النفس هي مضمار الصراع الذي خاضه اهل الطريقة انتصارا او انكسارا او كرا وفرا وهي الرفيق المخادع ، فيها التقوى والفجور وهي مفتاح النجاة والهلاك قال تعالى : (ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها)(1)وبما ان النفس تميل الى حب الشـهوات فان مخالفتــها اطاعة لله وقــهرها عـدل ورحمة بها ، ومطاوعتها والرأفة بها ظلم لها ولما كان هدف اهل الطريقة تجاوز عالم الماديات والسمو الى العالم الالهي وعلموا النفس هي المحرك المسيطر على جميع الادراكات لزم اصلاح هذه النفس وتقويمها والتمكن منها فاحتاجوا بذلك الى عزم شديد وهمة عالية ومجاهدة مستمرة وحرب لا هواد فيها ، واحتاجوا الى جانب ذلك الى دراية تامة بالنفس وطبيعتها واجزائها واسرارها وخبايها ونقاط ضعفها قال الرسول ﷺ : (من عرف نفسه فقد عرف ربه) .
وقال الرازي : (فكما ان النجار يفعل افعالا مختلفة بواسطة الات مختلفة فكذلك النفس تبصر بالعين وتسمع بالاذن وتتفكر بالدماغ وتفعل بالقلب فهذه الاعضاء الات النفس وادوات لها ) (2) .
وقال الامام القشيري : (واعلم ان من نجمت طوارق نفسه افلت شوارق انسه)(3) . يتضح مما تقدم ان النفس هي المحور الاساسي في الدراسة الدقيقة والتعمق المقرون بالتجربة العملية التي بنا بها اهل الطريقة نظامهم الاخلاقي والديني استنادا الى كتاب الله وسنة رسوله الكريم ﷺ فكانت التقوى والايمان جناحي السمو الروحي اللذين حلق بهما اهل الطريقة الى العالم الملكوتي قال تعالى : ( ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض)(4) ، أي ان الله سبحانه وتعالى يطلعهم على العلوم العلوية والسفلية وهذا لا ياتي الا عن طريق الاجتباء او الهداية .
الاجتباء
هو ان يبادر الله سبحانه وتعالى الى منح المريد مواهب من غير سابقة فيظهر على يده الكرامات قال تعالى : (الله يجتبي اليه من يشاء)(5) .
الهداية
هي السلوك علي يد شيخ صادق عارف له دراية بخفايا النفوس وقدرة على التأثير عليها وفيها . ويشترط في ذلك تقديم الانابة والتوبة الى الله تعالى قال تعالى : (ويهدي اليه من ينيب)(6) ، حيث يلجأ المريد الى الشيخ عاجزا عن الاعتماد على ذاته في معاملة نفسه فيعينه الشيخ وينير له الطريق ويمده بالعون والهمة ويرافقه لحظة بلحظة حتى يوصله الى بر الامان .
قال الحكيم الترمذي :(الشيخ هو المأوى والرجل العطوف الذي له حظ في العلم والرياسة ياتي اليه الغرباء من الافاق اقتباسا من ادبه وسيرته وعلمه ويزوره اهل الارادة والصدق تنفيسا عنده فيواسيهم من ذات يده ويعينهم على دهرهم)(7) .
الهوامش:
(1) الشمس : 7-8 .
(2) الرازي – الروح والنفس وشرح قواها .
(3) الرسالة القسيرية .
(4) الاعراف : 96 .
(5) الشورى: 13 .
(6) الشورى : 13 .
(7) الترمذي- كتاب الفرق – ص87 .
المصدر :السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني – كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية – ص102-103 .