رياض عامر القيسي
إن المرأة في الفكر الصوفي كان لها موقع أفضل مما هي عند رجال الدين في جميع النواحي التي تمس جوهرها البشري فهي إنسان سوي كالرجل . فالتصوف الحقيقي لا يستعمل اللغة الذكورية في أي شأن يمس المرأة ، بل أجاز التصوف تسليك المرأة وان يتولاها شيخ , فهناك مريد ومريدة وسالك وسالكة ، وعارف وعارفة ، وقد تتصوف الزوجة دون زوجها أو يتصوف الإثنان لا ضير في ذلك . كما أكد الشيخ ابن عربي على أن الرجال والنساء يشتركان في جميع المراتب حتى في القطبية .
ولقد رفض التصوف والمتصوفة اعتبار الجنس ميزان التفاضل بين الذكر والأنثى ، عندما اعتبر التقوى هي الميزان الذي يتفاضل بحسبه الإنسان ذكراً كان أو أنثى متمثلاً بقوله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم وقد ذهب الشيخ ابن عربي إلى أبعد من ذلك في توقير المرأة واحترامها حيث يقول إن الذات الإلهية مؤنثة وإن التوحيد مذكر ويستطرد قائلاً ليؤكد عظمة التأنيث وقدسيته فيقول : ( إن الله نهانا أن نتفكر في ذات الله وما منعنا من الكلام في التوحيد , وهذا يعني قدسية الذات المؤنثة التي لا يجوز أن يطالها الفكر . وعدم قدسية التوحيد المذكر وإباحته بالتالي للكلام ) .
ويذهب أبعد من ذلك فيقول : ( كن على أي مذهب شئت فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم والعلة مؤنثة وإن شئت قلت القدرة فالقدرة مؤنثة أيضاً ) .
فلذلك نقول وبكل تقدير أنه لا يوجد دين من الأديان أو قانون أو معتقد أكرم المرأة ورفع من مقامها كما فعل الإسلام والتصوف بنظرته المعاصرة للأمور .
وقد جاء كلام ابن عربي مطابقاً لكلام الله في تفضيل الإناث على الذكور حين يقول : يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور قد جاء لفظ الإناث قبل الذكور في الهبة من عند الله .
ومن يعود إلى تاريخ التصوف تستوقفه صوفية مميزة يرجع لها الفضل في إشاعة لفظ الحب عند من جاء بعدها من الصوفية حين لم يكن الكلام في الحب ممهداً ، تلك هي(رابعة العدوية) وهي خير مثال على حرية المرأة ودورها وتأثيرها في المجتمع حيث تعتبر رابعة العدوية نقطة تحول في الزهد الإسلامي الممهد لظهور الصوفية والتصوف ، ومن هنا جاءت شهرتها حيث وصفها ابن خلكان قائلا: ( كانت رابعة العدوية من أعيان عصرها ، وأخبارها في الصلاح والعبادة
والعلم ).
وليس أدل على مكانتها ما نقل أن سفيان الثوري مع ما عرف عنها من الزهد والعلم ، كان يجلس بين يديها ويقول لها : علمينا مما أفادك الله من طرائف الحكمة ، وكانت تقول له : نعم الرجل أنت لولا أنك تحب الدنيا ، وكان يعترف ويسلم لقولها..
من هنا نرى أن التصوف رفض اعتبار الجنس ميزان التفاضل بين الذكر والأنثى ، عندما اعتبر التقوى هي الميزان الذي يتفاضل بحسبه الإنسان ذكراً كان أم أنثى متمثلا بقوله : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .
فالتصوف المعاصر يدعو إلى حرية المرأة وإعطائها حقوقها وتحريرها الشرعي لأنها تمثل أساس المجتمع من خلال مسؤوليتها عن تنشئة الجيل الجديد الذي يمثل دعامة المستقبل المعاصر .
وهذا يعني أن كفة المرأة في ميزان التصوف تعادل كفة الرجل إن لم تتفوق عليه في بعض الحالات .
المصدر :- مشاركة من الكاتب .