الطريقة والعلم
ان للعلم منـزلة وأهمية عظيمة في نظر الإسلام ، فهو الأساس الذي يقوم عليه بناء المجتمع الإسلامي وهو عماده وقوامه ، ومن منطلق هذه الأهمية وتلك الفوائد جاء أمر الله سبحانه وتعالى في الحث على العلم والتعلم فكانت أول آية قرآنية نزل بها جبريل عليه السلام هي :اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)، وقال : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (2) .
ثم جاء الحديث النبوي الشريف ليرفع من شأن وأهمية العلم فقال: ﷺ ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) ، وقال : اطلب العلم من المهد الى اللحد ، وقال:اطلبوا العلم ولو كان في الصين ، فضرب ذلك مثلا في بعد المسافة في ذلك الوقت وتحمل المشاق في سبيل طلب العلم ، كما أمر ﷺ يوم بدر ان يعلم كل أسير من قريش عشرة من المسلمين القراءة والكتابة لقاء حريته.
يتبين من معنى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ان طلب العلم والتعلم واجب على كل فرد ن أفراد الأمة الإسلامية ذكرا كان أم أنثى وبالدرجة الأولى علوم الدين الإسلامي من حقيقة وشريعة لان أساس الدين الإسلامي الحنيف هو القرآن ، والقرآن علم الهي يجمع الكون كله بين طياته فلا بد للمسلم من الإلمام بالعلم والتفقه في سبيل استيعاب المبادئ والتعليم القرآنية التي هي دستور الإسلام ومحمده الأول ، والعلوم على نوعين :
أ. العلوم الظاهرية : وتشمل جميع العلوم الدينية التي يتمكن ان تدرس وتعلم في الكتب إضافة الى العلوم المادية الأخرى كالطب والرياضيات والطبيعيات وعلم الاجتماع وعلم النفس والعلوم الفضائية .
ب. علوم الطريقة : وهي العلوم التي لا يمكن ان تكتسب ولا تدرس في الكتب إلا عن طريق المصاحبة للشيوخ العارفين والسلوك على أيديهم .
ولما كانت الطريقة الكسنـزانية امتداد لرسالة سيدنا محمد ﷺ وبعث للروح الإسلامية فهي تأمر جميع مريديها بالتزام حلقات العلم وتعمل على بث روح الاجتهاد في التهالك على مناهل العلم والمعرفة بغية فهم أصول الدين الإسلامي واستيعاب مبادئ الطريقة .
ان الله كلم الإنسان في القرآن الكريم مخاطبا عقله ولفت نظره الى أسرار كونية دقيقة لا يمكن للمسلم ان يدركها ما لم يكن متسلحا بسلاح العلم وقد مدح أقواما بقوله : ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا(3) .
وذم أقواما آخرين بقوله : إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً(4) .
ان المسلم إذا ما نظر الى المجموعة الشمسية مثلا بأجرامها ومداراتها ودورانها حسب نظام بديع لا يتخلله نقص أو فتور ولا تقديم ولا تأخير أدرك ان هذا من صنع خالق مبدع قدير أودع حكمته في مخلوقاته وجعل فيها إشارات تدل على وجوده وعظمته ، وان كل هذا التنسيق ليس من قبيل الصدفة أو عمل الطبيعة الخرساء كما يدعي بعض المفكرين من الطبيعيين والماديـين : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِـي الْآفَاقِ وَفِـي أَنفُسِهِـمْ(5) .
ولا يدرك هذه الحقيقة إلا أهل العلم والبصيرة والتجربة ، فعلوم الله سبحانه وتعالى موجودة منذ الأزل ولكنه سبحانه وتعالى يظهر ما يشاء إظهاره منها على أيدي من يشاء وما الاكتشافات التي تتم على أيد العلماء إلا أشياء كانت منذ القدم في علم الله وكان العالم سببا في تركيـبها – وليس خلقها – وإظهارها للناس عندما شاء الله سبحانه وتعالى ان يظهر هذا الاكتشاف لفائدة تعم البشر . فالعلم سلاح المؤمن الذي أوجده الله من العدم لعباده ودعاهم الى السعي لامتلاكه ، وكذلك فان أهل الطريقة منذ البداية يؤكدون على ضرورة العلم للمريد السالك ، قال السيد الشيخ عبد القادر الكيـلاني قدس الله سره : تعلـموا العلم فأن فيه خيرا ، تعلموا واعملوا حتى تنتفـعوا بالعلم ، العلم كالسيف والعمل كاليد ، سيف بلا يد لا يقطع واليد بلا سيف لا تقطع) (6) .
الهوامش:
1 – العلق : 1.
2 – الزمر : 9.
3- آل عمران : 191.
4 – الفرقان : 44.
5 – فصلت : 53.
6 – جلاء الخاطر من كلام الشيخ عبد القادر – الناشر الشيخ محمد الكسنـزان .
المصدر : الشيخ محمد الكسنزان ـ كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية – ص115.