المعز عبد الرحمن موسى
هل الصوفية علم هامشى ؟
ويتحدث الكاتب الفرنسى د. إيريك عن مكانة التصوف في الثقافة الإسلامية ويقول إن علم الصوفية ليس علما هامشيا كما يرى البعض فهناك أقطاب الصوفية يرون أن التصوف ما هو إلا حب وصفاء وأخلاق فالتصوف هو الخلق فما زاد عنك فى التصوف فقد زاد عنك في الخلق فالتصوف قادر على تربية الإنسان والفرد ومن ثم المجتمع والأمة ودعم القوة الروحية والتربوية والإيمانية للمسلمين في جميع جوانب الحياة ومن هؤلاء العلماء ابن الربيع ومحيى الدين بن عربى الذى كان له دور مع أتباعه في الحروب الصليبية في فترة الناصر صلاح الدين الأيوبي والسيد البدوى من بلاد المغرب وأحمد الرفاعى وعبد القادر الجيلانى وأبو الحسن الشاذلى من بلاد الأندلس وإبراهيم الدسوقى وابن المبارك وهؤلاء من أئمة الصوفية .
فنظرة هؤلاء للعلم أن يتخذوا كل شئ عن البعد الداخلى الذى يتحدث عن تعليم الإسلام ويؤثرون أن يبرزوا أسرار القرآن وآياته ومعجزاته وهذا نهج واضح أخذه الكثير من أساتذة التصوف وشيوخهم وأئمتهم يحاولون أن ينيروا قواعد الإسلام فهم يرفضون أن تكون تعاليم الإسلام مثل الصناديق ولكن كل ركن في شريعة الإسلام عند المتصوفين له مكانه عندهم وفكر بداية من فكرة التوحيد لا إله إلا الله فهم يرون أن اله واحد وكل شئ فيما سواه سبحانه متعدد وهذا يتطلب البحث عن المعنى والتفسير والاجتهاد لمعرفة هذه الأشياء ومن أبرز علماء الصوفية ابن خلدون وهو صاحب علم الاجتماع الحديث الذى عاش عام 1908 هـ تعلم الشريعة وادمج علم الاجتماع مع العلوم الإسلامية.
فالصوفية علم عقلانى بل هناك من علماء الصوفية من تولى القضاء وكان يلقى بالخطب على الفقهاء ويعلمهم الشرائع الإسلامية. وتفسير قوانين القرآن الكريم وهو ما أثر في الثقافة الإسلامية فالصوفى يهتم بكل العلوم ولكنه يركز بصورة أكثر على علم الأحوال أو علم القلوب أو علم الباطن فى مقابل العلم الظاهر ويسعى للوصول إلى الطهارة الداخلية التى تصل به إلى العلم اللدنى الذى ذكر فى سورة الكهف وناله سيدنا الخضر كما ذكرنا سالفا مقابل العلم الملموس ومن أبرز علماء الصوفية أيضا الشيخ محمد الغزالى . تعلم نظرية المكاشفة وهى نظرية يمكن إثباتها ويمكن أن نقول أنه علم الفقهاء الذى لم يعره الكثير فهذا المجال الدقيق لا يفقهه الكثير بل يدينونه رغم أن هناك نموذجا له في القرآن وفي السنة المحمدية ولكن لم يستوعبه البعض حتى الآن .
المستشرقون والفصل بين الصوفية والإسلام
حاول بعض المستشرقون الفصل بين الطرق الصوفية والإسلام بل حاولوا تشبيه الصوفية بأنها صورة تأثرت بالثقافة الدينية المسيحية أو البوذية أو اليونانية وهذا غير صحيح فهناك ابن العربى وهو قطب صوفى تغذى من القرآن والسنة النبوية وهناك دراسات صوفية عديدة تحدد طريق المتصوف وتفسر المقامات الروحية التى تحقق طهارة النفس والذات وتفتح كل مقامات الإيمان فهناك بعض المفاهيم الإسلامية والقواعد الأساسية فى النهج الصوفى على سبيل المثال:
التوبة هى طريق إلى الله وهى أساس التصوف ومن مبادئ القرآن وهناك الصدق وهو من الأمور الهامة فى حياة المتصوف وهناك الإخلاص وهو من المقامات الأولى والرئيسية بين المؤمن وربه وهناك التوكل على الله والتقرب إليه والعلاقة بين العبد وربه والقرب الذى يبحث عنه دائما المتصوف وهو المحبة فهناك الآية التي تقول “وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان” فالكثير من المقامات يسلكها المتصوف وكلها عبر القرآن الكريم وسنة النبى محمد وليست بعيدة عن هذا الطريق فالنموذج المحمدى هو النموذج الأمثل في التصوف.
السنة والصوفية
السنة هى محاكاة كل ما كان يفعله الرسول ظاهريا مثل السواك أو السلوكيات وهى محاكاة ظاهرية ولكن الصوفيون يأخذون الأحكام والأفعال من الشريعة والفقهاء يركزون على أفعال وأقوال الرسول وكيف ينعكس ذلك على الأمور الظاهرية أمل الصوفية فيبحثون عن الأخلاق والصفات والسلوك والطرق الروحية الكامنة داخل النفس والذات البشرية فقم يرون في رحلة الرسول “رحلة الإسراء والمعراج” والصعود إلى السماء لا يركزون على هذه الرحلة بالجسد هم يريدون أن يعيشوا هذه التجربة الفريدة وهى الارتقاء الروحانى بالنفس وعلى الناحية الأخرى فقد يهتم السنة بما يفعلة الرسول وكيف كان يهتم بلحيته أما الصوفيون يهتمون بالأمور الداخلية الباطنية للرسول وهناك بعض الصوفيين يجمعون بين الناحيتين الظاهرية والباطنية أى سلوكيات الرسول ومظاهر أفعاله وروحانياته في العبادة وإخلاصه إلى الله وهى أفضل المراتب والصوفى يرى في الرسول المعلم الأول ثم الأساتذة الذين تعلموا على يديه وهم الصحابة أبو بكر وعلى وعمر فسلسلة التصوف تستمد حلقاتها من الطريقة المحمدية بصرف النظر عن باقى الطرق وأصحابها ومريديها فكلها تدخل في نطاق واحد هو الطريق المحمدى الطريق الصوفى أن تتكون أسرة كبيرة ومتعددة ولكن كلها تنتمي إلى الطريقة المحمدية. ولأن الرسول كان يتحدث للناس وفقا لدرجاتهم وعلى قدر عقولهم وإيمانهم.
أخلاقيات الصوفى
ويتحدث في النقطة الأخيرة من هذه المحاضرة الكاتب الفرنسى د. إيريك عن بعض صفات المتصوف وخطواته الروحية وهى خطى قرآنية وأولها الزهد والتخلى عن الأمور المادية وقد يفهمها البعض على أنها عدم التمتع بمباهج الحياة والابتعاد عن الدنيا ونعم الخالق ولكن الحقيقة أن الصوفى مندمج في كل فئات المجتمع ويستمتع بكل ما أحل اله ولكن دون تملك وأنانية لأن الإسلام لم يأت للثراء والاستحواذ والأطماع ولكن جاء من أجل إسعاد الآخرين فسعادة الإنسان لا تتحقق إلا من خلال قدرته على إسعاد الآخرين ومعاونتهم وتعاونه معهم والإحساس بهم.
وأخيرا فإن التصوف حسب وصف الكاتب الفرنسى هو كل إنسان استطاع أن يصل بنفسه إلى درجة من الصفاء والنقاء والشفافية في الحب والبعد عن كراهية الآخر فالصفاء الداخلى هو أهم ما يوصف به المتصوف وهناك حديث مهم للرسول كان جالسا مع جماعة من المسلمين فدخل عليهم رجل فقال: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا الرجل القادم” فتبعه أحد الصحابة وطلب منه أن يستضيفه يوما كاملا كى يعرف ماذا يفعل هذا الرجل ليكون أحد أهل الجنة ويبشره الرسول بذلك وهو مازال حيا بين المسلمين وبعد أن قضى يوما كاملا مع هذا الرجل وجد أنه يقوم بأداء الفرائض الإسلامية العادية وعندما سأله ماذا تفعل بعد ذلك فقال: “أنه ينام وليس فى قلبه ضغينة أو حقد أو كراهية لأحد” إذن صفاء القلب ونقائه من أهم ما يميز الصوفى والمتصوفين وهى من ابرز روحانيات التصوف الصفاء الداخلى .
_________
المصدر : موقع الطريقة العركية .
http://www.a3rak.net/ndwa2.htm