يرى الصوفية ان العلوم على ثلاث مراتب
علم العقل : هو كل علم يحصل بالضرورة ، كإدراكنا بان الكل أعظم من الجزء بلا حاجة إلى برهان ، وهو أيضاً كل علم يحصل بعد النظر في الأدلة والبراهين ، ومنه ما هو صحيح ومنه ما هو فاسد .
علم الأحوال : ولا سبيل له إلا بالذوق ، فلا يقدر عاقل على ان يحدها أو يعرفها بالدليل ، كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر .
علوم الأسرار : وهو العلم الذي فوق طور العقل ، وهو علم النفث في الروع من روح القدس ، يختص به الأنبياء والأولياء . والعالم بهذا العلم ، يعلم العلوم كلها ، يستغرقها (1) .
وقد صنف علم الرؤى والأحلام ضمن الصنف الثالث عند الصوفية ، فهو بالنسبة لهم من جملة علوم الأسرار التي يطلعهم الله تعالى عليها كشفاً
أو إلهاماً كجزء من وراثة النبوة .الرؤى .. ووراثة النبوة
إطلاع الصوفية على أسرار الرؤى والأحلام من جملة ما ورثوه عن النبي ﷺ من العلوم ، هذه الوراثة المشار إليها بقوله ﷺ : (العلماء ورثة الأنبياء)(2).
والعلماء هنا هم من يرثون علم الرسول ﷺ وحاله وعلم ( العبارة ) عما وجدوه من الله تعالى في كشفهم(3) .
وعن هذه المرتبة يقول الشيخ الأكبر ابن عربي قدس الله سره : فاعبد ربك – المنعوت في الشرع – حتى يأتيك اليقين ، فينكشف الغطاء ، ويحتد البصر ، فترى ما رأى النبي ﷺ ، وتسمع ما سمع ﷺ ، فتلحق به ﷺ ، في درجته من غير نبوة تشريع ( رسالة ) ، بل وراثة محققة لنفس مصدقة متتبعة (4) . فإنه لا يرث احد نبياً على الكمال ، اذ لو ورثه على الكمال، لكان رسولاً مثله ، او نبي شريعة (5) . ويعد الصوفية مرتبة الوراثة للنبوة من أعظم المراتب التي خصت بها الأمة المحمدية تكريماً لرسولها الأعظم سيدنا محمد ﷺ ، وبفضل مرتبته تشرفت الأمة بقوله تعالى : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(6) ومن هذه الخيرية أنه في زمان انقطاع الرسالة يكون الكامل وارثاً (7) .
ومن جملة هذه الوراثة ، وراثتهم للرؤى الصادقة وحقائق تفسيرها أو تأويلها ، فذلك كما يقول الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره من معاني النبوة الموروثة الباقية إلى يوم القيامة ، لأن « العلماء بالله ، هم الأولياء ، ولهم من الله الإلهام
لا الوحي ، يستلهمونه أبداً في حال نومهم وفي حال يقظتهم »(8) والمراد بالاستلهام في حال النوم هو الرؤيا الصادقة ، التي اخبر عنها حضرة الرسول ﷺ بأنها جزء من ست وأربعين جزء من النبوة ، وهي التي كانت أول ما بُدِىء به رسول الله ﷺ من الوحي ( فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح )(9) كما جاء في الحديث المروي عن السيدة عائشة قدس الله سره .
ولهذا وفي هذا السياق يحدثنا الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس اله سره عن احد الصالحين من أهل الله وكيف كان يتكلف النوم في بعض الليالي ويتهيأ له من غير حاجة إليه ، فسئل عن ذلك فقال : « يرى قلبي ربي عز وجل » .
وقد علق الشيخ عبد القادر الكيلاني على مثل هذه الحالة قائلاً : « صدق في قوله لأن المنام الصادق وحي من الله عز وجل ، كانت قوة عينه في نومه »(10) .
والمقصود بالوحي هنا هو الاستلهام في المنام أو التبشير بالرؤيا ، وهو المشار اليه في حديث يتردد كثيراً عند الصوفية، مروي عن ابي هريرة ، قال سمعت رسول الله ﷺ يقول : ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، قالوا : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة )(11) .
إذاً ، يعد الصوفية الرؤيا الصادقة وعلم تأويلها ، من جملة علوم النبوة الروحية التي يرثها الأولياء والصالحين حسب مراتبهم ودرجاتهم عند الله تعالى ، وهو ما يعني انه من علوم ( خاصة الخاصة ) وليس من المتيسر على العوام ، بل وحتى بعض الخاصة من المريدين وغيرهم ، الخوض في حقائقه ودقائقه ، إذ كل ما يقوله غيرهم ليس سوى حديث يدور حول ظاهر هذا العلم أو رسمه ليس إلا ، وقد يقترب من الحقيقة وقد يبتعد عنها ، ولكنه في كل الأحوال ليس مستمداً من مشكاة النبوة ، بل من مشكاة العقل أو النظر الفكري .
الرؤيا والعوالم
رأينا في الفصل الأول من ربط الرؤيا بالحافز الحسي ، وهو ما يحيط بالشخص من أشياء ومؤثرات ، ورأينا مَنْ ربطها بالحافز النفسي ، وهو ما يدور في داخل النفس من مشاعر مكبوتة وضغوط نفسية ، كما رأينا مَنْ ربطها بالعقل والمدركات الفكرية ، وهناك طبعاً مَنْ ربطها بالشرع وما ورد في السنة .
بيد إننا اطّلعنا أيضاً على رأي الصوفية الذين ربطوا فيه الرؤيا بما وراء ذلك كله ، أو لنقل بما فوقه ، والمقصود هو ان مجال الرؤيا من حيث المنشأ والتأثير هو أوسع من جميع ما ذكر سابقاً ، ذلك لأنها تنبع عندهم من مرتبة وجودية ومعرفية تستوعب كل ما قيل من نظريات وتتجاوزها .
ويمكن القول ، ان اخص من تكلم عن حقائق هذا العلم عند الصوفية هو الشيخ الأكبر ابن عربي قدس الله سره ، حتى انه خصص الباب الثامن والثمانون ومائة في ( معرفة مقام الرؤيا والمبشرات ) في كتابه الفتوحات المكية ، وسوف نعرض إلى فقرات سريعة من حقائق هذا العلم عند الشيخ الأكبر .
يرى ابن عربي العوالم الرئيسية ثلاثة : عالم الغيب وعالم الشهادة ، ويتوسط بينهما عالم ثالث هو عالم البرزخ او الخيال .
وعالم الخيال كما يقول ابن عربي : « كالحال الفاصل بين الوجود والعدم ، فهو لا موجود ولا معدوم ، فإن نسبته إلى الوجود فيه منه رائحة لكونه ثابتاً ، وان نسبته إلى العدم صدقت لأنه لا وجود له »(12) .
ومعنى ذلك انك اذا تخيلت مثلاً صورة جبل ، فهذه الصورة الخيالية ، لا هي معدومة لأنك تراها في بالك ، ولا هي موجودة لأنها مجرد صورة لا حقيقة حسية لها حال التخيل الا في الذهن ، ولهذا فإن هذه الصورة الخيالية حالة وسطية بين الوجود والعدم ، لها وجه لكل منهما .
وعلى منوال هذا المثال القائم في الخيال الإنساني ، يرى ان في الوجود هناك مرتبة خيالية عظمى تتوسط عالم الغيب الذي يدرك بالبصيرة وعالم الشهادة الذي يدرك بالبصر ، وفي هذا العالم الخيالي الواسع تتجسد المعاني للرائي ، أي ان المعاني تكتسي بحلة الصور ، أو كما يعبر ابن عربي : « تظهر المعاني في القوالب المحسوسة كالعلم في صورة اللبن ، والثبات في الدين في صورة القيد ، والإسلام في صورة العمد ، والإيمان في صورة العروة »(13) .
والمتأمل هنا يجد ان الإيمان مثلاً من عالم المعاني ( لا صورة له في الأصل ) والعروة من عالم الحس ، والحضرة التي جمعت بينهما هي حضرة الخيال . وهي قوة أودعها الله تعالى في الإنسان ، وهي أشبه بالخزانة كما يشبهها ابن عربي ، حيث تجتمع فيها كل أحاسيس الإنسان ومعارفه وما شهد من تجارب في عالمه ، عالم الحس والشهادة ، وهذا الوصف يذكرنا بنظرية الحافز الحسي ونظرية الحافز النفسي ، اللذان فيما يبدو قد اجتمعتا في مرتبة الخيال .
يقول ابن عربي في كتابه ( التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية ) : « وفي خزانة الخيال ، تخزن جبايات المبصرات والمسموعات والمشمومات والمطعومات والملموسات وما يتعلق بها … ومن تلك الخزانة تكون المرائي والأحلام التي يراها النائم »(14) .
الخيال .. ورؤيا المحال
من خصائص القوة المتخيلة عند الإنسان ، قبول المحال ، فبإمكانه تخيل وجود ما ليس له حقيقة ، فيقع في عالم الخيال ما يعتبر وجوده من المحال في عالم الحس والشهادة ، مثال ذلك ان الإنسان يمكنه ان يتخيل بهذه القوة جملاً على رأس نخلة ، أو طائر له أربع قوائم ، أو فرساً له جناحان ، أو حمار له رأس إنسان ، وما شاكل هذه (15) . ولكن الشيخ ابن عربي حين يتحدث عن وجود المحال في عالم الخيال انما يذهب إلى ان الحق سبحانه وهو الوجود المطلق الذي لا يقبل الصورة ، قد يظهر في رؤيا الصوفي في منامه ( تجلي الحق للنائم ) وقد يظهر في رؤيا الصوفي كشفاً في حال يقظته . ويثار هنا تساؤل : كيف يمكن لأحد ان يزعم انه يرى الله ، وهو سبحانه وجود مطلق ، غير قابل للتصور والتخيل ، وغير قابل للتحديد ؟
هنا نلمس الربط بين البعدين السيكولوجي والميتافيزيقي في فكر الشيخ الأكبر ابن عربي ، وذلك حين يجيب عن هذا التساؤل بان الله سبحانه وتعالى لا يظهر للإنسان إلا بصورة معتقده ، يقول ابن عربي : « … فإله المعتقد تأخذه الحدود ، وهو الإله الذي وسعه قلب عبده ، فإن الإله المطلق لا يسعه شيء »(16) .
الرؤيا والإسراء الروحي
ومن قبيل الرؤيا عند الصوفية ، ما تحدث عنه بعضهم بشأن الإسراء الروحي ، حيث يذهبون إلى ان أولياء الله يسرى بأرواحهم في آفاق الأرض والسماء فيشاهدون في هذا الإسراء صوراً تمثل معاني مجسدة فيستلهمون منها ما شاء الله لهم ان يستلهموا من المعرفة والحكمة .
يقول ابن عربي : « … وأما الأولياء فلهم اسراءات روحانية برزخية يشاهدون فيها معان متجسدة في صور محسوسة للخيال ، يعطون العلم بما تتضمنه تلك الصور من المعاني »(17) .
وقد بين لنا ابن عربي في كتابه ( الاسرا إلى المقام الأسرى ) وفصل في كتابه الفتوحات المكية كيف تراءت له رؤى اسري فيها بروحه ، وعرج بها من مكان إلى مكان ، وما شهده في اسراءاته من صور برزخيات ومعان متجسدات وكيف رأى ما يرى النائم انه نزل عند بعض الأنبياء فرحبوا به وأكرموه ، وحاورهم وحاوروه ، واستفسر منهم فأفادوه .
الرؤيا في اليقظة
يظهر لنا مما تقدم ومما هو معروف أيضاً ان الرؤيا هي ما يراه النائم أثناء نومه ، ولكن للصوفية رأي آخر في هذا الشأن . فعالم الرؤيا عندهم غير محصور بحالة النوم فقط ، بل بالنوم واليقظة معاً ، وذلك لمن وصل منهم إلى مرتبة تسمى مرتبة اليقظة . وهذه المرتبة يكون فيها العبد في حضور دائم مع الله ، أي لا يغفل أو يسهو طرفة عين عن الله تعالى ، الأمر الذي يعني ان ليله كنهاره ، ويقظته كمنامه ، ورؤياه كرؤيته (18) …
يصف حضرة السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره أصحاب هذه المرتبة قائلاً : « أهل اليقظة رأوا الله عز وجلبقلوبهم فاجتمع شتاتها .. تتساقط الحجب بينهم وبينه ، محيت المباني وبقيت المعاني … فلم يبق لهم سوى الحق عز وجل »(19) . ويقول عنهم في موضع آخر من كتابه الفتح الرباني :«… يرونه يقظة ومناماً بأعين قلوبهم وصفاء أسرارهم ودوام يقظتهم »(20) .
وقد حكي عن الشيخ الجنيد البغدادي قدس الله سره أنه قال : « أنا أكلم الله منذ ثلاثين سنة ، والناس يظنون أني أكلمهم »([2)، ويعلق الإمام الغزالي على كلام الشيخ الجنيد هذا قائلاً : « وهذا إنما يتيسر للمستغرق بحب الله استغراقاً لا يبقى لغيره فيه متسع »(22) .
ومعنى ذلك ان هناك فرقاً بين رؤيا العوام ورؤيا الخواص ، وهذا الفرق راجع فيما يرى الشيخ ابن عربي إلى قوة الخيال ، فأهل العموم لا تعرف حضرة الخيال إلا رؤيا في المنام ، أما الخواص من أهل الله فيرونها في حال اليقظة كما يرونها في حال النوم بلا فرق ، يقول ابن عربي : « العامة لا تعرفها ولا تدخلها [ يريد حضرة الخيال ] إلا إذا نامت ورجعت القوى الحساسة إليها ، والخواص [ من أهل الله ] يرون ذلك في اليقظة لقوة التحقق بها »(23) .
والحقيقة ان باب الرؤيا واسع جداً عند الصوفية ، وفروعه كثيرة ، فهناك التجلي الذي يعد ضرباً من ضروب الرؤيا وأقسامه لا تحصر ، وهناك الشهود ، وهناك مسألة الرؤية وفرقها عن الرؤيا ، وهناك غير ذلك ، وجميعه يكشف لنا مدى عمق هذا العلم وخلفيته الروحية عند الصوفية ، خاصة وهو من العلوم البرزخية الرابطة بين الغيب والشهادة .
تلازم الرؤيا بين النوم واليقظة
هناك أمر بالغ الأهمية في الفهم الصوفي سبق الإشارة إليه ، وهو مسألة التلازم بين الرؤيا في النوم والرؤية في اليقظة ، وقد تجلى هذا التلازم بأبهى صوره عند الصوفية في مسألة رؤية حضرة الرسول الأعظم سيدنا محمد ﷺ في النوم ، وتلازمها مع رؤيته في اليقظة ، وهذا التلازم جاء استناداً إلى جملة أحاديث نبوية شريفة بهذا الشأن ، ومنها قوله ﷺ : ( من رآني في المـنام فسيراني في اليقـظـة(24) .
من فوائد الرؤيا عند الصوفية
تتجلى فوائد الرؤيا عند الصوفية في كونهم يستبشرون بمناماتهم الصادقة ويرونها إلهاماً إلهياً ، وإلقاءً ربانياً ، فهي تارةً أمراً ، وتارةً زجراً ، وتارةً تحذيراً وتنبيهاً ، وتارةً إرشاداً وتوجيهاً وحكايات الصوفية وأخبارهم عن مثل هذه المنامات لا يبلغها الحصر ، سنذكر شيء منها على سبيل المثال :
معرفة الطريق إلى الله تعالى : روي عن ابي يزيد البسطامي أنه قال : « رأيت ربي عز وجل في المنام ، فقلت : كيف الطريق إليك ؟ فقال : اترك نفسك وتعال »(25) .
معرفة جوانب من السلوك الصوفي : قال النباجي : « تشهيت يوماً شيئاً ، فرأيت في المنام كأن قائلاً يقول : أيجمل بالحر المريد ان يتذلل للعبيد ، وهو يجد من مولاه ما يريد »(26) .
معرفة حال العبد في الآخرة : من رؤى الصوفية المتعلقة بأمواتهم أنها تكشف لهم عن حال صالحيهم في ذلك العالم الآخر ، كما انها تكشف ضمناً عن أمور ذلك العالم ، وكأن شيوخهم حتى بعد انتقالهم إلى الدار الأخرى لا يتوقفون عن الإرشاد والتربية ومن ذلك
ما روي أن الشيخ سفيان الثوري رؤي في المنام ، فقيل له : ما فعل الله تعالى بك؟
فقال : رحمني .
فقيل : ما حال عبد الله ابن المبارك ؟
فقال : هو ممن يلج على ربه كل يوم مرتين(27) .
ويمكن ان يستفاد من هذه الرؤيا أمور :
1. ان السيرة التي كان الشيخ سفيان الثوري يحيا بها أوصلته إلى رحمة الله تعالى ، وكأن هذه الرؤيا كتاب تزكية لمنهجه الصوفي .
2. ان هناك ولوج على الله تعالى ربما يكون مرتين وربما أكثر أو اقل .
الأمر بصالح الأعمال : حكي عن الشيخ الجنيد البغدادي قدس الله سره أنه كان أول أمره يؤثر الاعتزال عن الناس ، ويمنع نفسه من الكلام بينهم في أمور الشريعة والحقيقة
« حتى رأى رسول الله ﷺ وهو يقول : يا جنيد تكلم على الناس فإنه قد آن لك ان تتكلم الآن »(28) .
وحكي عن ممشاد الدينوري أنه قال : « رأيت النبي ﷺ في النوم فقلت : يا رسول الله ، هل تنكر من هذا السماع شيئاً ؟
فقال : ما أنكر منه شيئاً ، ولكن قل لهم يفتتحون قبله بالقرآن ويختمون بعده بالقرآن »(29) .
الموعظة : بعض الرؤى تتعلق بالموعظة ، وهي أمر بالغ الأهمية عند الصوفية ،
لأنها تنبه العبد على معرفة أمور من نفسه لم يكن يعرفها سابقاً ، وحين تأتي في الرؤيا ، فإنها تنبه على أمور معينة ومقصودة عند الرائي ، ومن ذلك ما روي عن الشيخ بشر بن حارث الحافي أنه قال : ( رأيت أمير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه في المنام ، فقلت : عظني ، فقال : ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء طلباً لثواب الله تعالى ، وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله تعالى، فقلت : يا أمير المؤمنين زدني فقال :
قد كنت ميتاً فصرت حياً
وعن قريب تصير ميتاً ) (30) .
التنبؤ ببعض الأحداث : « قال بعضهم : رأيت الليلة التي مات فيها داود الطائي نوراً وملائكة صعوداً وملائكة نزولاً .
فقلت : أية ليلة هذه ؟
فقالوا : هذه ليلة مات فيها داوود الطائي »(31) .
الرؤيا واكتساب بعض العلوم
ويبدو ان دور الرؤيا عند مشايخ الصوفية أو كبارهم لم تتوقف عند حدود الإشارة أو التنبيه أو ما شابه ، بل تسامت إلى درجة ان أصبحت مصدراً دقيقاً من مصادر العلوم عند الصوفية ، حتى ان الشيخ الأكبر ابن عربي اخبرنا في مقدمة كتابه ( فصوص الحكم ) وهو من أهم مؤلفاته وأبعدها غوراً في الفكر الصوفي قديماً وحديثاً ، انه رأى في المنام حضرة الرسول الأعظمﷺ في العشرة الآخرة من محرم سنة ( 627 هـ ) في دمشق وبيده كتاب فقال له ﷺ : « (هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به ) ، فقلت : السمع والطاعة لله ورسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا ، فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله ﷺ من غير زيادة ولا نقصان »(32) .
وحكايات الصوفية عن رؤياهم كما نلاحظ كثيرة لا يسعنا حصرها هنا – وربما نفرد لها كتاباً خاصاً بها إن شاء الله تعالى – وهي متعددة الجوانب والأغراض ، ولكن غالبيتها تدور حول السلوك في طريق الحقيقة .
الهوامش:
[1] – ابن عربي – الفتوحات المكية – ج1 ص 69 .
[2] – رواه الترمذي في سننه عن أبي الدرداء ، – كتاب العلم من رسول الله ، حديث رقم ( 2606) .
[3] – ابن عربي – الفتوحات المكية – ج2 ص 322.
[4] – المصدر نفسه – ج 3 ص 311 .
[5] – المصدر نفسه – ج 2 ص 80 .
[6] – آل عمران : 110 .
[7] – ابن عربي – الفتوحات والمكية – ج 3 ص270 .
[8] – الشيخ عبد القادر الكيلاني – الفتح الرباني والفيض الرحماني – ص 124 .
[9] – عبد الغني النابلسي – تعطير الأنام في تعبير المنام – ج1 ص 3.
[10] – الشيخ عبد القادر الكيلاني – الفتح الرباني والفيض الرحماني – ص 206 .
[11] – أخرجه البخاري عن ابي هريرة في كتاب التعبير – حديث رقم 6475 .
[12] – مجلة المورد – المجلد العشرون – العدد الثاني – ص 32 .
[13] – المصدر نفسه – ص 32 .
[14] – ابن عربي – التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية – 145 .
[15] – مجلة المورد – المجلد العشرون – العدد الثاني – 1992 .
[16] – فصوص الحكم – الشيخ الأكبر ابن عربي -ص 226 .
[17] – مجلة المورد – المجلد العشرون – العدد الثاني – ص 36 .
[18] – الرؤيا – كما يقول أهل اللغة – ما رأيته في منامك ، أما الرؤية فهي النظر العين او القلب ( ابن منظور – لسان العرب – مادة رأي – ج 14 ص 291) .
[19] – الشيخ عبد القادر الكيلاني – الفتح الرباني والفيض الرحماني – ص 187 .
[20] – المصدر نفسه – ص 182 .
[21] – الإمام الغزالي – إحياء علوم الدين – ج2 ص 68 .
[22] – المصدر نفسه – ج2 ص 227 .
[23]- مجلة المورد – المجلد العشرون – العدد الثاني – ص 34 .
[24] – أخرجه البخاري عن أبو هريرة في كتاب التعبير – حديث رقم 6478 .
[25] – الإمام القشيري – الرسالة القشيرية – ص 369 .
[26] – المصدر نفسه – ص 371 .
[27] – المصدر السابق – ص 369 .
[28] – الشيخ عبد القادر الكيلاني – الفتح الرباني والفيض الرحماني – ص 288 .
[29] – الإمام الغزالي – أحياء علوم الدين – ج2 ص 270 .
[30] – الإمام القشيري – الرسالة القشيرية – ص 369 .
[31] – المصدر السابق – ص 372 .
[32] – ابن عربي – فصوص الحكم – ج1 ص 47 .
المصدر : من كتاب الرؤى والاحلام في المنظور الصوفي – أ.د. الشيخ نهرو الشيخ محمد الكسنزان الحسيني .
|