في اللغة
المجاهدة : اشتقاقاً من الجهد وهو الطاقة المبذولة لعمل معين (1) .
في الشريعة الإسلامية
المجاهدة : كل صراع بين الحق والباطل أريد به وجه الله سبحانه وتعالى قال تعالى : ( وَجاهَدوا في سَبيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ)(2) . وقال تعالى : (وَجاهِدوا في اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ)(3) .
أقسام المجاهدة
لما كانت أحكام الشريعة الإسلامية تنتظم الوجود كله ، أي العالم و الإنسان ، فإنها قد سنّت أحكاماً تناسب العالمين لدحض الباطل بشتى صوره وأشكاله ، فكانت المجاهدة في الإسلام على قسمين :
الأول : مجاهدة الباطل – ممثلاً بالمشركين والكفار – في العالم وسميت هذه المجاهدة بالجهاد الأصغر .
الثاني : مجاهدة الباطل – ممثلاً بالأهواء والشهوات – في داخل الإنسان نفسه ، ونعتت هذه المجاهدة بالجهاد الأكبر .
ويجمع قسمي المجاهدة المذكورين ما روي عن حضرة الرسول الأعظم ﷺ بعد عودة المسلمين من أحد الغزوات الإسلامية أنه قال : ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) .
فقيل : يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟
قال : ( جهاد النفس)(4) .
وإنما خص حضرة الرسول الأعظم ﷺ مجاهدة النفس بوصف الجهاد الأكبر ، لأن جهاد الأعداء في العالم له مكان وزمان وظروف معينة وكلها منقطعة بمعنى أن المعارك فيه لها أجل وتنتهي .
إلا أن مجاهدة النفس ليس لها مكان ولا زمان ولا ظروف معينة ثابتة ، بمعنى أن المسلم مطالب دائماً بكبح جماحها وردعها عن شهواتها وأمانيها الباطلة أو المضلة في كل حين ، ولهذا فهو جهاد مستمر متواصل ، ولهذا أيضاً سمي بالجهاد الأكبر .
في الأمر بمجاهدة النفس
النفس هي مضمار الصراع الأول بين المسلم وربه ، فهي الرفيق المخادع الذي يجمع الفجور والتقوى ، وهي مفتاح الهلاك والنجاة لقوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوّاها . فَأَلْهَمَها فُجورَها وَتَقْواها)(5) .
وإذا ما انتصر المسلم على جانب الهوى فيها وتمكن من الباطل في داخله صار من اليسير عليه مواجهة الباطل وأهله في العالم .
ولهذا فقد أمر حضرة الرسول الأعظم ﷺ على ضرورة مجاهدة النفس بلا هوادة فقال حضرته ﷺ : (جاهدوا أنفسكم كما تجاهدون أعداءكم)(6) .
وقال ﷺ : (جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله)(7) .
مرتبة المجاهد في سبيل الله
قال حضرة الرسول الأعظم ﷺ : (المجاهد من جاهد نفسه في سبيل الله)(8) .
وواضح من هذا الحديث الشريف أن مرتبة المجاهد في سبيل الله مقرونة بمجاهدة النفس أولاً قبل مجاهدة الأعداء في الخارج .
ويستفاد منها أمور :
1. من يجاهد نفسه أولاً ثم يجاهد الأعداء ينال مرتبة المجاهد في سبيل الله .
2. من يجاهد نفسه ولا تتاح له فرصة محاربة الأعداء ينال مرتبة المجاهدة كاملة .
3. من يجاهد الأعداء بلا مجاهدة النفس قد لا ينال هذه المرتبة العظيمة .
ولهذا فقد نبه الإمام علي إلى أن أول سبب لترك جهاد الكفار هو ترك جهاد النفس فقال : أول ما تنكرون من الجهاد ، جهاد نفوسكم . حتى قيل أن الإمام علي كان له سيفين : سيف يجاهد به نفسه وسيف يجاهد به الكفار .
المجاهدة بين الفقهاء والعارفين
إن الأحكام الشرعية للجهاد الأصغر قد تبناها علماء وفقهاء الأمة الإسلامية ، وذلك لأنها تقع ضمن دائرة الأعمال الظاهرة في ديننا والتي هي ضمن تخصصهم ، ولقد سعوا جاهدين – ولا زالوا – إلى استنباط الأحكام التي تناسب تطورات الأحداث بما يستند إلى علم أصول الشريعة .
وأما الأحكام الشرعية المتعلقة بالجهاد الأكبر فقد تبناها أهل الاختصاص من العارفين والمشايخ الكاملين (قدس الله أسرارهم أجمعين ) ، وذلك لأنها من أعمال القلوب التي ورثوا علاجها وراثة روحية عن حضرة الرسول الأعظم ﷺ، فقام كل شيخ مرشد بوضع منهج خاص يؤدي إلى ليّ عنان النفس وترويضها على الطاعات وكسر حدة شهواتها . واصطلح على هذا المنهج اسم ( الرياضة ) .
وإذا ما سلك المسلم على نهج طريقة صوفية وأخذ من الشيخ المرشد أحكام المـــجاهدة الباطــنة ( الرياضات ) ، فإنه سيتأهل لكثير من الأمور الإيمانية ، أحدها الإخلاص في تطبيق أحكام الشريعة المتعلقة بالجهاد الأصغر التي اجتهد العلماء في وضعها .
أقوال وآراء العارفين في المجاهدة والرياضة
ألزم المشايخ والعارفين ( قدس الله أسرارهم ) نفوسهم الإقبال على الله ورسوله ﷺ والإعراض عما سواه وأن تكون خطراتهم وإراداتهم ونياتهم وأفعالهم وأكلهم وشربهم ولباسهم ونومهم ونطقهم وصمتهم ونظرهم وفكرهم واستماعهم واجتماعهم وافتراقهم وسائر حركاتهم وسكناتهم كلها لله ، وأن يقتصروا على حد الضرورة فيما لابد للنفس منه ، وألزموها قلة المنام وقلة الطعام وترك الكلام واعتزال الأنام ، والتحلي بالصفات الحميدات ، والتخلي عن الصفات الذميمات ، وألزموها دوام المراقبة ، وهي دوام نظر العبد إلى الله تعالى وعلمه في كل نفس أن الله ناظر إليه ومطلع عليه ، واستغراق الأوقات بذكر الله ومجانبة الكسل والبطالة وترك الشهوات ، حتى أن منهم من أقام أربعين سنة أو أكثر أو أقل يتشهى شهوة ويمنع نفسه منها ، ومنهم من أقام في البرية في مكان واحد عدة سنين بارزاً للحر وللبرد والمطر والثلج وغير ذلك من الشدائد والعناء إلى أن ظفر ببلوغ المنى ، فكأن تلك الشدائد ما كانت ، ولذات الوصال ما زالت عنــا .
ولم يزل الشيوخ العارفون بالله تعالى يأمرون المريدين بمباشرة الأشياء التي فيها كسر النفوس بل ذبحها ، ولا يزالون يعتادونها حتى يهون عليهم فعلها ، بل حتى يعود مرها حلوها ، مما يختار بنو الدنيا الموت دونها ، وذلك بحسب ما يراه الشيوخ الربانيون .
الهوامش :
[1] – انظر : المعجم العربي الأساسي – ص271-272.
[2] – التوبة : 41 .
[3] – الحج : 78 .
[4] – كشف الخفاء ج: 1 ص- 511 برقم 1362 .
[5] – الشمس : 7 – 8 .
[6] – جامع العلوم والحكم – ج 1 ص 196.
[7] – المصدر نفسه .
[8] – سنن الترمذي ج 4 ص 165 .
المصادر:
السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني – موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه اهل التصوف والعرفانج4 مادة(ج هـ د).