قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (1). منذ البداية لم يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة إلا بالعمل الصالح أي تقوى الله , ولقد كان أداء حقوق المرأة ووضعها في المكان اللائق بها واحترام رسالة الأمومة التي تحملها من الأمور التي أخذها الإسلام بعين الاعتبار وعاب على الجاهلية امتهان المرأة وغبن حقوقها في حرية الرأي والمشاركة ولقد استحقت السيدة خديجة لقب سيدة نساء قريش لأنها جمعت إلى جانب النسب العريق الطهر والعلم والتقوى , وكان لها دور كبير في إسناد الرسول بنشر الدعوى الإسلامية بكل ما تملك من غالٍ وثمين فأصبحت بما بذلته من جهود مضنية في سبيل ترسيخ عقيدة التوحيد عضواً فعالاً وامرأة مشاركة في بكل جوارحها مع الرجال المسلمين في ميدان العمل في الجهاد . وكذا كانت الزهراء عليها السلام فقد واكبت مسيرة الرسالة المحمدية وتفتحت عيناها على الوحي ونور النبوة فلازمت أباها إيماناً وعقيدة وعاشت الأحداث الساخنة وشهدت المصاعب والأحزان وكانت في بيتها مثالاً رائعاً للمرأة المؤمنة التقية عبادة وتسبيحاً وجهاداً وصبراً , وكانت هي والسيدة عائشة من اصدق رواة الحديث النبوي الشريف أسوة بالصحابة رواة الحديث فاستحقت بذلك لقب سيدة نساء العالمين , وكيف لا ؟ وهي ابنة رسول الله وقرة عينه وهو القائل عنها : فاطمة بضعة مني حبها حبي وبغضها بغضي . وكذلك الأمر مع نساء النبي فقد كن مؤمنات حاملات تعاليم الدين الإسلامي إلى نساء المسلمين وكانت لها تسابيح كثيرة وكن يستعملن الحصى والنوى في التسبيح ولقد تعرضن إلى الاختبار الشديد حين خيرن بين الله ورسوله وبين زخرف الدنيا فنجحن كلهن في الاختبار حين اخترن الله ورسوله فاستحققن بذلك لقب أمهات المؤمنين : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (2 ). وكانت المرأة المسلمة مجاهدة صابرة متحملة الأذى مع زوجها إيماناً منها بصدق الرسالة المحمدية كما هاجرت الكثير من النساء مع أزواجهن من مكة فراراً بالدين الحنيف وكانت من المهاجرات السيدة رقية بنت رسول الله حيث هاجرت إلى الحبشة مع زوجها سيدنا عثمان بن عفان , كانت المرأة المسلمة من السباقين في التضحية والجهاد في سبيل الله فكانت سمية أول شهيدة في الإسلام وكانت نسيبة الأنصارية وخولة بنت الأزور وغيرهن كثيرات من النساء اللواتي قدمن الكثير من التضحيات في سبيل الله . ولقد كان القرآن الكريم ومنذ بدايته لا يفرق بين المرأة والرجل إلا بالتقوى ويذكرها إلى جانب الرجل قال تعالى : وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ( 3). وقال تعالى : وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً( 4). وقال تعالى : فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 5). وان من الحقائق الجلية الثابتة بالتجربة والتي لا ينكرها عارف , ان حقيقة الطريقة الكسنـزانية هي إتباع المنهج الروحي الكامل للرسول , وهي ليست طائفة دينية أو فرقة سياسية , بل هي نواة الإسلام ومنطلقه الحقيقي ورافده الذي لا ينضب . ولما كان رسول الله يمثل القرآن في كل صفاته وحركاته وأعماله الجليلة فصار قرآناً ناطقاً كما وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سُئلت عن خُلق رسول فأجابت : ( كان خلقه القرآن ) , إذن فالطريقة العلية القادرية الكسنـزانية هي تطبيق عملي وروحي لنصوص القرآن بكل جوانبها , فالطريقة وبصفتها تمثل القرآن أعطت للمرأة مكانتها الخاصة ودورها المشرف في مشاركة الرجل في تكوين الأسرة وتهذيبها على القيم العليا ومبادئ الإسلام السامية وحماية حقوقها وضمان أمنها . ان الرباط المقدس الذي يربط بين الزوجين على أساس ثابت من التفاهم وحرية الاختيار والرغبة تعده الطريقة الكسنـزانية الأساس الأول في إنجاح الزواج القائم على أساس الرغبة في تطبيق سُنة المصطفى حفظاً للنوع واستمرار العبودية لله جل وعلا وليس لتحقيق الرغبات الشهوانية لفترة معينة ثم يتم التفريق على أساس اتفاق مسبق , لان مثل هذه الأعمال المشينة موقوفة وملغية شرعاً وقانوناً وعرفاً ولا تخدم الإسلام , بل تسيء إلى كرامة المرأة وتحط من قدرها وهي النصف الثاني للمجتمع . إذ إن للمرأة دوراً تربوياً متميزاً فهي احد الأعمدة الأساسية التي يقوم بها كيان الأسرة الإسلامية والتي تعدها الطريقة المنطلق الأول لتربية الأجيال المسلمة وهي المدرسة التي تتخرج فيها أفواج من الرجال المؤمنين المسلحين بسلاح الإيمان فمنهم المجاهدون والعلماء والفقهاء الفاضلون , ومنهم القادة والفرسان الأبطال الذين فتح الله على أيديهم الممالك والأمصار , وإن المرأة المسلمة إذ تشبعت بمبادئ الإسلام وقيمه ومثله وتعاليمه الرفيعة تكون هي النموذج الأعلى والقدوة المثلى فتنعكس آثارها الايجابية جلية واضحة في أبنائها وبناتها في محيط أسرتها الملتزمة المرتبطة بهدي دينها القويم دين الإسلام الحنيف مكونة أسرة حضارية حاملة أخلاقاً فاضلة تحقق السلام والطمأنينة وحياة سعيدة متآخية متعاونة في مجتمع إسلامي موحد تنشده الطريقة وتعده هدفاً من أهدافها السامية لتحقيق التقدم الحضاري والإنساني على جميع المستويات وفي مختلف المجالات . يظهر من خلال ذلك ان هدف الطريقة ودورها المشرف هو تكوين أسرة صحيحة قوية البنيان ثابتة الأساس ولا يتم ذلك إلا عن طريق المرأة الفاضلة المتحلية بالجوانب الروحية الإسلامية التي تجعل منها نوراً ساطعاً يضيء الطريق لأبناء أسرتها وتوجيهه الوجهة المستقيمة العادلة التي اختارها الله تبارك وتعالى لبني البشر لأداء ما كلفوا به من تحقيق رسالة الخلافة في الأرض . ولقد استمرت المرأة المسلمة إضافة إلى حمل رسالة الأمومة عابدة ربها مؤمنة برسالة سيدنا محمد وبرزت نسوة تميزن عن غيرهن في الإيمان والعقيدة وسلكن طريق الصوفية كرابعة العدوية ورابعة الشامية ومعاذة العدوية وغيرهن كثيرات كل واحدة منهن كانت صاحبة أحوال ومقامات ومكاشفات ومشاهدات وبرزت من بينهن رابعة العدوية التي تعد أول امرأة في العصر الأموي صدحت بالعشق الإلهي وسمت بروحها فوق عالم الماديات فأصبحت حديث الناس لا في أرض الرافدين فقط وإنما في كل زمان وفي كُل مكان من العالم يذكر فيه أهل الورع والتقوى والزهد والعبادة , ولقد أثبتت رابعة العدوية وقريناتها السالكات طريق الحق , ان المرأة بإخلاصها وطهرها وشفافيتها تستطيع ان تفوق كثيراً من الرجال البارزين في العلم والمعرفة والتقوى والورع وان تكون لها الأولوية في نيل الدرجات في مضمار سباق التقرب من حضرة الجليل ولم تتوقف المرأة في سلوكها الطريق القويم عند رابعة العدوية وقريناتها بل ظلت مسيرة المرأة الصوفية مستمرة جيلاً بعد جيل وحملت راية الطهر والعفاف والمنافسة المشروعة في نيل درجات العُلا نساء كثيرات ممن سمت أرواحهن وزكت أنفسهن وعفت ألسنتهن عن المآثم فوقفن شامخات راسيات أمام أعاصير زخرف الحياة ورياح النفس الأمارة بالسوء فكان حبهن لله رفيعاً عبقاً بالتقوى متلألئ بالورع ممزوجاً بالأشواق السابحة في عالم الملكوت , وهكذا الأمر مع المرأة الكسنـزانية فلقد كانت ولا زالت حضها وافر وقلبها ظافر بحب الله عامر بالأيمان تعبد وتذكر وتترقى في الدرجات والى جانب ذلك فهي ترشد وتربي المُريدات وتدير التكايا وتتصدر حلقات التعليم الديني وذلك لما اتصفت به الطريقة الكسنـزانية بأنها امتداد لرسالة الرسول الأعظم وبعث للروح الإسلامية من جديد , فأنها لم تكن تفرق بين الذكور والإناث وتعطي لكل واجبه وحريته في السلوك كما كان ولا زال الإسلام فأن أكرم الخلق عند الله أكثرهم تقوى له جل جلاله . وتظهر مساواة المرأة للرجل في الحقوق والواجبات الدينية والمشاركة العملية في الحياة العامة منذ بداية الخليقة حيث قال تعالى : وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (6 ). فدلت هذه الآية الكريمة على المشاركة الفعلية للمرأة مع الرجل في الحياة يسراً أو عسراً , وان أعداء الإسلام الذين لم يفهموا الإسلام فهما عصرياً قد اتهموه بأنه فرق بين الرجل والمرأة في المجالات الاجتماعية وذلك بنظرهم إلى الآية الكريمة الآتية : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ( 7). فكلمة قوامون صيغة مبالغة لـ ( قائم ) أي كثير القيام بمعنى إن مجال عمل الرجل يختلف اجتماعياً عن مجال عمل المرأة فواجب الرجل تامين العيش وتوفير الحماية الكافية لأسرته من الأخطار التي تحيط بها وليس معنى ذلك ان الرجل له الحق في التحكم بحرية المرأة في إبداء الرأي أو القيام بالواجبات الأساسية ما لم يكن ذلك في معصية الله . لقد أعطى الإسلام للمرأة حرية العمل وتولي المناصب وبرزت الكثير من النساء اللواتي كانت لهن مطارحات أدبية وحضور لمجالس العلم والفقه وعلى سبيل الشريعة الإسلامية لم يستثنِ الفقهاء من المساواة في الحقوق بين الجنسين إلا الإمامة الكبرى – أي الخلافة – وفيما عدا ذلك فقد روي عن عمر بن الخطاب انه ولّى الشفاء على السوق وهي امرأة من قومه , وروي عن الإمام أبي حنيفة انه جوز للمرأة ان تكون قاضياً في الأموال وجوز غيره من الأئمة لها ان تقضي في كل الأمور , وقد برز ابن حزم هذه المساواة اعتماداً على الآية الكريمة : وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ( 8). فهي موجهة بعمومها إلى الرجل والمرأة (9 ). يتضح من هذا ان الإسلام قد هيأ فرصاً عقلية وتربوية للمرأة المسلمة فإذا أحسنت استغلالها بلغت بها أعلى المراتب التي قدر للرجال بلوغها كما ارتقى الإسلام بالمرأة عن مستوى السلوك الحيواني إلى مستوى العلوم الراقية وذلك بدعوته إلى تعليم المرأة واهتمامه بثقافتها وتهذيبها وفتح أمامها مجالات العمل الواسعة وأجاز لها الدخول إلى ميادين العمل التي تناسب طبيعتها قال الرسول : طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة . إن اهتمام الطريقة والتزامها بتعليم المرأة أصول الدين والعبادة وخلق فرص من المساواة بين الذكور والإناث يرجع إلى اهتمام الإسلام بهذا المبدأ إذ إن العبادة والتقوى أمر من الله تبارك وتعالى لجميع العباد , قال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (10 ). الهوامش : المصدر : من كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية – حضرة السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني . |