له عشر حسنات ومحى عنه عشر خطيئات .
والنعمة من الله لم تشكر تتحول الى نقمة على العبد وعكس ذلك اذا صبر العبد على البلاء فينقلب رحمة , قال الامام الصادق عليه السلام : ان الله انعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة ,وقال ايضا في كل نفس من انفاسك شكر لازم بك , وادنى الشكر رؤية النعمة من الله تعالى , من غير علمه بتعلق القلب بها دون الله عز وجل والرضا بما اعطى ,وان لا تعصيه بنعمته وتخالف بشيء من امره ونهيه بسبب نعمته فكن لله عبدا شاكرا على كل حال , ولو كان عند الله تعالى عبادة تعبد بها عباده المخلصون افضل من الشكر على كل حال لاطلق نقطة فيهممن بجميع الخلق بها فلما لم يكن افضل منها خصها من بين العبادات وخص اربابها فقال :وقليل من عبادي الشكور(2) .وتمام الشكر الاعتراف بلسان السر خالصا لله عز وجل بالعجز عن بلوغ ادنى شكره لان التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها وهي اعظم منه الى ما لا نهاية له مستغرقا في النعمة قاصرا عاجزا عن ادراك غاية شكره فانى يلحق العبد شكر نعمة الله ومتى يلحق ضيق بضيق , والبعد ضعيف لا قوة له ابدا الا بالله عز وجل , والله غني عن طاعة العبد فهو قوي على مزيد النعم على الابد فكن لله عبدا شاكرا على هذا الوجه ترى العجب (3) .
والحمد والشكر على النعمه هو نعمة من الله افضل من النعمة المشكور عليها , قال الامام الرضا عليه السلام من حمد الله على نعمة فقد شكره وكان الحمد افضل من تلك النعمة .
ولا يخفى ان انعم الله على العباد اعظم من ان تعد او تحصى وهو القائل جل وعلا في كتابه الكريم : ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها )(4) ,فقد نفى عنها الاحصاء والحصر ,فليس للمؤمن ان يشكر على نعمة واحدة وانما عليه الشكر الدائم لان النعم التي تفضل بها الله سبحانه وتعالى عليه لا تحصى فكيف يشكرها واحدة واحدة ؟ فعلى كل جارحة ونعمة شكر واجب ,فشكر العين هو ستر ما تراه من عيوب المسلمين وشكر الاذن هو ستر ما تسمعه من عيوب الناس , وشكر اللسان هو الاعتراف بالنعمة ,وشكر البدن هو الاتصاف بالوفاء والخدمة ,وشكر القلب هو الانعكاف على بسط الشهود بادامة حفظ الحرمة , وهكذا فالشكر امر لا يتناهى طالما نعم الله لا تتناهى والتحير في الشكر هو غاية الشكر فليس للعبد اذا اراد الشكر سوى الاقرار بالربوبية لله سبحانه وتعالى .
وينقسم الشكر الى ثلاثة اقسام تبعا لتقسيم النعم فالنعم تقع في ثلاثة مجالات :
1- نعم دينية .
2- نعم دنيوية .
3- نعم اخروية .
فمن النعم الدينية : الهداية والتقوى والمعرفة بالله وحسن العبادة وقبول الجليل صالح الاعمال ويمكن جمع النعم الدينية في نعمة الاسلام وبعث سيدنا محمدﷺ للناس جميعا قال تعالى : ( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)(5) ,ثم اتم الجليل نعمته علينا فلم يزل ينير لنا الطريق لنهتدي بان جعل الولاية والعلم به في ال بيت الرسولوجعلهم مشاعل خير تسير بالناس نحو النجاة والضياء وتخرجهم من الهاوية والظلام وهذا يتضح في ارشاد اهل الطريقة مشايخنا الكسنزان حيث يبذلون جهودهم واموالهم في سبيل تربية المريدين واحياء السنة المحمدية والدين الاسلامي .
واما النعم الدنيوية : فتكون اجلها في الصحة والعافية والستر والمال الحلال والعزة .
واما النعم الاخروية :فلا مجال لحصرها لانها تبقى كثيرة كبيرة مهما حاولنا ذكرها .فالشكر طاعة ومحبة والشكوى معصية وان اجاز بعضهم الشكوى في البلوى فيجب ىان تكون الشكوى لله وحده .
ويؤدي الشكر بطرق ثلاثة
1- شكر اللسان : وهو التلفظ بكلمة الشكر (الحمد لله والشكر له )وكذلك من الشكر اللسان ذكر نعمة الله امام الناس شرط ان لاتحجب النعمة رؤية المنعم أي التكلم بالنعمة موضحا انها من الله ,قال الرسولﷺ ( التحدث بنعمة الله تعالى شكر)(6).
2- شكر العمل : وهو ان يؤدي عملا يرضي الله لاجل شكره على نعمة معينة كما يؤدي العبد صلاة خاصة لاجل الشكر وهو فرض قال تعالى : ( اعملوا ال داود شكرا)(7) ,وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبيﷺ يقوم الليل حتى تتورم قدماه فقلت : يا رسول الله لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر ؟
فقالﷺ : ( افلا اكون عبد شاكرا) , فشكر رسول الله كان بالصلاة على نعمة الغفران .
3- شكر الجنان : هو بان يشهد العبد في دخله ان كل نعمة به او باحد غيره هي من الله ولا يدع رؤية هذه النعمة تنسيه الجليل المنعم عليه فيكون قلبه مملوءا بالله حقا وحقيقة ظاهرا وباطنا وبفعالية هذا الوجود الالهي في القلب يتنافى الوجود الانساني وبذا يتم الشكر .
والشكر واجب في السراء والضراء ومن شكر في المنع نال درجة اعلى في الشكر كان الرسولﷺ يقول في الضراء : ( الحمد لله على كل حال), وقيل :(الشاكر من يشكر على العطاء , والشكور من يشكر على المنع )(8) , وعندما يرى العبد نفسه عاجزا عن الشكر حائرا في كيفيته يكون شكورا .
الهوامش: (1) البقرة : 152 .
(2) سبا : 13 .
(3) عادل خير الدين – للامام جعفر الصادق – العالم الفكري .
(4) النحل : 18 .
(5) الانبياء : 107 .
(6) رواه الترمذي .
(7) سبا : 13 .
(8) د.عبد المنعم حفني – معجم المصطلحات الصوفية
المصدر:
السيد الشيخ محمد الكسنزان – كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية – ص252 – ص255 .