هي الرجوع عن التصرفات السيئة الخارجة عن الطاعة المبغضة عنده سبحانه وتعالى . وتوبة المسلم نور يتوقد في القلب بفضل الله ورحمته بعد أن أضله الشيطان بإغوائه وهي لعامة البشر لأنه لا يخلو أي بشر من وسوسة الشيطان وخواطر أو من الغفلة عن ذكر الله , لذلك فان التوبة واجبة على كل البشر وقد وجوبها في آيات قرآنية عديدة نذكر منها .
قال تعالى : ( يا أيها الذين امنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا)(1) .
وقال تعالى : ( وتوبوا إلى الله جميعا أية المؤمنون لعلكم تفلحون)(2) .
وقال تعالى : ( ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم)(3) .
وقال تعالى : ( واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى)(4) .
وعن الرسول ﷺ : انه قال: ( يا أيها الناس توبوا إلى الله فاني أتوب إليه في اليوم مئة مرة)(5) . وتوبته ﷺ كانت في الاستغفار وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
وقال الرسول ﷺ : ( من تاب قبل إن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه)(6) . وقال السيد الشيخ عبد القادر الكيلانيقدس الله سره (مفتاح التقوى التوبة . والثبات عليها مفتاح القرب من الله عز وجل التوبة هي اصل كل خير وفرعه ولهذا لا يفتر الصالحون عنها في جميع أحوالهم , وتوبوا يا مريدين يا عصاة ,صالحوا ربكم بالتوبة هذا القلب لا يصلح لله عز وجل وفيه ذرة من الدنيا وطمع في احد من الخلق فان أردتم صحبته فاخرجوا هذين كليهما من قلوبكم فهذا لا يضركم إذا اتصلتم به عز وجل أتتكم الدنيا والخلق وانتم معه على بابه وهذا شيء مجرب قد جربه الزاهدون التاركون , توبوا واعترفوا بتقصيركم , التوبة مياه الحق عز وجل يحيي الأرض بعد موتها بالغيث ويحيي القلوب بعد موتها بالتوبة واليقظة )(7) .
وقال قدس الله سره : ( أكثروا من الاستغفار والتوبة فانهما أصلان عظيمان لأمور الدنيا والآخرة أمر نوح عليه السلام قومه بالاستغفار ووعدهم في جوابه بالمغفرة وتسخير الدنيا ووقوفها في خدمتهم فقال لقومه حاكيا عن قوله تعالى : ( فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا . يرسل السماء عليكم مدرارا . ويمدكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم نهارا)(8) .
وقال أيضا قدس الله سره : (متى تتوبون يا مريدين ياعصاة ؟ صالحوا ربكم عز وجل بواسطة التوبة لو لا حياتي من الله عز وجل ومن حمله لقمت وأخذت بيد واحد منكم وقلت له أنت فعلت كذا وكذا تب إلى الله عز وجل لا كلام لك ومعك حتى يقوى إيمانك بمولاك عز وجل فحينئذ تتعلق بالعروة اوثقى وهي وصول قلبك إليه فيباهي بك النبي ﷺ الأمم , يامن امن بلسانه متى تؤمن بقلبك ؟ إيمان اللسان مع كفر قلبك لا فائدة منه )(9) .
ويقسم أهل الطريقة التوبة على عدة أقسام .
قال الإمام القشيري سمعت أبا علي الدقاق يقول : التوبة ثلاثة أقسام (التوبة , إنابة , أوبه ) فكل من تاب خوفا من العقاب هو صاحب توبة , وكل من تاب طعما في الثواب هو صاحب إنابة , وكل من تاب امتثالا لأمر الله – رغبة لا رهبة – فهو صاحب أوبه .
وقال القشيري: التوبة للمؤمنين لقوله تعالى : ( وتوبوا إلى الله جميــعا إيه الــمؤمنون لعــلكم تفلحون)(10) , والإنابة للأولياء المقربين لقوله تعالى : ( وجاء بقلب منيب)(11), والأوبة للأنبياء والمرسلين لقوله تعالى : ( نعم العبد انه أواب)(12).
وحقيقة التوبة هي انتباه يطرأ على الفكر فيوقظ القلب من رقود الغلفة عن ذكر الله فيؤدي به إلى ترك المعاصي الظاهرة والباطنة الصغيرة والكبيرة والإقبال على الله بكل جوارحه تاركا التفكير بالذنوب متفائلا بالمغفرة وشرطها ترك قرناء السوء وهجرة أصحاب الفسقة الذين يحبون المعصية إلى العبد وينفرونه من الطاعة ثم الالتحاق بصحة الصادقين والصالحين الأخيار من المشايخ الكرام لان صحبتهم والسلوك على أيديهم يعد سياجا يردعه عن العودة إلى الحياة المعاصي وعليه إن يكف عن التفكير بالذنوب السابقة لان ذلك يؤدي إلى اليأس من غفرانها والإحباط في السلوك كما إن اليأس كفر لقوله تعالى : ( انه لا يائس من روح الله القوم الكافرون)(13) . ويقسم ابن عربي التوبة إلى عدة أقسام :
توبة العوام وهي ثلاثة أنواع
أ – توبة عوام المؤمنين عن الصغائر التي صدرت منهم بسهو أو غفلة اجهل أو نسيان قال تعالى: ( إنما التوبة على للذين يعلمون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب)(14) .
ب – توبة الفاسقين وهي الندم على ما مضى من الذنوب وترك الذنب في الحال والعزم على تركه في المستقبل ورد المظالم إلى أهلها وإذابة النفس في الطاعة والبكاء في الأسحار بحضرة الملك الجبار .
ج – توبة الكافرين بدخولهم الإسلام والأيمان به وأداء حق الله عليهم ونعته بالرب ونعت أنفسهم بالعبيد .
توبة الخواص وهي على نوعين
أ – توبة عن الاكفار والإخطار من واردات الدنيا ووساوسها وهي مقام عوام الأولياء وخواص المؤمنين .
ب – توبة خواص الخواص وهي توبة عن اشتغال القلب بغير الله وهي مـــــقام الأنبياء وخــواص الأوليــاء (15) .
الهوامش :
(1) التحريم : 8 .
(2) النور : 21 .
(3) التوبة : 118 .
(4) طه : 82 .
(5) رواه مسلم عن ابن عمر
(6) صحيح مسلم عن طريق أبي هريرة .
(7) جلاء الخاطر من كلام الشيخ عبد القادر – ص2
(8) نوح : 10 , 11 , 12 .
(9) جلاء الخاطر من كلام الشيخ عبد القادر .
(10) النور : 31 .
(11) ق : 33 .
(12) ص : 30 .
(13) يوسف : 87 .
(14) النساء : 17 .
(15) الشيخ ابن عربي – تحفة السفرة – ص21 .
المصدر :
السيد الشيخ محمد الكسنزان- كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية – ص213-216 .