هو طلب شيء المعين بانكسار وتردد لشعور الطالب انه يطلب شيئا لا يستحقه ولكنه يأمل ويطمع في كرم المطلوب منه لنيل المطلوب .
وحقيقة الرجاء تعلق القلب بمرغوب سيناله في المستقبل , وهذا التعلق يورث الجد والاجتهاد خاصة إذا علم كرم المطلوب منه فان الطالب يتهالك في نيل رضاه بسبب ذلك الآمل , وان لم يجتهد في الطلب يصبح الرجاء أمنية وغرورا يورث الكسل .
ورجاء المؤمن في ربه ورد في آيات كثير منها قوله تعالى : (من كان يرجوا لقاء الله فان اجل الله لات)(1), وقال تعالى : ( أن الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبــيل الله أولــئك يرجــوا رحمـــت الله)(2), وقال تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)(3) . فالرجاء أمر محمود شرط إن لا يغلب عليه الخوف لان الخوف توقع حصول مكروه في المستقبل , فان غلب الخوف ساء العبد ظنه بربه – حاشا لله – كما أن الخوف من المحبوب يوجب الوحشة من المحبوب وهذا لا يجوز . كما لا يجوز أن يحصل الرجاء بالعبد إلى حد التوغل في المعاصي بأمل حسن الظن لان الرجاء وحده على كثرته يوقع المحب في إعجاب وسوء الأدب .
والرجاء يتولد من الخوف إذ لولا خوف توقع الأذى لما حصل الرجاء بالمغفرة والرحمة وهذا رجاء الناس العامة فهم بين من عمل حسنة يرجو قبولها ومن عمل سيئة يرجو غفرانها , أنا رجاء المحبين فهم لا يخافون عقابا لعدم حصول التوقع به عندهم لما علموا من محبة الله لهم وهو حال أهل الطريقة فرجاؤهم يكون في التقرب من الجليل في القلوب المطمئنة وليست خائفة , كانت رابعة العدوية تقول : (ما عبدته خوفا من ناره ولا طمعا في جنته )(4), فالرجاء هنا هو رؤية الجليل تعالى والفوز بالقرب من حضرته سبحانه .
واجتماع الرجاء والخوف في قلب العبد ورد على لسان الرسول محمد ﷺ حيث قال : ( ما اجتمع الرجاء والخوف في قلب أمريء مسلم عندي الموت الاعطاه الله ما يرجو وصرف عنه ما يخاف)(5) .
والله سبحانه عند ظن العبد به فان ظن خيرا فهو خير ,وعلى سعة رحمة الله وعظم مغفرته فهو شديد العقاب ذو انتقام فلا يجوز للعبد إن يبيح لنفسه ما يشاء املأ في رحمة ورجاء المغفرة .
قال الإمام الصادق عليه السلام : ( الخوف رقيب القلب والرجاء شفيع النفس ومن كان بالله عارفا كان إلى الله راضيا , راجيا وهما جناحا الأيمان يطير بهما العبد إلى رضوان الله وعينا عقله يبصر بهما إلى وعد الله وعيده . وللخوف طالع عدل الله باتقاء وعيده الرجاء داعي فضل الله وهو يحي القلب والخوف يميت النفس . قال رسول الله ﷺ : (المؤمن بين خوفين خوف ما مضى وخوف ما بقي), ( وبموت النفس يكون حياة القلب وبحياة القلب البلوغ إلى الاستقامة ومن عبد الله على ميزان الخوف والرجاء لا يضل ويصل إلى ما هو له وكيف لا يخالف العبد وهو غير عالم بما يختم صحيفته ولا له عمل يتوسل به استحقاقا ولا قدرة له على شيء ولا قفر , وكيف لا يرجو وهو يعرف نفسه بالعجز وهو غريق في بحر ألاء الله ونعمائه من حيث لا تحصى ولا تعد , والمحب يعبد ربه على الرجاء بمشــــاهد أحــواله بعــين السهر )(6) .
(والرجاء هو الأمل الذي يحي به الإنسان ولولا الرجاء لما كان هناك عمل فالرجاء باعث على الاجتهاد واللذة في العمل , وفيه العمل ,وفيه انشراح القلب للعمل والحث على تكثير أنواع الطاعات المختلفة ,فرجاء المغفرة يؤدي إلى التوبة ورجاء الثواب يؤدي إلى كثرة العمل )(7) .
ويقول ابن قيم الجوزية : وإنما نطق به التنزيل لفائدة وهي كونه يبرد حرارة الخوف بل لفوائد كثيرة أخرى منها إظهار العبودية والفاقة والحاجة إلى ما يرجو من ربه وانه لا يستغني عن فضله وإحسانه طرفة عين , ومنها انه سبحانه يحب من عباده إن يؤملوه ويرجوه ويسألوه من فضله لأنه الملك الحق الجواد أجود من سئل وأوسع من أعطى وأحب ما للجواد إن يرجى ويؤمل ويسال , وفي الحديث ( من لم يسال الله غضب عليه ) , ومنها إن الرجاء حاد يحدو به في سيره إلى الله ويطيب له المسير ويحثه عليه ويبعثه على ملازمته , ومنها إن الرجاء يطرحه على عتبة المحبة فانه كلما اشتد رجاؤه وحصل له ما يرجوه ازداد حبا لله تعالى وشكرا له ورضا به وعنه , ومنها انه يوجب له المزيد من معرفة الله وأسمائه ومعانيها والتعليق بها فان الراجي متعلق بأسمائه الحسنى متعبد بها داع بها .
وقال ابن عجيبة : رجاء ألعامه (حسن المآب بحصول الثواب ورجاء الخاصة حصول الرضوان والاقتراب ورجاء خاصة الخاصة التمكن من الشهود وزيادة الترقي في أسرار الملك المعبود )(8) .
وللمؤمن رجاءان ينتجان من خوفين
– خوف من الفعل الذي مضى فان كان خيرا يرجو قبوله وان كان سوءا فيرجو غفرانه .
– وخوف من الفعل القادم الذي سوف يفعله فهو يرجو أن يكون عملا صالحا مقبولا لأنه لا يعلم خاتمة أعماله فيرجو الله إن يجنبه العمل السيء أو يغفر له إن كان قد قدر عليه .
الهوامش:
(1) العنكبوت :5 .
(2) البقرة : 218 .
(3) الكهف : 110 .
(4) ماسينيون – التصوف الإسلامي .
(5) روي في رياض الصالحين .
(6) عادل خير الدين – العالم الفكري للإمام جعفر الصادق – ص307.
(7) محمد هشام – مدارج السالكين عند الصوفية – ص732 .
(8) ابن عجيبه – معراج التشوف- ص6 .
المصدر :
السيد الشيخ محمد الكسنزان -كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية – ص225- 227 .